Menu

عن الحب في زمن "الكورونا"؟

نصّار إبراهيم

صورة تعبيرية

قال كاتب مبتدئ: القلب الحقيقي اليقظ لا تحكمه قوانين السوق كالعرض والطلب، أو قواعد اللغة وقوانين الفيزياء والهندسة.

فالقلب أقرب لقوانين الكيمياء والجبر وعلم الفلك ودلالات اللغة، إنه حالة تشبه المطر أو حركة الأمواج، أو لنقل حالة فوضى جميلة متمردة، مهمته الأكثر صعوبة هي كسر معادلات الكون الصارمة كجزء من التوازن العام. هل هذا منطقي ومعقول!؟.

لهذا فإن الحب يشبه سلما موسيقيا مفتوحا على احتمالات القلب والروح والوعي، وفي سياقات الحياة نعزف عليه ما تيسر من ألحان في محاولة لتأليف مقطوعاتنا الخاصة، نقترب منه، نلامس مفاتيحه، نداعبها فيكون اللحن الذي قد يأتي على شكل مطر هادئ يدوم طويلا، أو كعاصفة تبرق وترعد وتعصف، فتفجر السيول وتجرف تربة القلب وفجأة يخمد كل شئ.

وقد يشبه نيسان في حضوره تحف به البهجة والألوان بعفويتها وطبيعتها، وأحيانا يتقدم كأيلول ببهائه مع مسحة من حنين بين حضور ورحيل، أو كصيف تموزي فلا نستطيع معه الوقوف أو الجلوس أو النوم، وربما ينسدل كصقيع كانوني حيث يستنزفنا ونحن نحاول أن نسد الثقوب والنوافذ والأبواب كي نحتفظ ببعض الدفء، وقد يكون إيقاعه سريعا "كجمعة مشمشية" ثم يغيب بعدها حتى الموسم القادم، وقد يكون حزينا كناي شرقي، أو متداخلا ومعقدا كمقطوعة بيانو، وربما يكون حنونا رشيقا كرقص الكمنجات، أو طروبا كهديل العود، وربما يصدع كطبل، أو يحملنا نحو الشوق على أوتار قانون شرقي، وفي بعض الحالات يختلط اللحن كفرقة نحاسية صاخبة. وهكذا نمضي بين إرهاق واستمتاع وحزن وبهجة وحنين وفرح وغضب ويأس وأمل وخيبة.

وقد يشبه الحب أيضا مملكة النبات، حيث يحتاج كل نوع منه لكمية ماء وتربة وبيئة وحرارة ورطوبة وضوء معين، بعضه يكتفي بماء المطر، وبعضه يحتاج أن تسقيه كل يوم، بعضه إن زدت الماء ذبُل، وآخر يعشق ضوء الشمس إن زرعته في الظل رحل، فيما بعضه يحتاج لظل ورطوبة لينمو، وبعضه تناسبه الثلوج، وبعضه لا يجد ذاته إلا في الصحراء بجفافها. بعضه استوائي المزاج وبعضه مداري، بعضه يهوى الجبال وبعضه يراوغ عند السفوح وآخر لا يغادر السهول، بعضه يعطي ثمارا وبعضه جمالا، وبعضه ظلا، وبعضه خشبا، بعضه عطري وبعضه شوكي، بعضه يلقح ذاته وبعضه يحتاج لتدخل خارجي، بعضه كالعليق إن مددت يدك إليه أدماك، وبعضه سامق وآخر متسلق، بعضه زاحف وبعضه يغوص في التراب، بعضه طفيلي وبعضه كريم.

والحب أيضا مزيج مدهش يغطي مساحات الألوان كلها بظلالها وضوئها وتدرجاتها اللانهائية. إذن هو الحب هكذا، اشتغلت به الآلهة والكائنات وبقي منفتحا على احتمالات الناس، منذ إنسان الكهف ذهابا نحو أعماق المستقبل. هو هكذا منفعل وفاعل، مشاغب وملتبس، قلق ومقلق لا يستقر على حال، يراوغ على كامل المساحة الممتدة بين جنون قيس وأذن فان كوخ المقطوعة! والذكي الذكي من يدرك نوع الحب الذي يناسبه؛ فقد يكون اكتشافا لنوع جديد، ومع كل ذلك، يبقى احتمال مفتوح على مختلف الاحتمالات.

فريدريكو غارسيا لوركا شاعر إسبانيا العظيم يواجه الرصاص وينشد: قولي لي كيف أستطيع أن أحبك إن لم أكن حرا، كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي.!؟

إذن ليكتشف، أو بصورة أدق، ليبدع كل إنسان أو"ليرسم" لوحة الحب الخاصة به، المتناغمة مع الحالة والخصائص والواقع والزمن، لا تذهبوا للقصائد والموسوعة البريطانية، فلا جدوى من ذلك، فالحب في أحيان كثيرة أكثر بساطة مما تعتقدون، وفي أحيان أخرى أكثر تعقيدا مما يتهيأ لكم، فاكتشفوه حيث وكيف يكون، تلك هي المهمة الأصعب وبعد كل هذا، لست أدري، هي مجرد أفكار عن الحب في زمن "الكورونا"!.