Menu

مُشاهَدات يوميّة من الحَجر (4): كورونا الصهيونيّة ومصلُها الشافي.. الحُرّية للأسرى

محمد كناعنة

(كتبت هذا المقال قبلَ أكثر من أسبوع ونُشرَ في صحيفة "نداء الوطن"، أعيد نشرهُ هنا كما هو، وها هي الأحداث تَتسارَع والوباء يغزو أسرانا في السجون والقادم أسوأ)..

مُنذُ بِداية انتشار وَباء فايروس كورونا في بلادنا خَرَجت هُناك عَشَرات الدَعَوات والتَغريدات المُناشِدَة بالالتفات إلى أوضاع الأسيرات والأسرى في سُجون الإحتلال، (ويَقبَع في هذه السُجون أكثَر من خَمسَة آلاف أسيرة وأسير، منهُم حوالي 250 طفل وأكثَر من 700 مَريض و45 أسيرَة يَعشنَ في ظروف قاسِيَة)، ليسَت صُدفَة هذه المَخاوِف وليسَ مُستغرَبًا هذا القَلَق لِدى الناشِطين والأسرى المُحَررَين فَكيفَ الحال إذًا مَع أهالي الأسرى خاصّة في ظل مَنع الزيارات كَإجراء "وِقائي" لِمُكافَحَة وباء الكورونا، وَما أن خَرجَ خَبَر صَغير كَأنَّهُ عابِر عن إصابَة بَعض الأسرى بفيروس كورونا في قسم 10 وقسم 6  في سجن مجدو وهو قسم "المَعبار" أي القِسم الذي يَتم توزيع الأسرى منهُ وإليهِ من كُل السُجون.

وبحسَب الروايَة بأنَّ أحد مُحَقّقي الشاباك في مركز  مَدينَة "بيتاح تكفا" (ملَبس المُحتلة)، هو من نقلَ الفيروس إلى أحد الأسرى خلال التحقيق مَعَهُ هُناك، انتشر الخَبَر على صَفحات التَواصُل الاجتماعي كالنارِ في الهَشيم، فَخرجَ البَعض، وَبحَق، بأنَّهُ علينا أن نَتوَخّى الحَذَر في مثل هذه الأخبار، ولكن هل هُناك من يَستطيع لَجم الصُحف الشَخصية لِكُلِّ فَردٍ مِنّا، وليسَ كل من نَشَرَ أرادَ أن يحصل على السَبَق الصَحفي، بل هُناك كثيرات وكثيرين ممن أرادوا وأرَدنَ أن يُعبّروا عن قلقهم، ولكن البَعضَ طالَبَ الجميع بالانتظار للخبر الشافي وَالصَحيح.

والسُؤال: مِمّن هذا الخَبَر الموثوق؟ أمنَ الاستعمار نَستَقي أخبارنا ونتأكّد من صِحة الشائِعات أو عَدَمها؟، وهذا ما حَصَلَ، وبعدَ أن ضَجَّت السُجون والأسرى خرجَ تَصريح ممّا يُسمَّى بمصلحة السجون الصَهيونية ينفي خبر إصابَة بعض الأسرى بالفايروس الخَطير وتناقلهُ البَعض ورَدَّدَهُ آخَرون وصَدَرت البيانات من مؤسّسات مختلفَة تقول بأنَّ لا مُصابين بالفايروس كورونا في صفوف الأسرى.

اقرأ ايضا: مُشاهَدات يوميّة من الحَجر (3): استعمار وضفَّتي جِدار

لا ثِقَة بِروايَة الإحتلال، فَمن يَعرَف تاريخ هذا الكِيان يجب أن يكون على ثِقَة تامّة بأنَّ لا أخلاق تَردَع ولا وازِع يَمنَع أجهزَة الاستعمار ليسَ فقط من أن تمنَع دخول فايروس كورونا إلى السجون بل وَدفعِهِ إلى هُناك، فَمن قَتلَ في السجون: عُمر القاسِم بالإهمال الطبي وَعَذَّبَ مصطفى العكاوي حتى المَوت وَهَشَّمَ عِظامَ صدرَ إبراهيم الراعي وَقتلِهِ، وَمن حاولَ إطعام المُضربين عن الطعام في السبعينيات من القرن الماضي إسحق مَراغَة وراسم حلاوة وغيرهم وكانَ سَبَبًا في إستشهادِهم.

من يَزج بالأطفال في غَياهب السُجون وَيُصِرّ على وضع كاميرات في ساحات وممرات قسم الأسيرات، مَن يَحتَجز إسراء جَعابيص والتي إحتَرَقَ جَسمها بدرجة عاليَة جدًا وَلَفَّقوا لَها تُهمَة باطِلَة وهي تَئِنُّ من الوَجع صباح مساء، من يَترك الأسير موفق العروق إبن الثمانيَة والسبعون عامًا وهوَ يئن على سَرير المَوت في سجنِهِ، من يُنَكِّل بالأطفال والنِساء والشَباب بأشَدِّ صنوفِ العَذاب، من يقتل الأجِنّة في أرحامِ الأمّهات، من يُطلقَ كلابَهُ في أنصافِ الليالي على غُرف الأسرى في البرد والحَرّ وَهُم نِيام، من يفعَل كلَّ هذا وهذا نَزرٌ يَسير مِمّا يفعلونَهُ هو حتمًا سيكون سَعيدًا بدخول الفايروس إلى أجساد الأسرى.

اقرأ ايضا: مُشاهَدات يوميّة من الحَجر (2): نحنُ والكورونا والاستعمار

فالإهمال الطبي هي من حِرفَة "أطباء" وعيادات مَصلحَة السُجون وهي فُرصَة لِجِلعاد أردان ونتنياهو وميري ريغف وأشكنازي وجانتس وَلبيد ولقيط غيئولا كوهن بأنّ يُحَقِّقوا بَعضًا من أحلامِهم في القَضاء على الحركة الأسيرة مَشعل الحُرّية القادم للشعب الفلسطيني.

هي فُرصَة الآن لهؤلاء بأن يَنقَضّوا على الحركة الأسيرة، وعليه فواجب حِمايَة الأسرى يكون بتحريرهم أولًا وقبل كُلّ شيء ومع معرفتنا لطبيعَة الصراع مع الاستعمار الصهيوني فواجب على كل القوى أن تعمل على إطلاق سَراح الأسرى المَرضى والقدامى والأطفال والأسيرات بأقل تقدير في هذه الظروف التي باتَ الخَطر فيها حقيقي على أسرانا، وباعتقادي أصحاب الشَأن يعلمون جيدًا ما وَجبَ في هذا المِضمار وعلى الحراكات الشعبيّة أن تأخذ دورها رغم الوباء، فإذا كُنا قادرين على الحركَة يجب أن نتحرّك لا أن نَستكين، فَهُم هناكَ في غَياهب السُجون عاجزون عن التنقُل فقط ولكنَّهُم يمتلئون بالأمَل والحَياة.

اقرأ ايضا: مُشاهداتٌ يوميّة من الحَجر (1): الشماتة

الأسرى هُناك لأنَّهُم آمَنوا بالحُرّية وَسَعوا إليها، حُرّيتهُم من حُرّيتنا وهي مرهونَة بِحُرّية الوَطن، وَكَما نَقول في كُلِّ مُناسبَة، ما دامَ هُناك استعمار سَيبقى هُناكَ أسرى، مَسعاهُم كانَ التَحَرُّر من الاستعمار كجزءٍ من معركة الحُرّية والتحرير التي يخوضها شعبنا منذُ أكثَر من مائَةِ عام، هي ذات المَعركَة، الشَفاء من وباء الصَهيونيّة واليَوم هو ذات المَطلَب وذات الهَدف، الحُرّية والتَحَرُّر وَالشفاء من فايروس الكورونا وَوباء الإستعمار الصَهيوني.