بينما يصعد العدو الصهيوني من هجمته على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، راميًا لإجبار هذه الشعوب على الاستسلام الكامل وفرض هيمنته على المنطقة، تتخذ المعركة معه شكل الشبكة المترابطة من نقاط وأدوات ومواقع المواجهة، يؤثر كل منها على الآخر، إما تضافرًا باتجاه الصمود أو اضعافًا لمقومات هذا الصمود، باتجاه لا اسم له إلا الهزيمة، وخروقات لما تبقى من جدار الصمود تكشف ظهر من يقاتل وتتيح تقطيع هذه الشبكة وتصفية نقاطها واحدة تلو أخرى.
في إطار هذه المعادلة لا يمكن احتساب قرارات المواجهة مع العدو برهانات المكان، او حيز المسؤولية المباشر لصانع القرار، بل باعتبارات المعادلة الصراعية الشاملة، وأثر أي خطوة أو قرار أو مسار يتم اتخاذه على إجمالي المواجهة، ومواقع ومواقف الحلفاء والمنخرطين في المواجهة مع المحتل وحلفائه، وتصبح معادلات الاشتباك لا تحتكم للردع الناري والقتالي في موضع الاشتباك فحسب، بل بالدور الذي تلعبه المقاومة و المشتبكين مع الاحتلال- أي من يخوضوا القتال المباشر- على إجمالي الموقف الصراعي.
وإذ تسعى الهجمة الصهيونية/ الأمريكية، لتوظيف ذيولها من نظم الخيانة العربية، في إسقاط شامل للموقف العربي، وإفقاد الفلسطيني ظهيره العربي، واستخدام ورقة التطبيع والانهيار في الموقف العربي كأداة للضغط على الموقف الفلسطيني، وغطاء لفرض خطوات الضم والتصفية على أرض فلسطين المحتلة، في هذه الحالة يكون للاشتباك الفلسطيني في الأرض المحتلة مع العدو الصهيوني، وزن استثنائي في تصليب موقف نقاط الصمود العربي الشعبية منها والرسمية، وردع معسكر العدوان واضعاف وإرباك خطواته، وهذا قد يفسر الرغبة الصهيونية في فرض حالة من الكمون أو السكون على الفلسطينيين، و إدخالهم في حالة من الانتظار؛ فحالة الاشتباك الفلسطيني مع المحتل بكافة أشكالها كانت ولا زالت هي المغذي الرئيسي لمواقف الصمود العربي، تتفاعل معها وتشجعها وتمنحها الحجج والبراهين والقوة، وتوضح حقيقة الصراع وأبعاده، وتكشف زيف المحتل وشركائه وحقيقة أهدافه و استحالة التعايش معه، وطبيعة الخطر الوجودي على مستقبل الأمة العربية وفرص شعوبها في الحرية والاستقلال والازدهار المستقبلي.
إن سعي العدو لتقليص رد الفعل الفلسطيني، على اجراءاته المستمرة لتصفية الحقوق الفلسطينية وضم الأرض وتهجير السكان، يشكل أحد الشروط والأدوات الرئيسية لانفاذ خطة الضم وتوفير بيئة مثالية لانفاذ "خطة التصفية/صفقة القرن"، وبالتالي لا تشكل مقترحات "التهدئة"، أو منطق التفاهمات إلا جزءًا من العدوان وواحدة من أسلحته ضد الموقف الفلسطيني والمواقف العربية الرافضة للتصفية والاستسلام.
هذا الواقع بشروطه القائمة تاريخيًا أو تلك المستحدثة والمرتبطة بالاستعجال الصهيوني لفرض الاستسلام على الفلسطينيين والعرب، يتطلب من الكل الفلسطيني، وخصوصًا فصائل المقاومة، وقوى المواجهة الفلسطينية بكافة أطيافها وأدوارها، الاتجاه لتصعيد خطواتها الكفاحية، وتطوير أدواتها في المواجهة وتوسيع انتشارها وتعزيز دورها في إحداث تغيير ايجابي لمصلحة الطرف العربي في معادلة الصراع مع العدو، فلحظات الوهن العربي الحالي، لا تعني إطلاقًا انتهاء المعركة، أو وجود فرصة لتأجيل الأثمان المحتومة والمؤلمة والتضحيات الضرورية ضمن هذا الاشتباك.