Menu

الأمناء العامون: اجتماع أزمة أم حل؟

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

سياق التجربة السياسية الفلسطينية بكل مخاضاتها ومساراتها ومنعطفاتها وتحولاتها الكبيرة، شهدت محطات ملتبسة أو عصية على الفهم، بحيث بتنا أسرى أزمة متشعبة وممتدة، وفي الوقت ذاته، على قيد الأمل الذي يأكل من رصيده عدم الإقدام فعليًا نحو حل لها يطال بالأساس البنية السياسية والمشروع الوطني وفي صميمه بنيته (حوامله) الاجتماعية؛ فهل يشكل اجتماع الأمناء العامين هذا الحل المنشود أم هو التعبير عن عمق الأزمة الوطنية القائمة؟!

السؤال مشروع، بل ومشروع جدًا، أن يطرح وبروحية نقدية صارمة، خاصة وأن هذا الاجتماع يأتي في ظل حقبة انتقالية بين مرحلتين تاريخيتين نوعيتين، وليس فترتين زمنيتين فقط؛ الأولى هي تجاوز المرحلة التي عمدها أصحابها الفلسطينيين، وبمساعدة ومباركة ودفع من الأنظمة العربية الرجعية وبالرعاية الأمريكية، من خلال الاستثمار في التسوية أو السلام، وكانت حصيلته اتفاق أوسلو الذي شكل وبمختلف المعايير كسرًا حادًا للمسار السياسي الفلسطيني منذ بدايات الصراع العربي – الصهيوني. والمرحلة الثانية، والتي هي حصيلة تراكمية للأولى من خلال الاستثمار في التصفية، لكن هذه المرحلة لا تحتاج أصحابها الفلسطينيين، بعدما أدى اتفاق أوسلو غرضه لجهة الكسر الحاد للمسار السياسي، والتأسيس لانقسام أفقي وعمودي، على مستوى مجمل البنية السياسية والاجتماعية. هذه المرحلة التي تتمحور اليوم في صفقة القرن الأمريكية – الصهيونية وبالتحالف مع الأنظمة العربية الرجعية التي لم تتأخر في إعلان اصطفافها في طابور الحرب المعلنة على فلسطين؛ سواء من خلال حضور إعلانها (أي الصفقة)، أو الاستضافة والمشاركة في ورشة المنامة، المسماة "السلام من أجل الازدهار"، وصولًا إلى إشهار الإمارات و البحرين تحالفهما، وقادم الأيام ستشهد المزيد، بالرعاية الأمريكية بالطبع. 

وإذ نواجه مرحلة جديدة، فهذا يتطلب معرفتها ووعيها، وهذا ما لن يكون دون أن نعرف المقدمات والأسباب التي أوصلتنا إليها، وهذه لا يمكن أن نصل إليها دون مراجعة نقدية جدية وحقيقية؛ لأن الخطابة ومهما بلغت من الفصاحة، ومهما شُحنت بانفعالات أو عواطف، لن تكون أكثر من "فشة خلق"، وبالتالي لن نكون أمام سياسة حل، بل تعميق إن لم يكن تجذير للأزمة.

إن سياسة الحل التي نرجوها ويجب أن نعمل لها جميعًا، وقبل فوات الأوان، والتي طريقها المراجعة والنقد والمساءلة والمحاسبة إن لزم، تبدأ والحال هذا من سؤال الأزمة؛ اعترافًا وتشخيصًا؛ جذورًا ومضامينًا، حيث إننا طوال المرحلة السابقة، ورغم عدم فقدان البعض لمبدأ النقد؛ إلا إنه لم يفلح في أن يؤدي هدفه، وأن يوقف نزيف الاختلالات البنيوية التي طالت كثيرًا من المفاهيم والأفكار والقيم الوطنية والاجتماعية بالضرر الكبير، لأنه ببساطة، لا يمكن لأحد أن يخرج من الأزمة دون أن يعرف كيف دخلها أصلًا، وهنا يأتي موقع المراجعة، كأساس لأي سياسة حل، والتي تفرض علينا إعادة سؤال: هل نحن مشروع تحرر وطني أم مشروع سلطة؟

إن حسم إجابة هذا السؤال يحتاج لاجتماع تاريخي.. نعم، وبكل ما تعنيه كلمة تاريخي من مضامين واستحقاقات، وهذا لن يتحقق دون مقدمات جادة وتحضير كافٍ وتحديد وترتيب الأولويات وإنضاج مضامين النقاش وجوهر المسائل وإعطاء المراجعة حقها.. فالحد الفاصل للجديد النوعي (التاريخي) هو التغيير في المناهج والبنى والسياسات وطرائق العمل والذهنية الفكرية والسياسية، وفي موقع القلب من كل ذلك؛ الموقف من الجماهير/الشعب والثقة بها وحفظ وحدتها وتقدير طاقاتها وتفعيل قوتها، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني التحرري، وحفظ وصون القضية والحقوق الفلسطينية، والخروج من كل الأنفاق التي أودت بها إلى التصفية باسم التسوية، وأن الأساس في العمل الوحدوي والشراكة الحقيقية، هي الجماعية في النقاش والإقرار والفعل، وليس الثنائية أو المحاصصة التي ستُبقي الفئوية الحزبية والتفرد والهيمنة قائمة، بما يعني استمرار التبديد للطاقات الشعبية وتجويف المؤسسات الوطنية... الخ.

باختصار، المطلوب أن نكون أمام ورشة شاملة (حوار شامل وجدي)، تشكل حلقة في سياسة حل متكاملة الحلقات وتراكمية الجهود والنتائج؛ تعيد ثقة شعبنا بقواه وأحزابه وفعالياته، وتعيد الروح والاعتبار والوهج لقضيتنا الوطنية التحررية.