رغم أنّ الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة، حصدت أرواح مئات الآلاف من "السلاف" إلا أن الأسوأ لم يأتِ بعد، فبينما ينتظر الجنود في ميادين القتال الشتاءَ القارس ليحجز بينهم، ويمنح ضباطهم ذريعةً معقولة كي لا يلقون بهم علفًا للمدافع؛ يبدو أن المنظومة الغربية عملت بجهد لحرمان طرفي القتال من فرصة وقف أو خفض المجزرة خلال الشتاء.
ومنذ أسابيع عدّة باتت رؤية حملة الشتاء جاهزة، موجات من القصف الاستراتيجي على الأراضي الروسية، وما نراه اليوم ليس إلا بوادر لما سيقوم به طيران الناتو"الذي يضع علم أوكرانيا" وترسانته الصاروخية خلال الشتاء، وقد تحمّس جنرالات بريطانيا معلنين أنهم سيرسلون قوات إلى الأراضي الأوكرانية بشكل معلن، ولكن المشكلة في هذا أنه قد يتجاوز بكثير قدرة الحكومة والقيادة الروسية على ضبط ذاتها لمعايير حصر الحرب ومحدداتها في الساحة الأوكرانية، ومن يرى مدنه تدمر ومرافق بلاده تسحق على يد عدوه التاريخي لن تكون يده المسلحة نوويًّا في قمة انضباطها، وهو ما يعني أننا اليوم أقرب من أي وقت مضى في التاريخ الإنساني لتبادل القصف النووي؛ ترجيحات أغلب الخبراء تشير إلى أنه سيقتصر على حدود ساحة الحرب الأوكرانية، وربما المناطق المتاخمة لها داخل روسيا، ولكن الواقع أنه في لعبة لم يلعبها أحد من قبل يصعب حقًّا توقع النتائج وإلى أين قد تنزلق الأمور.
هذه حرب الناتو، فالحرب الروسية الأوكرانية قد انتهت بعد أسابيع من اجتياح الروس لأوكرانيا بغية تغيير نظامها، وهو ما فشلوا فيه بوضوح ليتمسكوا بعدها بالدفاع عن المناطق ذات الأغلبية السكانية الروسية، أما أوكرانيا التي تمحورت مطالبها في بدايات الحرب بخروج القوات الروسية من حدودها المعترف بها دوليًّا "حدود ١٩٩١" لم يتبق منها شيء، وإذا كان الروس قد سيطروا على حوالي ١٥- ٢٠ في المائة من الأراضي الأوكرانية، فقد تكفل "حلفاء" أوكرانيا بالباقي، فلا يوجد منطقة أو مرفق أو مؤسسة في البلاد لا يخضع لأوامر جنرالات الحرب في الناتو، وباستثناء كونها منصة هجوم لخليط من قوات حشدها حلف الناتو للهجوم على روسيا، فالبلاد شبح عن شيء قديم مات، وجديد لن يولد إلا جثةً ملغومة.
من ينظر للحرب الأوكرانية الروسية اليوم بعد هذه السنوات يدرك جيّدًا أن أيًّا من الأوكران والروس لن يحققوا شيئًا فيها، فالروس لن يحصلوا على أوكرانيا جارة وصديقة، فالبلاد قد تحولت لمزرعة لكل أنواع الأسلحة الغربية المصوبة والمستخدمة تجاه روسيا، والمطالب واضحة، ولا علاقة لها بمصير أوكرانيا؛ المطلوب القتال حتى آخر أوكراني من أجل استسلام موسكو، وفقدان قرارها وسيادتها بشكل نهائي، ففي عصر الأمبراطورية الأمريكية لا مكان لقوى مستقلة؛ فإما اتباع أو أعداء.
الأوكران أيضًا يتم إرسال من تبقى من رجالهم للموت دفاعًا عن رؤية الناتو بضرورة خضوع روسيا، ومن يرغب بمعرفة موضع الأوكران لدى حلفائهم في الناتو، فعليه أن يراجع كيف تعامل جنرالات الحلف مع أبرز معضلة واجهتهم في إدارة الهجوم الأوكراني المضاد منذ مايو المنصرم، حقول الألغام الروسية تكفلت لأسابيع بإفشال الهجمات المضادة وخسرت القوات المهاجمة الكثير من المركبات المدرعة والدبابات التي زوّدهم بها حلف الناتو، الحل الذي قدّمه جنرالات الناتو لأصدقائهم الأوكران بسيطة، لا ترسلوا دبابتنا ومدرعاتنا، أرسلو جنودكم أوّلًا عبر حقول الألغام، وفي خطوط مباشرة صوب فوهات المدافع الروسية.
وبينما يتم رفع سن التجنيد الإجباري للأوكران ليشمل المسنيين فوق ٧٠ عامًا، يعلن جيران أوكرانيا من أعضاء حلف الناتو صراحةً عن نواياهم لتقسيم أراضي أوكرانيا بينهم، ولا يمانع أيٌّ منهم من إرسال البلاد، وربّما جزء هائل من العالم لمحرقة نووية.
