Menu

مساهمة في الحوار وجهة نظر شخصية

وديع ابو هاني

خاص بوابة الهدف الاخبارية

(في غياب المؤسسة يمكن حدوث كل شيء) عبارة مقتبسة من رواية نجران تحت الصفر ليحيى يخلف.

دعوات ومبادرات لمؤتمرات وملتقيات في المهاجر وبلدان الاغتراب، ماهي الحلقة المركزية لأهداف أي حراك شعبي فلسطيني في هذه اللحظة التاريخية؟

الحوار الوطني الشامل؛ المدخل الصحيح لإعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بدوائرها ومؤسساتها وسفاراتها وجالياتها على أسس ديمقراطية وتنظيمية... حيث كثر الحديث في الفترة الأخيرة، عن المرجعيات والمبادرات، وتعددت الدعوات للمؤتمرات، خاصة في المهاجر وبلدان الاغتراب في أوربا.. وإن كان القاسم المشترك لما طرح وما تضمنته من أفكار تلك الأوراق والدعوات هو تحريك المياه الراكدة ولربما الأسنة في الساحة الفلسطينية، وهي تعبر بأغلبيتها عن نوايا طيبة وتنم عن غيرة وطنية ورغبة تغييرية تجديدية وتثويرية لأوضاعنا الوطنية المأساوية، بعد حوالي ثلاثة عقود من ولوج مؤتمر مدريد (عقد في عام 1991في إسبانيا)، وهو الذي مهد وأسس لأوسلو وملاحقه المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث بات نهج المفاوضات لدى السلطة الفلسطينية الخيار الوحيد، والذي وصل بدوره  لطريق مسدود باعتراف طرفي التفاوض ورعاته أممياً وعربياً. وإن كانت النتائج العملية التفاوضية هي التي أوصلتنا إلى معظم الكوارث الوطنية، وأستكمل بالانقسام الفلسطيني منذ ثلاثة عشر عاماً ليعمق الأزمة الوطنية الشاملة على صعيد وحدة أرض الوطن وليكشف عن هشاشة النظام السياسي الفلسطيني المترنح والآيل للسقوط، حيث جرى منذ ذلك الوقت تغييب متعمد لمنظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها وبرنامجها الوطني عن سابق إصرار، وصل لحد إلغاء أهم بنود الميثاق الوطني القومي الفلسطيني.

وبعد كافة جولات الحوار الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام الجغرافي والسياسي حتى الآن، فقد بائت كل تلك الجهود بالفشل إن لم نقل وصلت لطريق مسدود؛ بسبب استمرار الرهان على تطورات دولية وإقليمية وحسابات خاصة وفئوية عند طرفي الأزمة، وخاصة أن البعض في السلطة الفلسطينية مازال يراهن على نتائج الانتخابات الأمريكية وفوز بايدن، ليتسلل ويعود لمربع التفاوض والرباعية الدولية.

لكل ما تقدم من صورة مأساوية لواقع الحال للحالة الوطنية، والتي طالت كافة مناحي الحياة للمجتمع الفلسطيني وباتت تهدد حقوقه الوطنية بالتصفية.. حيث تواجه القضية الوطنية مخاطر جدية وحقيقية تطال معظم الأرض والوطن والثوابت من (قدس ولاجئين ودولة واستقلال وسيادة)، وهذا ما يسعى له ترامب في خطته عبر صفقة القرن ومخطط وقرار الضم الصهيوني لما تبقى من الضفة المحتلة والأغوار. لقد شكلت كل تلك الأسباب الأساس الموضوعي لاندفاعة كل تلك المبادرات والمبادرين وأشكال من الحراك الشعبي، رغم تعددها وخلفية مشاربهم، والتي تنم عن شعور عالي بالمسئولية الوطنية في أغلب ما تضمنته تلك المبادرات والأوراق والأفكار.

لقد أُتيح لي أن أطلع على مجموعة كثيرة من الأوراق التي تصب بأهداف نبيلة بمعظمها، رغم أنها جهود مبعثرة ومشتتة حتى الآن، وذات خلفيات سياسية وتنظيمية ونخبوية، وربما بعضها يُغلّب الجغرافية والعلاقات العامة والتنظيمية من بعض الفئات والشخصيات المستهدفة في التحضير والحشد لها.

تابعنا في السنوات الأخيرة الكثير من المبادرات والملتقيات والمؤتمرات الجالوية، في أكثر من ساحة في (أوربا وتركيا والسويد وألمانيا وبريطانيا ولبنان و سوريا وغيرها، وربما الحبل على الجرار؛ فما هو تقييمنا لنتائج تلك المؤتمرات والفعاليات الإعلامية والسياسية والجهود المشكورة؟ وأين وصلت بنتائجها وقراراتها التي تمخضت عنها؟ وهل شكلت بديلاً جامعاً شاملاً للحالة الوطنية؟

اليوم بين أيدينا الكثير من الأوراق والدعوات والمبادرات التالية؛ مبادرة من عدد من الإخوة واللجان في السويد (تجمع عائدون وجمعية شتات) يتقدمها الإخوة خالد السعدي وطارق أبو بسام وآخرون تحت عنوان ( فلسطين تجمعنا). وقبل أيام طرحت دعوة لمؤتمر صحفي في أوربا من قبل السيد ماجد الزير في ألمانيا، وعمر فارس من بولندا، والأخت رينية أبو الرب من إيطاليا. ومؤخراً وصلتني أوراق لعقد مؤتمر المسار البديل الثوري المنوي عقده في مدريد إسبانيا نهاية أكتوبر المقبل ٢٠٢١، وربما نجد أنفسنا أمام دعوات ومبادرات جديدة.

 

السؤال المطروح هل ساحتنا الوطنية الآن، وأوضاع جالياتنا، ومنها السياسية والصحية في ظل وباء كورونا تحتمل كل هذه المبادرات والمؤتمرات؟ هل ما يجري يوحد الجهود الوطنية في ظل محاولات وحوارات وطنية تجري في أكثر من مكان لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني ولإنهاء الانقسام على أسس سياسية وتنظيمية رغم أي تحفظات للبعض أو التشكيك بأن تحقق النتائج المعلنة والمرجوة لشعبنا؟ وما مدى ديمقراطية وشعبية تلك المبادرات وقدرتها على التوحيد والتنسيق  خارج فعل وتبني القوى الفلسطينية لها، أو على الأقل دعمها، إلا إذا اعتقد البعض واهماً بأنه سيشكل بديلاً فوقياً وثورياً لمجموع الحالة الوطنية الفلسطينية بضربة سحرية خارج الميدان ولا يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والذاتية التي تعيشها الساحة الفلسطينية وتدخلات الجغرافية السياسية والمال السياسي في دعم أو تقويض أي خطوة وطنية، عدا عن الملاحقات في المهاجر من قبل بعض الدول وأجهزة الموساد  للأصوات المناضلة ومحاولات وصمها بالإرهاب وملاحقتها.. وكلنا يتابع ما تتعرض له لجان المقاطعة (BDS)؟  أم أن بعض هذه المبادرات والهمروجات أصبحت موضة وبرستيج، يعكس رغبة البعض لتصدر المشهد لأشخاص ورموز لا تقيم وزناً للحوار والديمقراطية والانفتاح على الآخر وذلك لأهمية الحوارات المعمقة والشاملة لإنضاج أي مبادرات ومؤتمرات لضمان نجاحها.. كما دلت تجارب الهمروجات السياسية والإعلامية السابقة؟

بحوزتي أيضاً دعوات نحو بناء تيار ديمقراطي يساري فلسطيني، ونحو بناء تيار شبابي فلسطيني ديمقراطي؛ السؤال هل تتحمل ساحتنا الوطنية وجالياتنا كل هذه الدعوات والمبادرات غير التوحيدية حتى الآن؟

لا شك بأن المضمون السياسي في الأوراق المقدمة تحمل شعوراً وطنياً، لمن يقف وراء تلك المبادرات، وهي تعكس أجندة وأهداف سياسية، ربما مشروعة ومبررة، تصب في خط الاعتراض على ما يجري في الساحة الوطنية وعلى نهج السلطة الفلسطينية، بعد ربع قرن من مفاوضاتها العبثية، ورسالة قوية شعبية لطرفي الانقسام اللذان ما زالوا يكرسوا الانقسام الجغرافي والسياسي، والبعض يطرح بدائل جذرية ثورية للمسار السياسي السائد فلسطينياً منذ عقود. السؤال المطروح أيضاً: هل من مبادرة وطنية جامعة تعزز الوحدة الوطنية وانهاء للانقسام ولإعادة البناء للمنظمة وللنظام السياسي الفلسطيني؟

حقيقة ما أحوجنا وطنياً اليوم قبل الغد لذلك، وهنا الأولوية والجهود والمدخل لعملية الإصلاح الشاملة لأوضاعنا الوطنية المزرية، فهذه الزحمة والتشتت في الجهود والكلفة وفي التوقيت لربما  ينطوي بعضها على نوع من الفوضى ارتباطاً بكم الأوراق والدعوات التي لن تحل مشكلاتنا الوطنية، ولن يتوحد شعبنا عليها في هذه الظروف الموضوعية والذاتية الصعبة التي تحيط بقضيتنا؛ إذا لم تتلاقَ هذه المبادرات وتتقاطع بقواسم مشتركة، بحيث تتوحد الإرادة الوطنية من قوى سياسية فاعلة، تشكل حاضنة وطنية مع بعد شعبي، بحراك فاعل، يضغط لتحقيق الأهداف الوطنية المأمولة؛ من هكذا مبادرات ومؤتمرات. والأسئلة التي تطرح في هكذا حال، كيف ستكون العلاقة بين أصحاب المبادرات والمؤتمرات بالمرجعيات الوطنية الرسمية ومع الفصائل الوطنية الفلسطينية وفي الحوارات الجارية بين القوى السياسية الفلسطينية في رام الله وبيروت ودمشق وغيرها؟ وهل يمكن توفير قواسم مشتركة لإعادة إحياء وتفعيل وتوحيد الجاليات بالمعنى الوطني؟ وكيف ستصب هذه الجهود في تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام؟ وكيف يمكننا فتح حوار وتلاقي بين كل تلك المبادرات التي تطرح في كافة الساحات والجاليات؟ وهل من الحكمة الوطنية أن تقتصر المبادرات الوطنية على جغرافية معينة ولا تتعاطى مع الشأن والكل الوطني؟ وهل من حق أحد الهيمنة وتصدر المشهد في غياب الآليات الديمقراطية التي تحترم إرادة المشاركين والمدعوين للانضمام لهذه المبادرات؟ وسؤال من واقع التجارب السابقة، كيف تعاطت الافرازات التنظيمية بعد تلك المؤتمرات وعلاقتها مع المرجعيات الرسمية، والتي عقدت في أكثر من مكان في الفترات السابقة،

خاصة بأنه يكثر الحديث عن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها ومؤسساتها؟ فما علاقة اللجان التي ستنبثق عن المؤتمرات مع كل هذه الجهود الوطنية لإعادة بناء المنظمة ومؤسساتها؟ وهل ستكون جزءاً من المنظمة أو تعمل لخلق بدائل أو موازٍ لها؟ وكيف ستكون العلاقة الرسمية بين القائمين على تلك المبادرات والمؤتمرات مع دوائر شؤون اللاجئين والمغتربين والجاليات الأخرى والسفارات؟ أم ستشكل بدائل أو أطر موازية لها أيضاً، خاصة أننا نعيش حالة مخاض وجدل وورشة وطنية شاملة من قبل قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني، لإعادة تحقيق الوحدة وانهاء للانقسام؟ فهل هذه المبادرات المتعددة هي تمثل بدائل وتعارض مع هذه الجهود الوطنية الجامعة؟ أم ستكتفي كقوة ضغط وحراك شعبي لتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء ودمقرطة الحياة السياسية والمجتمع الفلسطيني على طريق استكمال مهام التحرر الوطني؟

ما تقدم هي مجموعة من التساؤلات والهواجس والمحاذير التي تنتاب المتابع والمدقق في العديد من الأوراق الموزعة حول وعن هذه المؤتمرات، وكذلك فيها نوع من الغموض غير البناء وطنياً عند بعض أصحابها.. اليوم نحن أحوج لتعزيز التمثيل الوطني الموحد وتعزيز وحدة شعبنا؛ لأن المنظمة والحقوق والأرض والشعب على قائمة الشطب والتصفية في أجندة المشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي، في ظل حالة الانبطاح والتطبيع العربي مع العدو الصهيوني العنصري الغاصب.

ما تقدم من أفكار ونقاش وتخوفات وتحفظات؛ يجب أن نأخذها بعين الاعتبار ونحن ننشد تحقيق الأحلام الكبيرة والنبيلة لشعبنا.