Menu

الحوارات الفلسطينية الجديدة ما بين الشك والحقيقة

محمد أبو شريفة

نُشر هذا المقال في العدد 19 من مجلة الهدف الرقمية

بعد سنوات طويلة من الانتظار المُر، بدأت عملية المصالحة الوطنية الفلسطينية تأخذ بعدًا جديًا هذه المرة، ولعله كان من اللازم أن توضع القضية الفلسطينية أمام الامتحانات الكبرى من صفقة القرن إلى التطبيع مع كيان الاحتلال لكي يصحوا القادة من غفلتهم ويحاولو ترميم ما انهدم.

وأمام هذه المحاولة الجادة لا بد من القول إن المصالحة الفلسطينية التي تقود إلى وحدة وطنية حقيقية هي العمود الأساسي لرفع سقف البيت الفلسطيني، وبدون أعذار وبدون مقدمات وتبرير الظروف السيئة التي أحاطت بالجميع، ولكن المتابع لسيرها يرى أن آليات المصالحة المنشودة ما تزال حتى اللحظة قاصرة على طرفين اثنين (فتح وحماس)،ما يستدعي فهم حاجة الطرفين إلى تلك المصالحة السريعة.

حركتا فتح وحماس تعيشان مأزقًا كبيرًا بفعل عوامل وظروف مختلفة؛ فحركة فتح التي أعياها التفاوض ‏منذ أكثر من ربع قرن وجدت نفسها أمام حائط مسدود، بل أكثر من ذلك، وجدت نفسها تلعب دورًا وظيفيًا في خدمة المشروع الاستعماري، ولهذا تحاول التفلت من هذا الدور الوظيفي عبر الإجراءات المتسارعة لتحقيق المصالحة. أما حماس فقد أضناها الحصار وحولها إلى جهاز أمني وعسكري وأفقدها كل حضورها الإيديولوجي المقاوم.

وأمام المشروعين التفاوضي والمقاوم، وجدت الحركتين نفسيهما في حفرة عميقة ولا بد الخروج منها، والتسريبات الصادرة عنهما تشير إلى أن هناك نوع من الجدية في إنجاز وتتميم المصالحة عبر برنامج كامل تم الاتفاق على عناوينه الأساسية، وإذا كانت تلك العناوين على رأسها الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطنيالفلسطيني، إلا أننا نعرف جميعًا أن الآليات المنبثقة عن تلك الانتخابات ستُخضع النتائج وتتحكم بها، بحيث تصبح نتائجها في خدمة القيادة السياسية.ومنالمرجحأنالحوارالثنائيبينفتحوحماسفي تركيا كان ‏يريدتفاهممننوعآخر؛مبهمالمعالملايحلمشكلةولايعالج ‏مأزقمستندإلىحجمالحركتينوتأثيرهمافيالساحةالفلسطينية، ‏ومايمكنأنيتمفرضهمنبرنامجسيربكالحالةالفلسطينية ‏الغارقةبأعبائهاوأزماتها، لاسيما إذا كان الهدف تجديد الشرعيات وتقاسم النفوذ وتبادل الأدوار.‏

إن عدم إشراك كل مكونات الشعب الفلسطيني بشكل جدي في صياغة برنامج عمل وطني يستند إلى ثوابت الشعب الفلسطيني سيحمل في طياته عقم أية حلول ثنائية يبذلها الطرفين، وهذا مأخذ أساسي على جولات المصالحة الفلسطينية التي بدأت في رام الله وبيروت ومرورًا بإسطنبول وانتهاء بالقاهرة التي يقال أنها قد تشهد على مراسم تلك المصالحة.

وأيضًا ثمة تسريبات تدور في محيط رئيس السلطة الفلسطينة، تقول ‏باحتدام الصراع الخفي بين تيارات مؤثرة داخل قيادات السلطة، ‏تسعى إلى صياغة وثيقة مغايرة لما تم الاتفاق عليه بحوار ‏الفصائل، وتؤكد التسريبات أن الوثيقة تحظى باهتمام الرئيس ‏أبومازن، ويبدو أن الهدف من إعادة صياغة وثيقة المصالحة هو فتح باب الجدل والسجال والمناكفة مع الفصائل التي لبت ‏نداء المصالحة لإنهاء الوضع المأزوم للحالة الفلسطينية، ليس فقط ‏على المستوى القيادي، بل للوقوف في وجه مشاريع تصفية ‏القضية الفلسطينية. ومن المرجح أن هذه التيارات تمتلك قوة دعم إقليمي لممارسة الضغوط باتجاه حرف اتفاق المصالحة ‏عن سكة الصواب حتى لا تستفيد منه حماس وبقية الفصائل ‏المعارضة، خشية التأثير على نتائج الانتخابات المقبلة ويتم ‏الضغط على السلطة وحركة فتح، من زاوية أن تمكين حركة حماس ‏في الضفة سيعيد مخاطر جماعة الإخوان المسلمين، والتي تمكنت ‏من السيطرة على قطاع غزة.‏وترى بعض قيادات الفصائل الفلسطينية أن هذه الضغوط  ‏فرضت بعض الشروط والمطالب لحركة فتح وساهمت إلى ‏تغيير في جوانب المعادلة التي تم الاتفاق عليها في جولات ‏الحوار؛ ولوحظ منها حسب المصادر تردد الرئيس عباس في ‏المُصادقة النهائية على وثيقة  المصالحة الوطنية المتفق عليها ‏سابقًا، وتم عقد اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح للنظر في البنود الخلافية ‏للاتفاق، والتي ستثير التباينات في ظل تحذيرات قيادات فتحاوية؛ ‏بأن حماس ستكسب على أكثر من صعيد،إذا ما أنجزت الوثيقة ‏كما تقررت بجولات اللواء جبريل الرجوب.‏

لا شك بأن عوامل عديدة دفعت باتجاه مشاركة جميع الأمناء ‏العامين للفصائل بحوار (رام الله – بيروت3/9/2020)؛ أهمها ‏الاجماع على ضرورة وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة ما ‏يستهدف القضية من مؤامرات وتصفيات، وتحديد الأسس ‏والمنطلقات التي على أساسها ستستمر الفصائل بمشاركتها ‏بجولات الحوارات وتتمركز حول سحب الاعتراف بالكيان ‏الصهيوني، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتجسد الإطار ‏الوطني الجامع لمختلف قوى الشعب الفلسطيني، والتأكيد على ‏أن المرحلة التي يعيشها شعبنا ما زالت مرحلة تحرر وطني، وأن ‏الأولوية هي برنامج المقاومة، وليس مشروع التفاوض الذي أثبت ‏فشله، وإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية على ‏برنامج وطني، يستند إلى وثيقة الوفاق الوطني وكل أشكال ‏المقاومة.‏

إن ‏جوهر موقفالفصائلهوالقطعمع "أوسلو" وملحقاتهاكافة،ولا ‏سيماأنأصحاب "أوسلو" أعلنوا "حلهم" منالالتزامبها ‏واعترفوابفشلها،ولسانحالالمشاركينهوالإصرارعلىتبني ‏برنامجوطنييتناسبوحجمتضحياتالشعبالفلسطيني.‏

والسؤال هنا كيف ستتصرف السلطة الفلسطينية وحماس إزاء ما ‏أعلنته الفصائل المعارضة وعلى رأسها الجبهة الشعبية؟ هل ‏ستعقد اجتماعاتها منفردة من دون توجيه دعوة إلى الجميع؟ أم ‏أنها لن تلقي بالًا واهتماما للفصائل وتكتفي بالتوافقات الثنائية؟ أم أنها ستكابد عناء الموقف وتحاول ‏التعاطي معه على قاعدة تدوير الزوايا وضبابية الخطاب ‏الرسمي حتى تتضح نتائج الانتخابات الأميركية وما ستسفر عنه على كافة المستويات الدولية والإقليمية؟ ‏

مننافلالقولإن الأخذ الجدي بالمواقف التي أعلنتها غالبية الفصائل الفلسطينية ‏سيؤدي إلى تغيير الوضع الفلسطيني الراهن، وهو ما يبدو بعيدًا ‏عن حسابات طرفي الانقسام حتى الآن.‏

لقد حذرت الحوارات من خطورة تأثيرات البعد الإقليمي والدولي وإعادة رسم التحالفات ‏في المنطقة من خلال فرض التطبيع. ويرى البعض أن هذا التحذيرلا يستجيب لتطورات الأوضاع داخليًا وإقليميًا ‏ودوليًا، ولكن أليست هذه الديباجة الممجوجة تهمة متلازمة منذ أن ‏انطلق الكفاح المسلح؟ ألم يزعجنا ضجيجها في المحافلوالمؤتمرات؟ فيما أثبتت الأيام أن التمسك بخيار المقاومة هو ‏الطريق الوحيد الذي هدد الوجود الصهيوني وألحق به الخسائر.