Menu

"السهم القاتل"- قراءة في المناورات العسكرية الإسرائيلية وخريطة الحروب المتدحرجة وهواجس الهزيمة والوجود

نواف الزرو

خاص بوابة الهدف الاخبارية

في المشهد العسكري الإسرائيلي نتابع منذ سنوات بشكل عام، وفي الآونة الأخيرة على نحو خاص، ازدحامًا وتعاظمًا، فيما يسمى المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية التي تحاكي حروبًا قادمة في لبنان أو في الإقليم، بل وفي أعقاب تعاظم التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية حول التهديدات الحقيقية الكامنة لهم في الجبهة اللبنانية والفلسطينية، أخذت القيادة العسكرية الإسرائيلية تزيد وتراكم من المناورات والتدريبات العسكرية الاستعدادية لحروب زلزالية قادمة لم ترد في حساباتهم؛ ففي أحدث تطورات المشهد العسكري الحربي التصعيدي الإسرائيلي في هذا السياق، وفي الخامس والعشرين من صباح الأحد انطلقت مناورات عسكرية إسرائيلية؛ أطلقوا عليها "السهم القاتل"، والهدف من ورائها "محاكاة سيناريو حرب محتملة في أكثر من جبهة ضد حزب الله"، وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على تويتر: "أن تدريبات السهم القاتل تعد من أكبر التدريبات العسكرية في إسرائيل خلال العام 2020، وذلك بهدف رفع الجهوزية وتحسين القدرات الهجومية لجيش الدفاع على كافة المستويات، بشكل متكامل مع تبني طريقة عمل، لتحقيق الانتصار بآليات جديدة بين مقرات القيادة الرئيسية". 
وشاركت في التدريبات مقرات قيادة وقوات نظامية واحتياط بمشاركة قوات لسلاح الجو والبر والبحرية، بالإضافة إلى هيئة الاستخبارات والهيئات التكنولوجية اللوجستية وهيئة الاتصالات والحماية في مجال السايبر. 
وقبل ذلك ووفق اعتراف قائد لواء الإخلاء والإنقاذ في الجبهة الداخلية الصهيونية المنتهية ولايته العقيد "يوسي بينتو"، فقد "أجرت اسرائيل مؤخرًا مناورة كبيرة لم يجرِ مثلها في تاريخ الجيش الإسرائيلي- الصحافة العبرية"، السبت 27 /6/ 2020 –"، وأوضح: "أن المناورة حاكت حدوث دمار مضاعف وشديد وخراب لم نشهد مثله منذ سنين طويلة، يتخلل ذلك عشرات المحاصرين تحت الركام بينهم قتلى، وذلك بفعل صواريـخ دقيقـة تحمل رأس حربـي يزن مئات الكيلو غرامات من المـواد النـاسفة موجود مثلها حاليًا في قطـاع غـزة وفي لبنان". 
وعودة الوراء قليلًا، كشفت صحيفة هآرتس العبرية اللأحد 4/2/2018، النقاب عن: "أن الجيش الإسرائيلي أجرى أكبر مناورة عسكرية للواء المظليين بمشاركة وحدات خاصة؛ استعدادًا لسيناريوهات عسكرية للتعامل مع أحداث صعبة على خلفية التوتر الأمني على الحدود الشمالية". وأوضحت الصحيفة "أن تلك المناورة التي تعد الأكبر والأضخم نفذت في منتصف العام/2018"؛ مشيرةً إلى أنها: "أول مناورة قام بها لواء المظليين بهذا الحجم منذ عام 2012".  
ومن جهة أخرى، وفي خضّم التصعيد الخطير على الجبهة الشماليّة بين إسرائيل ولبنان، أكّدت المصادر الأمنيّة الإسرائيلية؛ إنه بدأت صباح الأحد 4 مارس 2018: "تدريبات عسكرية مشتركة، للجيش الإسرائيلي والأمريكي، تحاكي وقوع حرب على إسرائيل"، ووفقًا لوسائل الإعلام العبرية تحاكي التدريبات حربًا شاملة، وتعرض "إسرائيل" لهجمات صاروخية من عدة جبهات، وخاصة من الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة والجبهة الشمالية مع حزب الله". ويشار إلى أن هذا التدريب الدوري السنوي، المسمى "جونيبر كوبرا"، يجرى في إسرائيل للمرة التاسعة، ولقد تم تنفيذه لأول مرة في العام 2001، وهو بمثابة التدريب الأضخم المشترك بين الجيش الإسرائيلي والأميركي". كما بدأ الجيش الإسرائيلي صباح الثلاثاء- 19 مارس 2019، ب"إجراء تدريبات عسكرية واسعة في منطقة رأس الناقورة ونهاريا، شمال "إسرائيل"؛ أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "أن المناورة تأتي في إطار جدول التدريبات السنوي لعام 2019، حيث أنها تهدف إلى الحفاظ على كفاءة وأهلية القوات". كما أجري الجيش الإسرائيلي، تدريبات عسكرية بعدة مستوطنات في منطقة الجليل الأعلى، استمرت عدة أيام، بحسب ما ورد في وسائل الإعلام العبرية، ونقلت صحيفة "معاريف" العبرية – الأحد 07 يونيو 2020 – على لسان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أن التدريبات جرت في مستوطنات "جورن" و"شلومي"، وقرية زرعيت، ومنطقة عرب العرامشة بالجليل". وبحسب الصحيفة، أضاف الناطق، ووفقا للصحيفة العبرية، أشار الناطق إلى: "أن هذه التدريبات تهدف لرفع الكفاءة القتالية لدى الجنود، وأنها معد ومخطط لها بشكل مسبق، وهي جزء من خطة التدريبات للعام 2020". 
كما أجرت كتائب لواء جفعاتي في الجيش الإسرائيلي تدريبات معقدة؛ استعدادًا لحرب مقبلة مع لبنان، والتي انطلقت منذ بضعة أشهر، وذكرت القناة 7 العبرية- الإثنين 22 يونيو 2020: "أن الكتائب المختلفة في اللواء أجرت تدريبات في تضاريس معقدة وصعبة تحاكي حرب مع لبنان على الجبهة الشمالية"، وقال القائد في اللواء دانيال أيلا: "نحن في تدريبات تحاكي تحديات سنواجهها في الحرب القادمة في الساحة الشمالية، ونجمع بين قدرات كل كتيبة هنا في المشاة والدروع والهندسة والاستخبارات، من أجل الوصول إلى استعداد كامل للحرب القادمة، وسنفوز في الحرب"، بدوره قال قائد لواء جفعاتي العقيد إيتسيك كوهين: "إن لواء جفعاتي في نهاية تدريبات مهمة وقوية للغاية، وبكل فخر جاهزون ومستعدون لأي مهمة". 

    وكذلك كشف النقاب قبل ذلك عن أن الجيش أدخل تحسينات على وحدة "نحال" وتدرب على زج قوات المدفعية للقتال البري في الحروب، كما انتهى الجيش من مناورة بحرية تعتبر الأكبر منذ سنوات-الصحف العبرية-2018-02-11 - في الوقت الذي أجرت الطواقم الطبية التابعة للواء النار المدفعي 282 مناورة عسكرية؛ تحاكي سيناريوهات تقديم العلاج اللازم للجرحى، تحت رشقات النيران في ميدان المعركة، ووفقًا لموقع الجيش؛ فإن الحديث يدور عن مناورة تعتبر الأولى من نوعها في لواء النار المدفعي 282، حيث تدرب الجنود على تقديم الإسعافات الأولية اللازمة للجرحى، علاوة على أن الهدف المركزي من المناورة، يتمثل في التدرب على زج قوات المدفعية، في إطار القوات المناورة المقاتلة الأخرى من المشاة والدبابات والهندسة؛ الأمر  الذي يتدرب عليه الجيش استعدادا للمعارك المقبلة. وبحريًا، ذكر موقع "واللا العبري- 11/2/2018: "بأن سلاح البحرية أجرى خلال الأسبوع الماضي مناورة بحرية، تعتبر الأكبر منذ الأعوام الأخيرة، حيث شارك في المناورة كل من أسطول سفن الصواريخ وأسطول الغواصات ووحدة الكوماندوز البحري "شياتت 13". ووفقًا للموقع، فإن المناورة تحاكي سيناريوهات قتالية بحرية عديدة؛ من بينها سيناريو مواجهة أسطول بحري معاد، بالإضافة إلى سيناريوهات مواجهة التهديدات البحرية من كل من تنظيمي حماس وحزب الله؛ ما يعيدنا إلى فتح ملفات المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية والأجندة والأهداف المبيتة وراءها، ففي الإجماع السياسي العسكري-الاستخباري الإعلامي الإسرائيلي، فإن هذه المناورات العسكرية؛ سواء تلك التي أطلق عليها "نور دغان -نسبة إلى الجنرال مئير دغان-رئيس الموساد الأسبق"، والتي انطلقت تدريباتها –الاثنين-11/9/2017- على الأرض الفلسطينية الشمالية المحتلة، المتاخمة للحدود اللبنانية، واستمرت عشرة أيام- وكانت الأضخم والأكبر على الإطلاق التي يجريها الجيش الإسرائيلي، ليس منذ عشرين عامًا فقط، وإنما منذ نشأة ذلك الكيان، وبالإجماع الإسرائيلي، أو المناورات والتدريبات التي أجريت لاحقًا، وتلك المبرمج أقامتها تباعًا، فإنها تأتي تتويجًا لسلسلة طويلة من المناورات العسكرية المتصلة، على خلفية العبر والدروس التي استخلصها طاقم تشكل من - 29 – تسعة وعشرين جنرالًا، لدراسة أسباب وعوامل الهزيمة أمام حزب الله ، خلال عدوان/2006، وهذا ليس كلامًا في الإعلام أو للاستهلاك العام. 
المناورات وخريطة الحروب المتدحرجة 

     فالواضح الموثق، أنهم في ضوء كل ذلك، يربطون في الكيان الصهيوني، ما بين هذه المناورات والتدريبات العسكرية المتواصلة المتتابعة بحساباتهم الاستراتيجية المتعلقة بخريطة الحروب والمواجهات المتدحرجة على الجبهة اللبنانية منذ نشأة تلك الدولة، وهذا ليس تنجيمًا أو ضربًا في الرمل؛ فالملف اللبناني- الإسرائيلي من وجهة نظر المؤسسة العسكرية الأمنية السياسية الإسرائيلية، لم ولن يغلق أبدًا، فالذي حدث ل"إسرائيل العظمى وللجيش الذي لا يقهر" في ايار/2000 ، وكذلك في تموز/2006، كاد يتسبب بانهيار شامل لذلك المجتمع الصهيوني؛ ففي تلك الحرب العدوانية، لم تأتِ حسابات الحقل على قدر حسابات البيدر في الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية؛ فانقلبت الامور والاستراتيجيات والأهداف، فكان أن واجهت "إسرائيل العظمى"؛ أعظم إذلال عسكري في تاريخها. فها هو ديسكين-رئيس الشاباك سابقًا- يعترف: "أجهزة السلطة انهارت بشكل مطلق أثناء الحرب.."، وشبه الإجماع العسكري والسياسي الإسرائيلي كان على: "أن الصفعة التي تلقيناها من حزب الله أضاعت قوة ردعنا"، و"أن هذه الأزمة لم تشهدها إسرائيل منذ 1948 "، و"أن الحرب أعادت إسرائيل جيلًا كاملًا للوراء.."، واختتمها المؤرخ توم سيغف مستخلصًا: "الحرب على لبنان تحتاج إلى لجنة تحقيق تتألف من كبار المؤرخين". 
كما جاءت نتائج حرب تموز/2006 وبالاعترافات الإسرائيلية الغزيرة، لتقلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية رأسًا على عقب... ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية؛ بقوة مذهلة.... وليتحول المشهد الإسرائيلي؛ من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله.. إلى حالة اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة الماحقة لأول مرة، في تاريخ تلك الدولة، ولكن لتبقى حروب "الحساب المفتوح" بين "إسرائيل" ولبنان المقاومة والدولة قائمة ومفتوحة...! 
المناورات واستنهاض الحالة المعنوية الإسرائيلية
وما بين ذلك المشهد المشار إليه سابقًا، والمشهد الراهن في سوريا ولبنان والإقليم، والذي يحقق فيه محور المقاومة انتصارات وإنجازات ميدانية استراتيجية، أخذت تقلب كل الحسابات والموازين رأسًا على عقب، وتحطم كل المشاريع التدميرية التفتيتية التي أرادت النيّل من سوريا؛ الدولة والوطن والجيش والشعب، ومنها على نحو خاص المشروع الصهيوني الذي راهن على تحطيم سوريا  وإسقاط النظام، فقد بات واضحًا تمامًا، أن كل هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية التي أجرتها وتواصلها دولة الاحتلال، وفي مقدمتها سلسلة تدريبات المؤخرة أو العمق التي أطلق عليها: "نقطة تحول.." على تماس مباشر بتلك الهزيمة الحارقة من جهة، وعلى تماس مباشر بالحساب المفتوح من جهته ثانية، ولكنها تؤشر من جهة ثالثة إلى حالة الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي اهتزت بعنف زلزالي  في مواجهة تموز/2006، بينما هي تشير من جهة رابعة إلى محاولة المؤسسة العسكرية-السياسية الإسرائيلية؛ استنهاض الحالة المعنوية الردعية للجيش والمجتمع لديهم التي أصيبت في الصميم، في حين أنها يمكن اعتبارها من جهة خامسة، مناورات استعدادية لحرب ثالثة؛ ترجح مختلف المصادر الإسرائيلية المختلفة أنها قادمة لا محالة، والمسألة بالنسبة لهم مسألة وقت وتوقيت..!
ولذلك، يمكن التأكيد على أن كل هذه المناورات والتدريبات العسكرية الإسرائيلية؛ تتواصل وتتكامل بمنتهى الجدية، منذ الهزيمة عام/2006، ف"نقطة تحول" بدأت بالرقم-1- ثم تسلسلت لتصل إلى الرقم-5-... فقد بدأت الأحد 19/6/2016؛ أضخم عملية مناورات وتدريبات عسكرية حربية صهيونية تحت اسم: "نقطة تحول-5 و6و... إلى 10، ثم تواصلت بأسماء اخرى"، هذا ما أطلقوه عليها، للإشارة والإيحاء؛ بأن ما حصل في حرب ال/2006 لن يتكرر، وتشكل هذه التدريبات بالنسبة لهم نقطة تحول في الاستعدادات للحرب الثالثة. 
المناورات والحرب الثالثة المحتملة 
 إلى ذلك، فهم على مستوى المؤسسة العسكرية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية، وكذلك على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، يربطون ربطًا جدليًا ما بين هذه المناورات والتدريبات "المتحولة.. المتسلسلة مرورًا بمناورات "نبضة من القلب" التي أجريت في شباط/2012، وصولًا إلى هذه المناورات؛ الأضخم والأهم بكل المعايير العسكرية الإسرائيلية حتى الآن ..."، وما بين الحرب الثالثة المحتملة التي أطلق عليها بعضهم "الحرب الزلزالية"، بينما أطلق عليها البعض الآخر "الحرب المرعبة -نظرًا لدخول التهديدات التدميرية والإبادية الشاملة فيها- باتت تهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الإسرائيلية..!
     فالإسرائيلي عمومًا، من الرئيس، إلى رئيس الوزراء، إلى الوزراء، إلى كبار الجنرالات والضباط، إلى الجنود في كل مكان، إلى رجال الدين- الحاخامات، إلى رجال الإعلام والأكاديميا، إلى عصابات المستوطنين في أنحاء الضفة، كلهم بالإجماع أصبحوا ينتظرون اندلاع الحرب، ويخشون نتائجها..! بل يبدو أن المشهد الإسرائيلي؛ بات مثقلًا بهواجس "نقاط التحول... و"النبضات..." و"نور دغان" و"جونيبر كوبرا" المقترنة بسيكولوجيًا بالرعب والقلق، وهواجس الوجود، من احتمالية أن تنجح المقاومة اللبنانية، في الاجتياح والتحرير في الشمال الفلسطيني المحتل، ومن المستقبل الغامض، ومن احتمالات الانهيار الشامل..!