Menu

الدَّولة الفلسطينية، بين تشومسكي، وعدنان أبو عودة، وفايز الطراونة، وعليان عليان

عبد الرحمن البيطار

خاص بوابة الهدف

في صباح اليوم الأول من العام الجديد، وكان الجميع في البيت لا زال نائماً، تركتُ سريري، وخَرَجتُ الى حديقة البيت الصغيرة أُمارس رياضة المشي فيها. كان الطقس باردا …وهناك، ومع حالة الهدوء، والسكون التي كانت تَلُفُّ أحياء عَمّان مع استمرار فرض أحكام حَظْر التجول أيام الجَمَع، نَفَحَتْ ريحٌ بارِدَة في فضاء الحديقة، وتَراقَصَتْ بفِعْلِ وَقْعها أوراق شجرة المشمش، أو ما أبقاه خريف العام ٢٠٢٠ من أوراقٍ على غُصونها… وتَمايَلَتْ وهي تُقاوِم السقوط على أرض الحديقة… وكأنَّ لِسانُ حالِها يقول :

لا تَسقُط قَبْل أن تُقاوِم، وأذا سَقَطتَّ، فَتَذَكَّر أنّي عائِدَةٌ إلى مكاني على هذه الشجرة المزروعة في هذه الأرض في الفَصْل القادِم… وسأبقى فيها أُقاوِمُ وأَعود، لأنَّ هذه هي سُنّة الحياة وسيمفونيتها الخالدة …

وأنا أَذْرَعُ الحديقة ذهاباً وإياباً، كُنْتُ أُفكر بفلسطين، وكنتُ قَدْ استمعتُ قَبل أيام الى مقابلة مُصَوَّرة مع المُفكر والفيلسوف “نعوم تشومسكي” عن فلسطين وحُرِّيتها وحُرية شعبها، كما وقرأتُ خلال الاسبوع الاخير من شهر كانون الاول الماضي ، ورقة بعنوان ”حل الدولتين” وأهميته المزدوجة للشعب الفلسطيني والدولة الأردنية، كَتبها ” عدنان ابو عَودة “، ونشرتها ”مؤسسة فريدريش إيرين” في تشرين الثاني ٢٠٢٠، وكذلك، مقالاً لـ” فايز الطراونه ” حول ”إدارة بايدن ، والقضية الفلسطينية” نشرته الغد في ٢٣ كانون اول ٢٠٢٠، وأخيراً، مقالاً لـ “عليان عليان” نشرته “الهَدَف” في ٢٨ كانون أول ٢٠٢٠ بعنوان “الطَّرْح المَرْحَلي الفلسطيني كان طرحاً تمويهياً لمقايضة الميثاق الوطني بالدولة الفلسطينية”.

ومع أن ما أوْرَدَته هذه المقالات من معلومات ومِن تَقييم، ورُؤى مُهِمّ، إلا أني قررت ترجمة المقابلة المُصَوَّرة مع ”نعوم تشومسكي” وتحويلها الى نَصٍّ مكتوب وذلِك لأهميتها، هذا مع تَوَلُّد النية لدي في وقت لاحق لمناقشة الافكار التي وردت حول الحلول واللاحلول المطروحة.

في المقابلة التي أجراها معه في ١٤ كانون أول من العام ٢٠٢٠، أيٍ قَبْلَ نحو أُسبوعين أو أكثر قليلاً، سأل ”أُووِنْ جُونزْ ” (Owen Jones ) ” نعوم تشومسكي ” ( Noam Chomsky ) سؤالٍ القَرْن و العَصر :

هل ستكون فلسطين حُرَّة في يوم ما ؟

Will Palestine ever be free?

على هذا السؤال التي طَرَحَه “أُووِنْ جونز”، والذي قَدَّم له قائلاً؛

إلى أي مدى تَعتقد أن النضال في سبيل إنشاء دولة فلسطينية،) وُفق رؤي” حل الدولتين” ( قد أصبح في الوقت الراهن )غير مُجْدي(، بمَعنى أن حل الدولتين أصبح حَلّا يَتَعَذَّر تنفيذه؟ وهل يَتَوَجب الآن السّعي والنضال من أجل دولة واحدة تقوم على أساس حقوق متساوية لليهود وللشعب الفلسطيني؟

وبكلمات أُخرى: كَيف تَرى ، أو ما هي آفاق تحرير الفلسطينيين؟ أي) إقامة دولة فلسطينية مُستقلة بالنِّسبة للديمقراطيين( أعضاء الحزب الديمقراطي؟

)مُلاحظة: الترجمة بتصرف(

أجاب تشومسكي:

بادىء ذي بِدْء، يجب أن نكون على وضوح فيما يتعلق بالخيارات ( البدائل/ الحُلول ) المُتاحة (لحل القضية الفلسطينية ). إنَّ أغلب المناقشات التي تُطرح من قِبَل جميع الأطراف في هذه الأيام، هي كما قَدَّمتها أنت؛ هناك خيار ( أول) يتمثل بـ”حل الدولتين”، وخيار آخر (ثاني) هو “حل الدولة الواحدة” ( المصحوب ) بنوع ما من أنواع النضال من Hجل حقوق مدنية متساوية .

وهناك مشكلتين في هذا الخيار ( الثاني)، فهذا الخيار هو بالأحرى ليس خياراً، فإنَّ إسرائيل لَنْ تَقبلَ أبداً دولة يَتحول فيها اليهود إلى أقلية أو أن يُصبِحوا فيها أقلية في وقت قريب. لَنْ يَقبلوا ذلك على الإطلاق ( ذلك هو المُشكلة الأولى )، أما المشكلة الثانية فهي تتمثل في أنّ ( إسرائيل تَرى أنه) يَتوَفَّر لها خيارٌ ثالث، وهو الخيار الذي تَمضي في إتِّباعِه حالياً، ( وتَقوم بتنفيذه ) لحظةً بلحظة. لقد كُنْتُ أَقْرَأُ عَدَدَ جريدة هآرتس هذا الصباح، وفيها تم تناول مُناقشات تفصيلية حول المُقترحات الأخيرة لمديرية الطرق Highway Administration ، ( في إسرائيل )، وهذه( المُقترحات) ستبدو لك لأول وهلة أمراً حميداً، إلى أَنْ تبدأ بِتَفَحُّصِها .

إنَّ المُقترحات الجديدة التي ينخرطوا في تطويرها الآن هي عِبارَة عن مُخطط لإنشاء بُنية خارجية أساسية هائلة huge infrastructure في الضِّفّة الغَرْبية، هُوَ مُخطط من نَوْع يَرْمي الى ربط الضِّفّة الغَرْبية ودمجها بإسرائيل (بصورة تكاملية).

هُم ماضونَ في وَضْعِه مَوْضِع التطبيق، وهو مصحوب بمقترحات رسمية تَرْمي إلى ربط التنظيم الهيكلي ( التخطيط) للطُّرُق في الضفة الغربية بنظام الطرق في إسرائيل ومُرْتَفعات الجولان .

إنّها خطة مُنْفَرِدة صُمِّمَت من أجل تأمين إنتقال شخص ( مُسْتَوطِن/ مُسْتَعمِر) يَعيش في ڤيللا مَدْعومة من الحُكومة الإسرائيلية مُقامة في عُمْقِ الضفة الغربية، الى مَكانِ عَمَلِه في تل أبيب على سبيل المثال، دون أن تُعاق حَرَكَته بسبب حالات الإكتظاظ المروري للسيارات على الطُّرُق، ولتحقيق ذلك، فإن بإمكان ذلك الشخص ( المُسْتَوطِن/ المُسْتَعمِر) أن يَسلُك طريقاً فائق السرعة superhighway ، لا يَرى فيه فلسطينيين، ويُتيح له الوصول الى مَقْصَدِه في وقت قصير .

(وكأنهم يُريدون من وراء هذا المُخطط أن يقولوا)؛ دَعونا نَدْمِج الضِّفّة الغربية بصورة مشتركة ( مع إسرائيل) في دَولة واحدة .هذا ليس هو حَلُّ الدّولة الواحدة .إنه هو بالتحديد الحَل ( المَعْروف بِـ) “إسرائيل الكُبرى”. وَهوَ حَلٌ كانَ ماثِلاً أمام أعيننا مُنذُ خمسونَ عاماً، وكان يجري تحقيقه خطوة وراء خطوة .

وها نحنُ نَشْهَدُ صَباح هذا اليوم الإعلان ( المنشور في جريدة هآرتس ) عن خُطوة كُبرى أُخرى .

(إنه حل مَفاده )؛ خُذ المَناطق في الضفة الغربية التي هي ذات قيمة لإسرائيل، ولكن، إحذِف مِنْها، تلك المناطق ذات الكثافة السكانية .

إذَنْ، فإنَّ هذه الطّريق السريعة الجديدة، أقصد، نظام الطُّرُق السّريعة المتوسع، فإنَّه يَمُر بالقُرْب من نابلس، لكِنّه لا يَمُر فيها .فإن إسرائيل لا تُريد أَنْ تَدْمِجَ نابلس، ذات الكثافة السُّكانية العالية، في نطاق “إسرائيل الكُبْرى“ التي يقوموا بإنشاءها .انهم يُريدون أن يَضْمَنوا أنَّ ما يُسَمّى بالمُشكلة الديمغرافية (أن) لا ترى النور. إن المُشكلة الديمغرافية تَعني بالنسبة لإسرائيل عَدد كَبير من السُّكان ” اللا يَهود”.

إنَّ دولة الشَّعب اليَهودي ذات السيادة -أي تلك الدولة حتى قَبْلَ سِن قانون القَومية-(في نظر إسرائيل) هي الدولة ذات السيادة للشعب اليهودي، لا للفلسطينيين. إذَنْ ، دَعونا نبني تلك الدولة خُطْوة خُطْوة. دَعونا ندمج ( نضم بالتدريج ) الضفة الغربية، بأن نأخذ ما نريد منها، أمّا ما سَنَتركه للفلسطينيين، فسَيَقْتَصِر على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية كمدينة نابلس، على سبيل المِثال، لكِنَّ مع كثير من القُرى المُبَعْثَرة حولها. ربما يصل عدد تلك القُرى الآن الى حوالي المئتين. (وهذه سَتتحوَّل إلى) جُيوب صَغيرة مُطَوَّقة بنقاط تفتيش، بحيث إذا ما رَغِبَ فلاح فلسطيني أن يَصِل الى كَرْمِه ليَقْطِفَ زيتون شَجَره- بافتراض أن شَجَرَ كَرْمه لَمْ يَتِم حَرْقها من قبل المستوطنين- فإنَّ عَليه (قبل أن يَصِلَ إليه) أنْ يَمُرَّ على عدد من نقاط التفتيش المُقامة، ومِنَ المُمْكِن أنْ لا يَسْمَح له جنود الحاجز الأمني بالمرور للوصول الى كرمه. بكلمات أُخرى، إنهم يُحاولونَ أنْ يجعلوا حَياة الفلسطيني في أرضه غَير قابِلة للعيش .

خُذْ ما تُريد من أَمْثِلة – فإنَّ القُدْس يُقارِب حَجْمها الآن خمس مراتٍ أكبر من حَجْمها في أي وقت كانت ( عَليه في تاريخها) – من خلال إدخال قُرى عَربية كَبيرة إلى نطاقها. هذا ما يُسمى بالتقطيب ( الدَّرْز ) seam فيما بين جِدار الضَّم annexation wall وإسرائيل، إنها ( أيٍ الضِّفّة الغَربية ) الآن مَدْموجه integrated بإسرائيل.

ومع الوقت، فقد تمَّ (أيضا) طَرْد أغلب سُكَّان وادي الأُردن، بذريعة أو بأُخرى. خذ هذا المثل (كذلك)؛ إنَّ تلك الأراضي ( أراضي وادي الأُردن ) تَبلُغ مساحتها ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في الضِّفة الغربية .أمّا الآن، وخلال وقت قريب، فستجد أن كل شيء تُريده قد اصبح مُندمجاً ( مَضموماً)، مع قَليل من الفِلسطينيين .إنَّ هذا ما كان يجري ( وَضْعه) وتَطويره وتنفيذه أمام أعيننا ( مُنذ خمسون عاماً). هذا هو البديل لـ”حل الدولتين”. بالطبع هذا ليس هو “حَل الدولة الواحِدة”. إنه ليس بديلاً .

أمّا الآن، فإنَّ السُؤال الذي يَطْرَح نفسه، هو أي من هذين الحَلَّين ( سيَرى النور (؟ هل هُناك أي فُرصة لحل الدولتين لأنْ يتطور؟ ( أي) لأنْ يَتطور نَمَط ما لحل يَقوم على نِظام دولتين.

إنني لا زلتُ أعتقد أنَّ ذلك مُمكن. إنني لا أعتقد بأنَّ الُّلعبة قد انتهتْ. إنها تعتمد كثيراً على السِّياسة الأمريكية، وإذا ما دَقَّقتَ النّظر على الوِلايات المتحدة، فإنك تَستطيع أن تَرى تَغَيُّراً يَحْصُل في سِياستها، وإذا ما حَصَلَ بالفعل تَغيير في سِياسة الولايات المتحدة، فإنَّ لا مَناص لإسرائيل إلا أن تُساير هذا التغيير .عِنْدها، ( ستسألني )؛ ماذا عن المُستوطنين؟.

( أقول)؛ هؤلاء، أمامهم خيارين؛ أحدها أن يترك هؤلاء بُيوتهم المَدعومة من الدولة (إسرائيل)، أي بُيوتهم المُقامة في الضِّفّة الغَرْبية... وأنْ يَنتقِلوا الى بيوت مَدْعومة من الدولة داخِل إسرائيل .أمّا الخيار الآخر؛ أنْ يَبقوا في بُيوتهم، ويتحولوا الى مُواطنين في الدولة الفلسطينية .هذه أُمور ليسَتْ مُستحيلة، فإنَّ أشياء كبرى كثيرة ( مثل ذلك ) قد حَصَلَت ( في التاريخ المعاصر). إنّي اعتقد بأن شيئاً من هذا القبيل هو في حيز المُمْكِن أو المُحْتَمَل حُصوله .

أمّا البديل….. الأرجح حُصوله ( إذا ما فشل ذلك الحل)، فإنّه يتمثل في أنْ تمضِي ( إسرائيل ) بفرض مشروع “إسرائيل الكبرى” والذي يَتِم تطويره وتنفيذه مُنذُ خمسون عاماً، وكما قُلتُ لكم ( في هذه المقابلة) ، فإنه وفِي هذا الصّباح على وَجَّه التحديد كان هناك إعلان هام يُشير إلى أن عَملية تطبيقه جارية .

انتهت الترجمة ( بتصرف).

____________________

اما المقال الذي يشير اليه ” تشومسكي ” في مقابلته، والمنشور في صحيفة هآرتس ، والذي التقط مِنه خَبَر مشروع ربط “الضفة الغربية والجولان” بـ “إسرائيل” بشبكة طرق سريعة ، فعنوانه “الإلتفاف على الضم“، وَهْوَ بقلم هاجَر شِيزاف، ونَشَرَته الصحيفة في عددها يوم ٨ كانون أول ٢٠٢٠، ويمكن الوصول إليه على الرابط أدناه

https://i2-wp-com.cdn.ampproject.org/i/s/i2.wp.com/alghad.com/wp-content/uploads/2020/12/Untitled-1-187.jpg?w=650&ssl=1

 

وأخيراً، فَقَد شئتُ أن أبدأ هذا العام يومياتي بـ ”رؤى تشومسكي”، عالم اللغويات، المُفكر، والناشط السياسي الامريكي اليهودي الرّائع .