Menu

تجليات شعار عودة أمريكا

حاتم استانبولي

نُشر هذا المقال في العدد 21 من مجلة الهدف الإلكترونية

الرابع عشر من كانون الأول كان يومًا مفصليًا في السياسة الأمريكية، حيث طويت صفحة أمريكا أولًا ليعاد فتح صفحة عودة أمريكا لقيادة العالم الحر، وهذا يعني التفافًا معاكسًا للعودة إلى سياسات أوباما ولكن بملامح بايدينية.

داخليًا: سيواجه بايدن تحديًا يتمثل بعدم اعتراف خصمه السياسي بنتائج الانتخابات، ويعتبرها باطلة وما يترتب عليها من نتائج تتعلق في وحدة الجبهة الداخلية التي كشفت الانتخابات مدى الضرر الذي أحدثته سياسات ترامب على وحدة المجتمع الأمريكي، ومن الواضح أن الترامبية أصبح لها قاعدة اجتماعية واسعة تشكل 46% (ما يقارب ال75 مليونًا) من الذين شاركوا في الانتخابات الأمريكية هذه القاعدة التي جمعها شعار أمريكا أولًا الذي فرض اجراءات اقتصادية وسياسية، تتعارض مع سياسة العولمة هذا التناقض الذي أخذ من البعد الأيديولوجي؛ عنوانًا للتحريض الداخلي والخارجي مع الخصوم والأعداء، والأبرز أن الأكثرية المطلقة من هذه القاعدة هم من البيض.

هذا التحدي الداخلي الأبرز الذي سيواجه الرئيس الأمريكي الجديد وإدارته، إلى جانب التحدي الصحي الناتج عن وباء كورونا، حيث حرص ترامب على أن يشرع استخدام المصل المضاد وإعلان بدء تطعيم اللقاح قبل خروجه من البيت الأبيض، لكي لا يعطي أية أفضلية لبايدن في مكافحة كورونا.   

 خارجيًا: شعار عودة أمريكا لقيادة العالم، يعني أن السياسات الأمريكية على الصعد كافة ستشهد تغييرًا جوهريًا، ومنها العلاقة مع الحلفاء والخصوم وسيعيد ترتيب الأولويات الأمريكية التي يحكمها؛ إعادة ترتيب الفضاء الخارجي للتأثير السياسي الأمريكي الذي سيشهد فيه تراجعًا للأيديولوجي لمصلحة البراغماتية السياسية التي ستتعاطى مع الوقائع بشكل منفصل، على قاعدة ترسيخ الدور القيادي للولايات المتحدة في المنظمات الإقليمية والدولية، وهذا يعني عودة أمريكية لكافة المنظمات الدولية والاتفاقات التي أبرمت في عهد أوباما، وإعلان العودة إلى هذه المنظمات كان له صدى ايجابي في بعض العواصم الأوروبية التي تتطلع لعودة أمريكا، ولكن تجربتها مع الترامبية وضعتها أمام خيار تعزيز استقلاليتها، وخاصة في السياسة الأمنية والاقتصادية.

عودة أمريكا للعب دور قيادي في العالم سيشهد تغير في أولويات المواجهة، حيث ستتراجع المواجهة مع الصين وستحل محلها المواجهة مع روسيا التي تعتبرها الإدارة الديمقراطية أكثر خطرًا على السياسات الأمريكية، خاصة في تأثيرها الأوروبي والشرق أوسطي وسيعود العنوان السوري والأوكراني (القرم) والبيلا روسي إلى واجهة الصراع مع روسيا.

أما في الشرق الأوسط؛ فالسياسة البايدنية ستستثمر في ما أنجزته الترامبية من اختراقات في العلاقة الرسمية للنظم السياسية الخليجية في تطبيع العلاقة مع إسرائيل، هذا التطبيع الذي أقدمت عليه النظم السياسية كإجراء احتياطي مسبق، لاستيعاب أية خطوات بايدنية باتجاه العودة للاتفاق النووي من جهة، والسياسة المتوقعة اتجاه الملف اليمني.

أما فيما يتعلق بالملف السوري، فإن إدارة بايدن سيكون لها توجهات بدعم التطلعات الكردية في الاستقلال السياسي، وهذا سيطرح تحديًا لكل من أنقره وبغداد ودمشق وسيواجه من قبل روسيا، وإلى حد ما من الصين.

على صعيد التطلعات التركية في بناء تحالفات إقليمية قائمة على أساس البعد العرقي والديني، فإن إدارة بايدن ستعمل على احتوائه في إطار سياسة التعارض من على أرضية التحالف، لكي لا تدفع أنقرة إلى الحظيرة الروسية الصينية؛ أنقرة تدرك أهمية دورها الإقليمي والأطلسي وتعي أن الحلف الأطلسي بدون تركيا لا تأثير له في المجال الأسيوي في إطار المواجهة مع التمدد الروسي، وترى أن التعاون الذي حصل في إقليم قره باخ، تثمر في تأمين المصالح المشتركة الروسية التركية الأذربجانية، وكانت رسالة لأرمينيا التي أدارت ظهرها لموسكو وفتحت أبوابها إلى باريس ومن خلالها لأوروبا التي خذلتها في معركتها مع أذربيجان.

في الملف القلسطيني الموقف الأمريكي لن يكون فاعلًا بوجود نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية، ولن يقبل أن تعود العلاقة الأمريكية الاسرائيلية لما قبل دخول ترامب للبيت الأبيض، هذه العلاقة التي شهدت توترًا ملحوظًا في نهاية عهد أوباما، والمصلحة الإسرائيلية تتطلب تناغمًا ايجابيًا مع الإدارة الأمريكية التي يعيقها في العهد البايدني العامل الشخصي لنتنياهو الذي أبدى موقفًا واضحًا في دعم ترامب وسياساته. تغيير نتنياهو مصلحة أمريكية إسرائيلية مشتركة، لكي يتم تسويق الحل الفلسطيني الذي لن يخرج عن مفهوم رابين؛ أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة.

الدول الخليجية مع مصر تتخوف من السياسة الأمريكية الجديدة وإعلانها العودة إلى الاتفاق النووي وما سيترتب عليه من استحقاقات تعيد للدوحة دورها في إطار مجلس التعاون الخليجي، هذه العودة التي ستكون على حساب الدور الإماراتي، ومن الممكن أن نشهد رباعية جديدة في إطار مجلس التعاون الخليجي؛ يتقلص فيها دور أبو ظبي (التي تسلحت مسبقًا في الدور الإسرائيلي) لمصلحة دور كويتي وقطري.

البايدينية ستعيد إعطاء إبرة انعاش لدور مؤسسات المجتمع المدني الممولة خارجياً ومراكز الدراسات المرتبطة بالمعاهد الأمريكية والأوروبية، لإعادة تموضعها قي إطار السياسات الجديدة القديمة للحزب الديمقراطي وستشهد الليبرالية في الدول الرأسمالية دفعة، أما الليبرالية التابعة في الدول النامية والتابعة ستعود لدورها في تسويق السياسات الأمريكية وحليفاتها؛ من خلال التلاعب في المكونات الداخلية لمجتمعات الخصوم وتقويض مجتمعات الأعداء، تحت عناوين الليبرالية لمفاهيم: الحرية والعدالة والمشاركة.