Menu

قراءة في خريطة المشهد الفلسطيني-2020-2021

نواف الزرو

خاص بوابة الهدف الاخبارية

   رغم تسارع الأحداث والتطورات السلبية المخيبة للآمال على امتداد المشهد الفلسطيني على مدى العام 2020، ورغم صفقة القرن التصفوية، والقرارات والاجراءات الحربية والتهويدية الصهيونية، ورغم حالة الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، إلا إننا نوثق ونثبت وقد ودعنا العام 2020، وندخل العام الجديد 2021، بأن الطموحات والآمال والأحلام الوطنية التحررية الاستقلالية والإنسانية الفلسطينية كبيرة واسعة وراسخة ومشروعة ومستمرة.. فكل أبناء الشعب العربي الفلسطيني، هناك على امتداد خريطة الوطن الفلسطيني المغتصب والمهود، يتطلعون إلى أن يستيقظوا صباح ذات يوم ليروا الوطن الفلسطيني.. بلا احتلال وبلا قوات غزو وبلا مستعمرات، وبلا اجتياحات وتجريفات واغتيالات واعتقالات ومجازر دموية.. وبلا مصادرات وأطواق وحواجز حربية تنكيلية وعقوبات جماعية تحول حياتهم إلى جحيم يومي لا يطاق.. وكذلك بلا جدران عنصرية تهويدية تحول مدنهم وقراهم إلى معسكرات اعتقال كبيرة وصغيرة...!

ولذلك نعتبر أننا كشعب عربي فلسطيني وكأمة عربية في اشتباك مفتوح مع المشروع الصهيوني وكيان الاحتلال حتى هزيمة ذلك المشروع وكنس الاحتلال.. ولكن... مع بالغ الأسف فإنه ليس من المنتظر إطلاقًا أن يحمل لنا معه العام الجديد 2021 معجزة كبيرة أو أسطورية تقلب الحالة والأـوضاع الفلسطينية رأسًا على عقب، فنحن في زمن لا يعرف المعجزات الأسطورية إلا بقدر ما تصنعها الأمم والشعوب، وبقدر ما تجتمع وتتضافر الظروف والمعادلات الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية لصنعها.

فما يجري في فلسطين جزء لا يتجزأ مما يجري في المنطقة العربية وفي الإقليم كله، وهو نتاج طبيعي لها بشكل عام وللأوضاع العربية بشكل خاص جدًا، فلو كانت الأحوال العربية على غير ما هي عليه منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، ولو كانت لدى الأمة والدول والأنظمة والقيادات العربية إرادة سياسية وسيادية وخيارات تحررية حقيقية كما كانت في عهد القائد الراحل جمال عبد الناصر، لما حصل ما حصل في فلسطين والعراق وسوريا واليمن و ليبيا ... الخ.

  ولذلك نقول إن العام الجديد يولد فلسطينيًا من رحم العام المنصرم... وهذا العام المنصرم كان مليئًا بكل أشكال الجرائم الصهيونية المفتوحة على مدار الساعة، وقد خيمت عليه صفقة القرن التصفوية، وكان مليئًا من جهة ثانية بالهبات والانتفاضات والمواجهات والتضحيات الفلسطينية، بقدر ما كان مليئًا بالملاحم البطولية الصمودية الأسطورية الفلسطينية، لكنه كان من جهة أخرى عامًا بائسًا رديئًا محبطًا مخجلًا عربيًا، في الوقت الذي كان فيه عامًا سيئًا جدًا للمجتمع الدولي وللمواثيق والقوانين والقيم الدولية والإنسانية.

فالعناوين الأساسية الصارخة للعام المنصرم فلسطينيًا كانت:

أولًا. الاستباحة الشاملة: حيث واصلت دولة الاحتلال سياسة التدمير الشامل للمجتمع المدني والأمني الفلسطيني على حد سواء من تجريف واقتلاع ونسف وهدم وحرق.. الخ.

ثانيًا. واصلت تلك الدولة أيضًا اقتراف المجازر الدموية وحرب الاغتيالات والقتل اليومي والإعدامات اليومية للشباب والصبايا بالبث الحي والمباشر.

ثالثًا. كما طغى تمامًا إرهاب الدولة الإسرائيلية بجيشها ومستعمريها ضد أطفال ونساء وشيوخ وشبان فلسطين بغية هزيمة إرادتهم وكسر معنوياتهم واخضاعهم للشروط والاملاءات السياسية والأمنية والتطبيعية الإسرائيلية.. 

وفي هذا السياق الإرهابي الجرائمي الصهيوني وثق تقرير سنوي فلسطيني أكثر من 30 ألف انتهاك للاحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية و القدس المحتلتين، خلال عام 2020 فقط. وعن إرهاب المستوطنين اليهود في القدس والضفة كشف المراسل الإسرائيلي عاموس هرئيل- في هآرتس النقاب عن "أن قفزة هائلة في جرائم الإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين بارتفاع 300%".

وفي القدس أيضًا أظهر تقرير إحصائي صدر عن الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات ومنظمة التعاون الإسلامي: إن الحفريات التي تجرى تحت القدس منذ عام 1967 قد بلغت 104 حفريات، منها 22 فاعلة، و4 تحت وحول الأقصى، و5 في سلوان، و5 في البلدة القديمة، و8 مواقع مترافقة، و57 حفرية ونفقًا تخترق المسجد الأقصى. ورصد تقرير الهيئة في مدينة القدس 29 مستوطنة، منها 15 في الجزء الشرقي والباقي في الغربي، أما حول القدس فهناك 43 مستوطنة على 46 ألف دونم تهدف إلى تغيير طبيعة القدس من خلال الحفريات والتهويدات الجارية على قدم وساق، ويحيط بالأقصى الآن 105 كنس يهودية، علمًا أن عدد المساجد بالقدس 107 منها 43 في البلدة القديمة، و95 كنيسة.

رابعًا. وكأن الشعب الفلسطيني عمليًا بين فكي الإرهاب الدموي الاحتلالي الإسرائيلي المنفلت وبين حالة الفرجة والصمت العربي من جهة، والتواطؤ الدولي والأمريكي على نحو خاص من جهة ثانية. 

خامسًا. غير أن الشعب الفلسطيني نجح برغم كل معطيات هذا المشهد المرعب في التصدي والصمود وتسطير ملاحم أسطورية، وهذا ليس كلامًا انشائيًا أو استهلاكيًا.

سادسًا. ما توج في الحصيلة بإحباط صفقة القرن وعدم تمريرها ونهوض للمقاومة في الضفة  مما شكل نقطة تحول في المشهد.

سابعًا. ويمكن الحديث أيضًا عن مرحلة جديدة في الكفاح الشعبي العربي الفلسطيني، وفي الوعي الجمعي العربي، وعودة البوصلة من جديد للقدس والقضية الفلسطينية.

أما عربيًا فقد تميزت الحالة والأوضاع العربية بـ:

أولًا: الأمة العربية من محيطها إلى خليجها كانت تئن تحت حالة من التفكك والضعف والاستخذاء وفقدان الإرادة والبوصلة لدرجة أن رامزي كلارك أحد أبرز الشخصيات الداعية للسلام واحترام حقوق الإنسان في امريكا والعالم كان قال فيها (إذا كانت هناك إدارة أمريكية طاغية، فالعيب إذن في قدرة المطالبة والوقوف في وجهها. وأنا بصراحة لا يحزنني إلا الموقف العربي الصامت تجاه كل قضاياه التي يسميها قضايا مصيرية لإثبات الوجود والذات.. وحتى اللحظة لا يوجد موقف عربي موحد تجاه القضية الفلسطينية، فليس من المعقول أن يخرج مليونا مواطن امريكي - مثلًا - للشارع في مظاهرات عارمة وتقوم الشرطة بضربهم وتصيبهم إصابات بالغة والعرب جالسون في بيوتهم يتفرجون علينا.. وأنا ما زلت أطالب حتى اللحظة الشعوب العربية بإثبات موقفها وذاتها فإما أن تفرض نفسها أو أن تتفرج ولا تأتي لتبحث عن سلام في عالم يمتلئ بالطغاة والجبارين).

تصوروا... أن كلارك يتحدث هنا بالعربي أكثر من العرب...

ثانيًا: وقد تجلت الحالة العربية الرديئة بالحروب العربية بالوكالة التي شنت وما تزال ضد سوريا واليمن وليبيا والعراق، كما وصلت إلى الأسوف في تاريخ العرب: التهافت على التطبيع مع العدو...!

ثالثًا: أصبحت الحالة والأوضاع العربية بائسة متردية عجيبة ينسحب عليها ما كان الجواهري قد وصف به الأمة قائلًا:

"ورأى المستعمرون فرائسًا منا

يبرون أنيابًا له ومخالبًا.."

فهل ننتظر في ضوء معطيات العام المنصرم يا ترى أجندة سياسية فلسطينية/عربية جديدة مختلفة...؟ أم إننا سنواجه استمرارًا للسياسات الأمريكية والصهيونية الإرهابية الإجرامية في فلسطين والمنطقة؟ وفي هذه نقول: على قدر العطاء والمقاومة والتضحيات على قدر ما تكون الإنجازات..!

يضاف إليها استحقاقات فلسطينية وعربية وإسلامية وأممية ملحة وعاجلة في أعقاب وعد واعتراف ترامب البلفوري ب"منح القدس-وبالتالي فلسطين-عاصمة أبدية لإسرائيل- ومنح الجولان للسيادة الإسرائيلية، وكذلك منح أراضي الضفة الغربية على طريقة وعد بلفور المشؤوم الذي أعطى ما لا يملك-فلسطين- لمن لا يستحق".