Menu

عزمي بشارة والربيع العربي وبوابة التطبيع العربية

غسان أبو نجم

لم يتوانَ الدكتور عزمي بشارة عن خدمة مخططات وبرامج السيد الأمريكي وشريكه الصهيوني في اخضاع المنطقة العربية وفتح الباب على مصراعيه أمام القادم الجديد (إسرائيل) لتمرير الحلم الصهيوني، في التغلغل داخل الجسم العربي لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى ووضع المنطقة العربية تحت امرة هذا الكيان، بعد تهيئة الظروف السياسية الملائمة لتحقيق هذا الحلم الصهيوني الأزلي، والقصة بدأت عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية وشريكها الكيان الصهيوني وبعض وكلاؤهم في المنطقة العربية لوصع المنطقة، في دوامة الفوضى الخلاقة التي ستفضي إلى إسقاط الأنظمة العربية الحاكمة على أيدي جماهيرها وخلق حالة من الحراك الشعبي يحمل قضايا وهموم محقة، مستفيدين من حالة الفساد والفقر والظلم التي عانت منها هذه الجماهير الشعبية طيلة حكم هذه الأنظمة، ولتمرير هذا المخطط عمد المخططون لهذا المشروع إلى وضع الآلية التنفيذية لمشروعهم عبر ثلاث محاور رئيسية الكوادر البشرية الجاهزة لإشعال فتيل هذا الحراك.. المال اللازم لتغطية نفقات المجموعات الحراكية.. وأخيرا وهذا ما يهمنا هنا توفر ماكينة إعلامية تتولى الترويج والتغطية لأخبار الحراك وتوجيههم ميدانيا وسياسيا وتهيئة الجماهير الشعبية العربية وتهيجها عبر بث أخبار ثبت بالمطلق أن معظمها مفبركا، وهذا هو ما يهمنا هنا في هذه المقالة.

لقد أدرك المخططون لمشروع الشرق الأوسط الجديد بأن توافر هذه المحاور الثلاث سيكون مهما وكافيا إلى قدر كبير في خلق حالة من الفوضى المفضية إلى قلب أنظمة الحكم الجمهوري بكل تأكيد، فعمدت إلى تدريب كوادر محلية على أيدي ضباط مخابراتها في عدد من البلدان، ومنها بولندا؛ مهمتها تفجير الاوضاع في بلدانها مرتكزين على شعارات مطلبية سياسية واجتماعية واقتصادية وتجيش الشارع للخروج بمظاهرات تعم البلاد تنسق عملها عبر تنسيقيات محلية يشرف عليها أحد أو مجموعة من كوادرها المدربة مخابراتيا، تفضي إلى دفع الطبقات الشعبية المتضررة من سياسات النظام للخروج للشارع والتصادم مع قوى الأمن التي ستعمل على قمع المتظاهرين وإسالة الدماء ودخول الوضع الامني في مأزق خطير؛ يقود إما بعزل الرئيس وحكومته؛ مصر مثلا أو هرب الرئيس كما تونس، أو قتله كما ليبيا، ولقد لفت نظري تقرير لحزب العمال الشيوعي التركي يشير إلى مخططات نقوم بها وكالة المخابرات الأمريكية في تدريب وتجهيز هذه الكوادر. ولتحقيق شروط هذا التجهيز الميداني؛ تكفلت دول البترول والغاز بأمر من السيد الأمريكي بتمويل كافة متطلبات هذا الحراك بالتهديد تارة، والتخويف بأن يصلها حمى التغيير لمشيخاتها تارة أخرى؛ فتولت مهمة التجهيز اللوجستي لهذه الحراكات عبر تمويل تدريب وتجهيز الكوادر البشرية والعصابات المسلحة لاحقا وتسخير قنواتها الاعلامية لتغطية وتحريك وتأجيج الشارع العربي ضد هذه الأنظمة، وهذا ما يهمنا هنا في هذه المقالة.

لعب الإعلام السياسي دورا هاما وخطيرا في دفع عجلة تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد حتى قبل تطبيقه على الأرض، وذلك من توصيف المشروع بالربيع العربي والترويج لهذا المشروع بوصفه طريق الخلاص من الفساد والفقر والظلم الاجتماعي، مما جهز جموع الجماهير الشعبية لتقبله لا بل الدفاع عنه بالأرواح والدم، ولم يكن هذا ليحدث دون تجهيز الآلة الإعلامية المهولة القادرة للوصول إلى قلب وعقل المواطن العربي والقنوات العربية التي كانت قادرة على لعب هذا الدور المهول هي قناتي الجزيرة والعربية. تولت قناة الجزيرة بوصفها القناة الأكثر انتشارا في الأوساط العربية والأضخم من حيث الامكانيات لهذه المهمة، وتولت الى جانب قناة العربية الفضائية تنفيذ المحور الثالث في المشروع وهو محور هام وخطير؛ فالصحافة تشكل المنفاخ الخطير للجماهير وللكلمة أثر أخطر من الرصاصة؛ كون الأخيرة تقتل فردا بينما الكلمة تؤثر على مجتمع بأكمله، من هنا كان من الضروري جدا التحضير والتجهيز الدقيق لهذه الوسيلة من حيث تحضير الكوادر الإعلامية المتخصصة وتجهيز جيش من المراسلين المدربين وتوزيعهم في الميدان وربطهم بغرفة عمليات مركزية في إدارة القناة؛ تشرف على إدارة وتنسيق عملهم وكان لعزمي بشارة الدور الهام والأساسي في إدارة عمل هؤلاء وتنظيم حوارات ولقاءات عبر القناة تعنى بالترويج لمشروع الربيع العربي؛ بوصفه مفكرا عربيا وخبيرا استراتيجيا، وقد استطاع خبراء في العمل الصحفي بكشف الدور الهام لهذه القناة وأهمهم صحفيون وإعلاميون في تلفزيون الدنيا والاخبارية السورية، حيث كشف هؤلاء عن وجود غرف سوداء تدير وتفبرك الأحداث والمواقف، بهدف إثارة الرأي العام وتحديدا الاحداث في سوريا وتعرض مشاهد ووقائع كاذبة بقصد إحراج النظام من جهة، وزيادة حدة النقمة لدى الجماهير من جهة أخرى، وهذا ما أثبته عدة تقارير صحفية محلية ودولية.

أين دور عزمي بشارة بكل ما حدث ويحدث؟ لقد لعب عزمي بشارة دور المفكر الملهم (للثورات) العربية والفيلسوف الثوري لها؛ معتمدا بذلك على قدراته الثقافية والذاتية الفذة والموجه الحقيقي للحراكات القائمة؛ معتمدا على عاملين مهمين: الأول: قدرات ثقافيه وشخصيه كرازماتيه لها رؤية وتوجه فلسفي سياسي. ثانيا: امكانات ماديه عبر التمويل البترودولار لهذه الشخصية.

لقد لعب عزمي بشارة على وتر القومية العربية ردهة من الزمن، وهو يعلم يقينا أن هذه الفكرة تلامس مشاعر الجماهير العربية التي التصقت روحانيا بفكر عبد الناصر وسوق نفسه رافع لواء القومية العربية وسوقته آلته الإعلامية على انه المفكر العربي وبذل جهودا كبيرة عبر سلسلة من المحاضرات والندوات واللقاءات المرئية والمسموعة والمقروءة، في معظم بلدان العالم العربي لترسيخ كونه المفكر العربي الملهم ليطرح نفسه كمرجعية عروبية ثورية لهذه الثورات، ليتسنى له لاحقا توجيه وعي الجماهير إلى حيث يريد، وهذا في الواقع ليس تحليلا ناقصا ،بل واقعيا ويكشفه عزمي بشارة بنفسه؛ ففي معرض توصيفه للثورات العربية رفض عزمي بشارة، أي دور للأحزاب والقوى السياسية حتى المعارضة للنظام، بلعب دور في هذه الثورات مطلقا عليها (ثورة الشباب)، وهذا المصطلح أطلقه عزمي بشارة للتعبير عن رفضه المطلق لمشاركة أو قيادة حزب لهذه الثوراتـ ولا أدل على هذا الموقف لقاء عزمي بشارة مع الجزيرة نت في حوار أجراه معه حسين جلعاد بتاريخ ٢٠١٦/٣/٢٤ (ومن هنا تنبع أهمية تعبير الشباب الذي انتشر ايضا للتدليل على أن المقصود ليس حزبا بعينه)، وفي نفس المقابلة ذكر عزمي بشارة (أعلن الشعب عن نفسه دون وسطاء ولا أيدلوجيا وفي الحالتين المصرية والتونسية هما ثورتين بدون شك)، هذا الموقف لم يصدر من شخص عادي، بل من مفكر له باع طويل بالأيدلوجيا واطلاع واسع على تجارب الثورات العالمية، ويعلم جيدا أهمية ودور الحزب القائد في الثورة، أي ثورة، ولكن بشارة يريدها ثورة بلا رأس ولا أيدلوجيا حتى يبقى رأس الثورة في قطر وتل أبيب، وهذا بالضبط ما عبر عنه برنار ليفي ملهم عزمي بشارة ومهندس ثورات الربيع العربي حين قال: علينا إطلاق التمرد الشعبي وحرمانه من الفكر الذي يوجه سديمته فيتحول إلى فوضى؛ يتحكم بها فلاسفة الثورة الحقيقيون في الغرب، وهو ما اراده ليفي وعزمي لتبقى التوجيهات لهذه الثورات بيد المتمركزين في قطر، ولأن عزمي بشارة يعلم جيدا أن الثورة إذا امسك بقيادتها حزب، أي حزب يصبح هذا الحزب هو المرجعية لا عزمي بشارة ولا أسياده ليفي ومعلميهم في تل أبيب، ويعلم جيدا أيضا أن أي ثورة بدون أيدلوجيا وحزب قائد لها هي الفوضى بكل أشكالها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، وتضع البلاد على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والصراع السياسي، وأحيانا العسكري، وهذا ما حصل بالضبط وكما خطط له عزمي بشارة ومعلميه في تونس ومصر وليبيا، وهذه الفوضى دفعت هذه البلدان إلى حافة الانهيارات.. ولم يقف حجم المخطط عند هذا الحد، بل لم يكن أحداث هذه الفوضى هو لمجرد الفوضى، بل لتحقيق ما أراده السيد الأمريكي الصهيوني، وهو إغراق المنطقة كل بلد على حدة بهمومها الخاصة، وإدخال اقتصادها في غرف الانعاش لتسارع إلى طلب المساعدات الأمريكية كما حدث في مصر وتونس وتفتيت الأخرى واخضاعها لولاءات جهويه مناطقية مسلحة، كما حدث في ليبيا من أجل نهب ثرواتها وسهولة السيطرة عليها عبر منع قيام دولة مركزية قوية تعنى بشؤون البلاد.. ولم تقف حدود هذا المشروع عند هذا الحد من الفوضى والتخريب، بل تعداه إلى تجزئة الوطن العربي عبر إشغال كل بلد بهمه الخاص وإعلان تبعية كل بلد من بلدانها إلى الطرف القوي الذي يستطيع مساندته في أزمته بعد تفتيت كل معاني ومضامين التضامن العربي والروح القومية العربية، مما مهد الطريق أمام انتفاء الوحدة العربية في الواقع رغم هشاشة القائم وضرب أي مشروع نهضوي جديد للعديد من السنوات، وهذا ما طمح له عزمي بشارة ومهندسي هذا الربيع العربي.. ولم يقف حدود التأثير لهذا الربيع العربي عند البلدان التي اجتاحتها حراكات فعلية كمصر وتونس وليبيا، بل لقد عانت وتعاني بلدان مثل الأردن ولبنان اقتصاديا عبر أزمة خانقه عاشها اقتصادها أسبابه كثيره أقلها انعدام التجارة البينية، بين العديد من البلدان التي اجتاحتها الحراكات وضرب القطاع السياحي في عدد آخر لانعدام الأمن، وعانت دول الخليج العربي ارتدادات هذا المشروع، حيث نجح مهندسو هذا الاتفاق في اقناع دول خليجية بأنها في دائرة الخطر، وبالتالي عليها الاستقواء بحليف استراتيجي أكثر قوة وفاعليه للحفاظ على مشيخاتها وتقديم كل ما يطلب منها من دعم لهذا المشروع الربيعي العربي عبر تمويل كل ما هو ضروري لإنجاحه، وهذا ما حدث فعلا. ثانيا: التمويل البترودولاري للربيع العربي. لقد نجح عزمي بشارة وبدعم وضغط من مهندسي مشروع الشرق الأوسط الجديد من الحصول على الدعم المالي المهول لإنشاء امبراطورية إعلاميه هي الاقوى على مستوى الوطن العربي، وكان لهذا الدكتور الشاب ابن الناصرة ومدير أبحاث فان لير الصهيوني في القدس دورا كبيرا في تحقيق حلمه بإدارة وتوجيه مؤسسات إعلامية كالجزيرة والعربية وانشاء مؤسسات إعلامية ضخمه كالعربي الجديد والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومركزه قطر وسخر هذه المؤسسات لخدمة مشروع الربيع العربي وافتتح فروع ومراكز للأبحاث في العديد من الدول العربية للترويج لسياساته وإفشال أي مشروع لقيام أحزاب قويه، تكون بديلة للموجه العام للحراكات، وإن حصل ذلك أن تكون ضمن إطار فلسفته وفلسفة برنار ليفي، ولقد نجح في شراء العديد من الكوادر الإعلامية والصحفية المدربة وسخرها لخدمة مشروعه. ختاما لقد لعب عزمي بشارة وبدعم وتمويل مهندسي مشروع الربيع العربي دورا كبيرا في تسهيل تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد وضرب حلم الأمة العربية التي تنصل أصلا من توجهاتها القومية، بل وأنكر وجودها باعترافه صراحة عبر كتاباته (كتاب أن تكون عربيا في أيامنا)، وكتابه (في المسألة العربية.. مقدمه لبيان ديموقراطي عربي)، أو عبر لقاءات له مع الصحافة، حيث أكد في حواره مع الجزيرة نت (قلت في الكثير من المواقع بما فيها كتبي الأخيرة أنني لا أتبنى الخطاب القومي كأيدلوجية)، مكشرا عن أنيابه وسالخا جلده القديم ومرتميا في أحضان مشيخات الخليج العربي؛ ينفذ سياسات أسياده في تسهيل إجراءات التبعية الكاملة للإمبريالية العالمية وتحقيق حلم برنار ليفي الصهيوني في تقسيم وتفتيت الوطن العربي ودفعه باتجاه الهاوية وتحقيق الحلم الصهيوني في السيطرة الكاملة على المنطقة العربية ودفع أنظمتها إلى الارتماء في أحضان عدوها الأزلي الكيان الصهيوني، وهو ما سأتطرق له في مقالتي القادمة.