Menu

الآليات التنظيمية والمسؤوليات التاريخية

اسحق أبو الوليد

نظرًا لخصوصية القضية الفلسطينية، آخذين بعين الاعتبار طبيعة الحركة الصهيونية، كمشروع إمبريالي وأهدافها المباشرة في فلسطين والوطن العربي قي إطار ليس فقط استراتيجيتها الخاصة، بل كجزء ومكون اساسي من الاستراتيجية الكونية الإمبريالية، يفرض على القوى الوطنية الحقيقية والثورية التي تتعامل مع الثورة كعلم، وليس كفن الممكن؛ أن تغرف من تراث شعبنا على مر العقود ومن تجربتها النضالية الحديثة: السياسية والفكرية و "التفاوضية"، وأن لا تبحث عن مبررات وحجج لقراراتها من خارج الواقع الفلسطيني. إن هذه القوى حرة وغير ملزمة أن تسقط تجارب حركات تحرر لشعوب أخرى، على أهميتها النضالية والعلمية والتاريخية، على واقعنا وعلى اللحظة التاريخية المصيرية التي يمر بها نضالنا ونضال شعوبنا العربية، بل ونضال كل شعوب المنطقة.
 لا شك أن كافة الأحزاب اليسارية وخاصة الماركسية ال لينين ية، وأيضًا العديد من الأحزاب البرجوازية والإصلاحية، تعمل دائما على الحفاظ على وحدتها وتماسكها كشرط ضروري من أجل تحقيق برامجها السياسية - الاجتماعية والتفاف الجماهير عليها، وتعتمد في ذلك على مبدأ "المركزية الديموقراطية" أو ما يسمى بالمفهوم البرجوازي "ديموقراطية" اتخاذ القرار، كآليه لحسم الجدل والنقاش الذي لا يمكن له أن يستمر إلى ما لا نهاية؛ تلتزم بموجبه الأقلية بقرار الأغلبية. هذا "المبدأ" حاولت قيادة "فتح" أن تفرضه على القوى المشاركة في "منظمة التحرير"، منذ أن سيطرت على قيادتها عام 1969، على اعتبار أن "المنظمة" هي حزبها السياسي، وما تزال تتصرف من خلال سلطة الحكم الذاتي على هذا الأساس، رغم أنه لا يوجد مبدأ آخر أو وسيلة أخرى للحفاظ على وحدة الحزب أو على وحدة الإطار الجبهوي، هل يمكن لنا أن نقول أن هذا المبدأ، هو مبدأ " مقدس" ولا يمكن المساس به، وأنه يصلح لكل زمان ومكان؟ وهل لوحدة الحزب أو وحدة الإطار الأولوية على وحدة الوطن الجغرافية ووحدة الشعب ووحدة القضية؟ ألا يعتمد هذا على طبيعة وحساسية ومصيرية القضية قيد البحث؟ وهل قضايا ووسائل النضال الجماهيري لتغيير نظام سياسي ما، وتحقيق التحرر الاجتماعي في وطن مستقل، بغض النظر عن درجة استقلاله، يمكن أن تكون هي نفسها التي تتطلبها مرحلة التحرر الوطني؟ وهل يحق لنا إسقاطها، على قضايا ووسائل النضال من أجل التحرير الوطني من براثن استعمار احلالي، "يقاتل" هو أيضًا لكسب "الشرعية" لوجوده، في الأرض التي "منحها له الله" ، ولا يتوقف عن العمل بكل طاقاته من أجل "تحريرها" من "الغرباء" وتوحيدها؟ أي توحيد "أرض إسرائيل" التي ستمتد في أراضي "الله الشاسعه"، والتي لا حدود لها. 
 نعم هذا هو الواقع بدون تزييف أو تجميل وهذه هي المخاطر التي تحيق بفلسطين التاريخية والوطن العربي. إن الضرورة تفرض التمييز بين الحالتين؛ ففي حاله النضال البرلماني والمطلبي الخالص، وفي ظروف تطور المجتمع - الدولة بشكل طبيعي، فإن ما يحسم النضال بهذا الاتجاه أو ذاك، يمينًا أم يسارًا، هو ميزان القوى الطبقي المحلي (الوطني) والنضج الثوري للحزب واستعداده النضالي، أو نضج واستعداد الجبهة الوطنية إن وجدت، والأم مقدرة قياده الحزب وقيادة الجبهة الوطنية على اتخاذ قرار الهجوم الثوري في اللحظة الحاسمة، وإذا ما حصل خطا في التقدير، وهذا ممكن أن يحدث، في المجالين السياسي والعسكري، يمكن أن يلحق الهزيمة بالحركة الوطنية والثورية لبعض الوقت ويميت بعض قياداتها المسؤولة عن ما حدث وينهي ما شاخ من أفكارها وأساليبها، ولكنه لا ولن ينهي القضية أو الوطن أو الحركة الثورة، رغم ما يمكن أن يلحق بها من وهن وضرر. ومن البديهي أيضًا أن الصراع الاجتماعي - الاقتصادي والسياسي، في الظروف الطبيعية، لا يتطرق إلى شرعية الحكومة أو نظام الحكم أو الدولة؛ فهل هو نضال وصراع من أجل تحقيق توفير فرص العمل والعدالة والرفاهية والتأمين الاجتماعي والحق في التعليم وتحقيق النمو والتطور؟ لهذا تصبح العملية الانتخابية وسيله لتعزيز الشرعية بكل مقاييسها ووسيلة للسيطرة الكاملة لحزب الأغلبية الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن مصير الشعب والوطن خلال فترة توليه الحكم، وليس وسيله لتقاسم السلطه أو "إنهاء الهيمنة" كما يطرح من قبل "المعارضة" الفلسطينية. ضمن هذه المقاييس، وفي هذا الإطار يمكن للحزب أن يلزم أعضائه؛ بمن فيهم المعارضين لخوض الانتخابات ويحق له أن يطلب من جماهيره المشاركة في النضال لتحقيق أفضل نتائج في صناديق الاقتراع، لأن المعارضة الداخلية إن وجدت، عادة ما تكون لأسباب تكتيكية؛ تتعلق بتقدير اللحظة والظرف الموضوعي. أما في الحالات غير الطبيعية، بل الاستثنائية، كما هو الحال عندنا في فلسطين، فإن الأمور تسير موضوعيًا وإجباريًا بشكل آخر، يختلف جذريًا ويتعاكس تمامًا مع الحالة الطبيعية، هذا الاختلاف يفرضه التناقض التناحري الوجودي التاريخي، الفكري والسياسي والأخلاقي مع الكيان - الدولة التي ما زالت تُحكم سيطرتها الاستعمارية الاحتلالية المباشرة على كل فلسطين وعلى أجزاء جغرافية أخرى من الوطن العربي، وخاصة الجولان السوري، والأخطر في هذه اللحظات المصيرية؛ أن هذا الكيان الصهيوني أصبح في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ يتحكم بشكل مباشر بالسياسات الرسمية لمعظم الحكومات العربية، وخاصة في السعودية والدويلات النفطية الأخرى. وتفيد التقارير الواردة من هذه الدول أن حكوماتها القمعية التابعة وغير الشرعية، ستساهم من طرفها مع الإدارة الجديدة، إدارة بايدن، في تعزيز علاقاتها مع الكيان الصهيوني بما فيها العلاقات الأمنية، وتوسيع دائرتها لتشمل دولًا أخرى عربية و "إسلامية" ودعم وتمويل الانتخابات في فلسطين المحتلة، لتجديد الشرعية الفلسطينية. 
الإدارة الأمريكية من طرفها لم ترحب فقط بهذه الانتخابات، بل أبدت اهتمامًا مفرطًا وعلنيًا بها وعبرت عن استعدادها للتعاون مع الاتحاد الاوروبي "لمراقبتها وتمويلاها" وضمان "نزاهتها"، على الطريقة الأمريكية وبمقاييسها، في إطار استراتيجية إمبريالية هجومية؛ تهدف إلى الاستمرار قي ترتيب المنطقة بما يتلاءم والوضع الدولي والإقليمي. إذن، الانتخابات تندرج في إطار المصلحة الإمبريالية العليا ليس فقط لإعادة إنتاج "أوسلو"، بل ولدمجه وأقلمته مع ما يعرف بصفقة ترامب أو "صفقة القرن"، مما يتطلب دمج الكل الفلسطيني في إطار الشرعية، مع عدم اشتراط الاعتراف الفصائلي بالكيان الصهيوني ولا تأييدها المباشر لاتفاقيات أوسلو، مما يبعدها عمليًا عن الاشتراك في السلطة، لأن هذا يشترط الاعتراف "بإسرائيل"، وتتم هكذا إزاحتها عن مركز القرار، وحصرها كعنصر خامل في مجلس الحكم الذاتي التشريعي، ليبقى القرار الفعلي في يد حفنه من أصحاب الامتيازات والتنسيق الأمني. في وضع كهذا وبحجم هذه الخطورة الوطنية على الأحزاب والحركات والأفراد؛ يصبح من غير المعقول واللاأخلاقي إجبار أو إلزام "الأقلية" الرافضة للاشتراك في مسرحية الانتخابات من أعضاء وقيادات الأحزاب التي قررت المشاركة فيها، لأن أي مواطن (ناخب)، يدلي بصوته يعني أنه يؤيد اتفاقيات "أوسلو" وافرازاتها، لأنه سيدافع بالضرورة عن "صوته" وسيطلب من الجهات المعنية أن تحترمه، أي يُشرك في ميكانزم "التطبيع" الذاتي لما يسمى الحل السلمي، وهكذا تتم عملية الدمج الجماعي والفردي في آليات الحلول المقترحة، بهدف صهر الوعي في أتون وصهاريج "التسوية الشاملة"، كما يرتئيه الثنائي الإمبريالي الصهيوني.
 لكل هذه الأسباب ولحجم المخاطر الحقيقية المحدقة بالوطن والشعب والقضية؛ يصبح مطلوبًا من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شكلت لعقود من الزمن طليعة النضال الفلسطيني والعربي في المجالين الفكري والسياسي والعسكري؛ أن تعود لتلعب هذا الدور من جديد، وهي بلا شك مؤهله موضوعيًا للقيام بهذه المهمة؛ نظرًا لما تملكه من مخزون ثوري تاريخي وطاقة نضالية شابة، مما يتطلب ويفرض على قيادتها؛ إعادة قراءة الواقع الفلسطيني والعربي، بما يحقق إعادة انسجام مواقفها وتكتيكاتها وقراراتها مع استراتيجيتها على الصعيدين الوطني والقومي. 
الكل يدرك أن هذه المهمة ليست سهله، وخاصة في عصر الخيانات والردة والتطبيع، وفي ظروف الموت الثوري والوطني والقومي لقوى شكلت رأس الحربة في الماضي ضد الكيان الصهيوني، نعم هي مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة؛ لأن هذه الثورة قامت من أجل "تحقيق المستحيل وليس تحقيق الممكن" كما قال مؤسسنا ومعلمنا ومربينا حكيم الثورة جورج حبش .