Menu

يمينُ إسرائيل وصناعةُ الفلسطيني الجديد.. منصور عباس نموذجاً..!

أكرم عطا الله

نُشر هذا المقال في العدد 23 من مجلة الهدف الإلكترونية

حتى اللحظة، لا أحد يعرف ما المكسب الذي جناه عضو الكنيست عن القائمة المشتركة وممثلٌ عن الحركة الإسلامية فيها، النائب منصور عباس، من الزوبعة التي أثارها، سوى أنه تمكن من كسر ظهر القائمة، والتي استطاع خلالها العرب لأول مرةٍ من الوصول إلى خمسة عشر مقعداً، وكادوا ينجحوا في منع بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة، لولا أن غانتس كان جباناً وعنصرياً، لا يريد أن يسجل في تاريخه أن اعتمد في حكومته على العرب، لكان نتنياهو في السجن بفضلهم.

لكن الذي حدث من إدراك نتنياهو لوصول العرب إلى تلك الأرقام "خمسة عشر مقعداً" فهذا يفسد لليمين الخالص بهجته، لأن الأمر يتوقف على مقعدين لهذا المعسكر أو ذاك، ليمنعا أو يسمحا بتشكيل حكومة، وكان نتنياهو قد أدرك مسبقاً خطورة هذا التنامي مع قدرة اليمين في الحكم، وخطورته على إحداث "أزمة في النظام السياسي في إسرائيل، حين تتبلور كتلتان كما في السنوات الأخيرة يمكّن العرب إحداها من تشكيل حكومة، ولكن زعيم تلك الكتلة لا يعتمد على العرب فيفشل والأخرى تلقائياً أقل من نصف الكنيست، لا تستطيع تشكيل الحكومة، وجزء من هذا وطبعاً لأسبابٍ أخرى تجري إسرائيل أربعة انتخابات في عامين وربما تذهب للخامسة.

كان نتنياهو في انتخابات الكنيست للعام 2015 قد أدرك تلك المعادلة، ليطلق صرخته العنصرية والتي أزعجت حتى أقرب حلفائها الولايات المتحدة، والتي رفضت نداء نتنياهو عصر يوم الانتخابات، عندما طالب اليهود بالنزول للانتخابات لأن العرب يشاركون بكثافة، وتلك كانت واحدةً من تعبيرات نتنياهو عن رغبته بتقليص المشاركة العربية إلى حدها الأدنى، ولكنه بعد توحد القوى العربية في الداخل ذهب من طريقٍ التفافيٍ آخر وهو طريق منصور عباس.

تمكنت القائمة في آخر انتخابات من ترجيح الكفة ضد نتنياهو، قبل أن يخذل زعيم حزب أزرق أبيض القائمة والجمهور الذي انتخبه وكان هذا جرس الانذار لليمين الذي تمكن بنجاح من إضعاف القائمة، حين تمكن من اختراقها عن طريق الحركة الإسلامية، ونجح في استمالة رئيسها والعضو في القائمة المشتركة منصور عباس وبالتالي الأعضاء الإسلاميين الثلاثة معه، ليعلن عن انشقاقهم عن القائمة وخوض انتخابات 2021 ككتلةٍ مستقلة، وبالتالي تهبط نسبة القائمة المشتركة والتي تعطيها الاستطلاعات ما بين 9 – 11 مقعداً، وهذا كل ما يريده نتنياهو ليس أكثر، أما منصور عباس وكتلته التي قررت خوض الانتخابات منفردةً، فلم تعطيها الاستطلاعات في أحسن الأحوال أية قدرة على تجاوز نسبة الحسم، وهكذا أضعفت القائمة العربية وخسر العرب عدداً من المقاعد، بل وأكثر من الأربعة التي تخص عباس وأخوته، لأن الأمر أحدث قدراً من الاحباط لدى الناخبين العرب في حدث أكبر من خروج قائمة، بل كان نهايةً لحلم الفلسطيني في الوحدة التي تحققت لأول مرة.

لكن كيف تمكن نتنياهو من استمالة منصور عباس؟ وكيف صدق عباس أن نتنياهو يمكن أن يعطيه ما لم يأخذه أي عربي هناك؟ وكيف تجسدت العنصرية في سلوك اليمين الذي جسده نتنياهو قولاً وعملاً وتشريعاً، من خلال جملة القوانين التي أقرتها الكنيست والتي قدمتها أحزاب اليمين ضد العرب، وبعد كل ذلك نجد عربياً يتحدث عن معادلةٍ جديدةٍ في التعامل مع نتنياهو عنوانها "التعاون الإيجابي" بل ويعيب على زملائه في القوى الأخرى، أنها تهتم كثيراً بالوطنية الفلسطينية وترفع ما يسميه شعارات.

لا داعي لإعادة تكرار التدرج في انزياح منصور عباس، والذي بدأ الاعلان عنها عندما ترأس قبل نصف عام جلسةً للكنيست، ورفض مناقشة اقتراح تشكيل لجنة تحقيقٍ لنتنياهو، إذ كان سلم نجاة لرأس اليمين الاستيطاني، صاحب صفقة القرن، ثم وصولاً لهروبه من جلسة إسقاط نتنياهو يوم الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي، لأنه يدعم بقاء نتنياهو رئيساً للحكومة، وانتهي الأمر بخوضه وزملائه الانتخابات القادمة بقائمةٍ مستقلةٍ محدثاً هذا الشرخ للقائمة.

عباس يعيد تجربة العرب في بدايات إقامة إسرائيل، الذين اعتقدوا في البدايات أن العمل في داخل الأحزاب الإسرائيلية وبالتعاون معها "كما عباس"، يمكن أن يحققَ نتائج، واستمر هذا الأمر أربعة عقود قبل أن يدرك العرب أن لا أمل في تلك المقاربة، ولا خيار سوى تشكيل أحزابٍ عربيةٍ مستقلة عندما وصل الصدام إلى نهايته بين قوميتين إحداهما ترفض الأخرى وبين وطنيتين واحدةٍ تستبد بالأخرى، وكانت الانتفاضة الكبرى عام 1987، هي ذلك الجرس الذي أعلن الطلاق الطبيعي بعد تجربةٍ يبدأها ويعيدها عباس من الصفر.

القوة العددية تحدث تأثيراً في القوة النفسية وزيادة الثقة بالنفس، هذا ما تدركه إسرائيل ومراكز دراساتها، التي كان عليها أن تجهض أولاً القوة العددية، ولا يتوقف الأمر عند هذه النقطة بل ينذر إسرائيل بطبيعة الفلسطيني القادم الذي بدأ بفضل قوته العددية يناطح ويناكف ويمنع ويضع فيتو ويسمح، كل هذا يشكل خطوطاً حمراء لدى صانع القرار ولدى المؤسسة التي أبقت على 156 ألف فلسطيني عام 48 داخل الحدود، ليتضاعف الرقم أكثر من عشر مرات، وفي مواجهة هذا الفلسطيني المتنامي بثقةٍ وطنية، كان لابد من إعادة صياغة الفلسطيني المتعاون من جديد، فقد انتقم نتنياهو من القائمة الموحدة التي كادت تقضي على مستقبله السياسي ومستقبل اليمين، عندما أوصت بيني غانتس وتلك كانت المحطة الفارقة، لذا تعاملت إسرائيل باتجاهين، الأول الضغط بقدر الإمكان على الكتلة العربية، وعدم تحقيق أية انجازات وإظهارها بمظهر العاجز عن تمثيل الفلسطينيين، وبالجانب الآخر اختراق تلك الكتلة والبحث عن فلسطينيٍ معاكس، كان نتنياهو يكيل له المديح باعتباره يقدر حجم مسئوليته.

هذا هو الفلسطيني الذي تريده إسرائيل أو النموذج الذي ينبغي أن يكون عليه الفلسطيني وفقاً للتصور المستند لأيديولوجيا لا ترى بالفلسطيني في مكانه مساويةً لليهودي، بل خدم وعبيد ومتعاونين كما قال أحد الحاخامات.

لا يعرف المرء هل يصاب بالفرح من نتائج الاستطلاعات التي تسقط عباس وقائمته وتنهي مستقبلهم السياسي الذي خطط له مع بنيامين نتنياهو، أم بالحزن لأن القائمة المشتركة انشقت وذهب جزءٌ منها لحضن اليمين قبل أن يسقط، لكن بكل الظروف فإن الظاهرة مدعاة للحزن كيف أن عربياً والأسوأ أن يكون إسلامياً بعد تجربة سبعة عقود من اللا مساواة وحرمان العرب وصياغة قوانين ضدهم يتحدث عن مقاربةٍ جديدة تقوم على التعاون!

النتيجة أن هذا التيار الجديد سقط قبل أن يبدأ، هذا ما تقوله الاستطلاعات وربما يتأكد يوم الثالث والعشرين من مارس، وأهمية سقوطه تكمن في فشل هذا التيار من التمدد وكتجربةٍ لن يكررها أيُ فلسطينيٍ بعده..!