Menu

قراءة في قانون الجمعيات المعدل: هل لمس ما لا يجب لمسه؟

موسى جرادات

خاص بوابة الهدف الاخبارية

بعد أن أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قانون رقم ٧ لسنة ٢٠٢١ بتعديل قانون رقم ١ لسنة ٢٠٠٠، حول الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية في فلسطين، انبرت قوى فلسطينية متعددة رافضة لهذا التعديل، وهذا الرفض الذي جاء من قبل المنظمات الأهلية الفلسطينية، وكذلك الفصائل الفلسطينية حمل مضامين ودلالات مختلفة: طالت مضامين التعديل وأثره على عمل تلك المؤسسات، أما رد الفصائل فقد اتخذ بعدًا سياسيًا لجهة توقيت التعديل والتعدي على صلاحية المجلس التشريعي المخول بإصدار القوانين. وفي كل الأحوال يبدو أن التعديل القانوني قد لامس عصب الجمعيات الأهلية ونال من استقلاليتها؛ عبر إخضاعها بصورة تعسفية لسيطرة الأجهزة التنفيذية للسلطة الفلسطينية، لهذا فقد جاءت ردت الفعل لممثلي تلك المؤسسات تصعيدية، حيث هددت بالتوقف عن مراقبة الانتخابات التشريعية والرئاسية، وذهبت أبعد من ذلك، حيث دعت مؤسسة الحق إلى إرسال رسائل عاجلة لكافة الشركاء الممولين بالمستجدات التى وصفتها بالخطيرة ودعت أيضًا لعقد اجتماع معهم كونهم شركاء في الأنشطة والتمويل!

وهنا لسنا في معرض الدفاع عن أي جهة وطرف في هذا الخلاف المستجد، ولكننا أمام قراءة فعلية لطبيعة تلك العلاقة الملتبسة بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني في فلسطين، ومما لا شك فيه أن معظم مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين ومنذ نشأتها وحتى هذا الوقت تأسست بناء على رغبة الممول الغربي وهو الذي يحدد المعايير كاملة لأنشطتها من البداية والنهاية، وهذا الأمر لا ينطبق على المؤسسات العاملة في فلسطين فقط، بل يطال مؤسسات المجتمع المدني في مختلف البلدان والتي تتلقى التمويل الغربي.

أما في الحالة الفلسطينية، فإن دولة الاحتلال تراقب عمل تلك المؤسسات وتعرف كل شاردة وواردة وتعرف أيضًا أدق التفاصيل لكونها مسيطرة على الأرض والفضاء الافتراضي، وكذلك المراسلات مع الجهات الممولة، وبالتالي فإن حديث مؤسسات المجتمع المدني عن المحافظة على استقلاليتها يسقط حين نعرف أن دولة الاحتلال هي المحدد الأساس، وتمتلك القدرة على رفض وقبول أنشطة تلك المؤسسات، والتي على ما يبدو لا تخالف حتى هذه اللحظة شروط الاحتلال، وبالتالي يأتي دور أجهزة السلطة التنفيذية لتعرف ماذا يجري داخل أروقة تلك المؤسسات والجمعيات والعمل على قوننة وضبط أنشطتها.

إن هامش الحرية الذي أعطي لتلك المؤسسات في السابق يأتى من حاجة السلطة لها باعتبارها رديف في تقديم الدعم والخدمات للمواطن الفلسطيني من قبل تلك المؤسسات، وهذا الهامش الموسع ارتبط أيضًا بحاجة كلا الطرفين -السلطة ومؤسسات المجتمع المدني- لنفس الممول، فعندما تهدد مؤسسة الحق بالذهاب إلى الشريك الممول للشكوى فهي تعرف أنها تمارس ضغطًا على السلطة للتراجع عن التعديلات الجديدة في القانون. ومن هنا نستطيع التقاط الخيط الأول من معادلة العلاقة بين الطرفين، بحيث تستقوي المؤسسات على السلطة من باب الممول الواحد الذي يمتلك الكلمة الفصل بين الطرفين، لكن السؤال في هذه الحالة يتعلق بشرعية عمل مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين، والذي على ما يبدو تستمده من الممول الغربي ولا تريد من السلطة الفلسطينية أن تلعب دورًا في أداء عملها، فهي حقيقة لا تمتاز بالشفافية لجهة بناءها الداخلي والخارجي، وكذلك لجهة أنشطتها وتمويلها وأهدافها الفعلية التي ترتبط بأيديولوجيا الممول الغربي منذ عقود.

لهذا لا يبدو أن التعديلات القانونية هي المشكلة الحقيقية بين الطرفين، بل هي جزء من هذا الصراع المحتدم بينهما؛ فالسلطة اليوم بعد مرور سنين عجاف في علاقتها مع الممول الغربي أصبحت أكثر قدرة على إدارة الصراع مع تلك المؤسسات عبر الضغط المتواصل على تلك الجمعيات في التعديلات القانونية الجديدة، لتحقيق هدفين الأول: جلب الممول الغربي لطاولة التفاوض باعتبار السلطة هي المؤسسة الأم التي تمتلك حق إدارة وتشريع عمل تلك المؤسسات. والثاني: جلب تلك المؤسسات إلى طاولة التشريح، بعد غياب ثلاثة عقود عن هذا الفعل، بحيث باتت تلك المؤسسات أمام تحد غير مسبوق منذ نشأتها وحتى هذا الوقت؛ تحد قائم على تقديم فروض الخضوع والطاعة للسلطة، وإلا فهي مهددة بالحل ومصادرة ممتلكاتها وفق رزمة من القوانين والتشريعات والقرارات الإدارية والتنفيذية للسلطة، فهل تخضع بعد أن تدرك أنها أصبحت أكثر ضعفًا من ذي قبل؟ أم أنها ستواصل السير في طريقها القديم الذي أمن طوال عقود لقيادة وكوادر تلك المؤسسات الإفلات من المراقبة والتدقيق؟

هذا الامتحان الصعب يجعلها خارجة من فضاء السياسة الذي توهمته لتعود إلى مربع العمل الاجتماعي الذي على ما يبدو لا تستطيع السير فيه وحدها دون معونة أحد، أما المواقف الصادرة من قبل فصائل العمل الوطني الرافضة لقرار السلطة الجديد، فيما خص قانون الجمعيات المعدل، فهذا الرفض يمكن فهمه من باب أن تلك الفصائل جزء لا يتجزأ من النظام السياسي الفلسطيني وهي جزء أصيل من هذا النظام، وبالتالي لديها الحق في إبداء رأيها وتمتلك صلاحيات الرفض والاعتراض والقبول، طالما أنها جزء من هذا النظام السياسي، وبالتالي لا يجوز الخلط بين رفض الفصائل للتعديلات الجديدة ورفض مؤسسات المجتمع المدني الذي مس كينونتها، وبالتالي لا بد لها للخروج من هذا المأزق الذي وضعت فيه أن تعيد حساباتها وأن تلجأ إلى مزيد من الشفافية أمام المواطن الفلسطيني، إذا أرادت تجديد شرعيتها، والشفافية تعني أن تطبق على نفسها كل المقولات والشعارات ذات الطابع الديمقراطي قبل أن تقوم بتبشيرها على الآخرين، مع الملاحظة أن هناك الكثير من المؤسسات الفلسطينية التي تعمل في فلسطين وهي ليست مرتبطة بالممول الغربي وتمتلك استراتيجية واضحة وتمويلها غير مشروط وتمتلك مشروعية عملها لأنها تلامس حاجات المواطن الفلسطيني وهي ليست في خانة التحليل.