Menu

حروب المياه وسد النهضة والدور الصهيوني التخريبي في تأليب دول حوض النيل على مصر!

نواف الزرو

خاص بوابة الهدف الاخبارية

        تعيدنا حكاية "سد النهضة" والتراجع الاثيوبي عن الاتفاقات التاريخية والتفاهمات القائمة مع مصر حول اقتسام مياه النيل، كما يعيدنا هذا التصعيد الصدامي المبيت والخلافات المفتعلة من بعض دول الحوض مع مصر حول السدود والحصص المستقبلية التي تهدد حصة مصر من المياه وتهدد مستقبل الأمن المائي لمصر، بالضرورة إلى البعد الصهيوني، وذلك الدور التخريبي التي تقوم به اللوبيات الصهيونية في خريطة العلاقات الافريقية وتأليب دول حوض النيل على الاتفاقيات التاريخية مع مصر حول اقتسام المياه، ما يعتبر عمليا بمثابة حرب غير معلنة يختفي وراءها عبث صهيوني يهدد الأمن القومي المصري.

    والحديث عن الدور الصهيوني في تأجيج الخلافات بين دول حوض النيل ليس اتهاميا أو مبالغا فيه أو بهدف "رمي المسؤولية على العدو دائما"، وإنما هو حديث حقيقي وموثق وقديم يعود إلى ما قبل قيام الكيان، بل الى مطلع القرن الماضي، فالمياه كانت تعتبر في الاستراتيجية الصهيونية قبل قيام الكيان قضية استراتيجية حيوية لنجاح مشروع "الدولة اليهودية"، كما احتلت في الاستراتيجيات الإسرائيلية بعد قيام الكيان قمة الأجندات الأمنية الصهيونية، وأهم عنصر من عناصر الأمن القومي الصهيوني، إلى جانب التفوق العسكري الاستراتيجي والشواهد على ذلك لا حصر لها  واسعة تمتد من فلسطين إلى الجولان إلى الجنوب اللبناني إلى نهر الأردن، وبعيدًا إلى تركيا والنيل.

     ونعود إلى تطورات ومعطيات حكاية "سد النهضة" ومياه النيل، فقد كان العالم الجيولوجي المصري الدكتور رشدي سعيد كشف النقاب منذ حزيران/2009 عن "أن الحرب القادمة ضد مصر ستكون حرب المياه"، مضيفا: "أن حصة مصر الكبيرة من مياه النيل لم تعد مضمونة، ما يعرض مصر للدخول في حرب مياه في المرحلة القادمة، خاصة بعد سعي بعض الدول لتعديل اتفاقية تقاسم مياه النيل الموقعة منذ عام 1929، ووجود الأطماع الصهيونية في مياه نهر النيل من خلال بعض الدول المطلة على النهر"، وكان في ذلك إنذار لما هو آت على صعيد حروب المياه وتداعياتها الجيواستراتيجية على الوضع العربي...!

    وحينما أعرب عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية الدكتور سعيد البدري بدوره عن اعتقاده في ورقة نشرها في آب/2007: "أن القرن الحادي والعشرين هو قرن حرب المياه" معززا: "ما زالت الأطماع الإسرائيلية تغازل بعض دول حوض النيل للحصول على نقطة مياه من نهر النيل في ظل الهيمنة الأمريكية السائدة على العالم"، فقد كان في ذلك انذرا مبكرا موثقا لما ذهب إليه العالم سعيد لاحقا.

 وبينما أرجع السفير أحمد حجاج أمين عام الجمعية الإفريقية، ما يثار من خلافات حول الحصص المائية في دول الحوض، إلى "سعي الكيان الصهيوني للضغط على الحكومة المصرية بهدف الحصول على مياه نهر النيل وهو ما لم يحدث ولن يحدث"، رأى الدكتور فخري لبيب مسؤول الإعلام في منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية سابقا "أن إسرائيل تضغط بكافة الطرق للحصول على حصة من مياه نهر النيل من خلال دول الحوض إلا أن هذا لن يحدث"، في حين رأى الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية وأستاذ القانون الدولي سابقا "أن تغلغل إسرائيل في دول الحوض وإمدادها لجنوب السودان بالأسلحة التي تؤدي إلى أضعاف الحكومة السودانية إضافة لإقامة عدد من المشروعات الإسرائيلية مع إثيوبيا، كل هذا للإضرار بالحصة المصرية من المياه".

تفتح لنا هذه التطورات على الجبهة المائية الجيواسترتيجية، وعلى الجبهة المصرية الافريقية تحديدا ملف الأدبيات والمخططات الصهيونية المبيتة المتعلقة بالأطماع المائية الصهيونية، فـ"المياه حلم صهيوني قديم لا يقل ارتباط قيام دولة اليهود به عن حلمهم في بناء الهيكل، فالعلم الإسرائيلي وهو تلك المساحة البيضاء يحددها شريطان متوازيان باللون الأزرق وتسبح بينهما نجمة داود – يرمزان إلى نهر النيل والفرات وهما حدود وطنهم الحلم عندما يغرق غلاتهم بالأوهام – فقد كتبوا على صدر جدار الكنيست – حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل/ عن مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية -/2008/12/2، و"لم يكن الهدف الاقتصادي البحت هو موجه تخطيطهم لمستقبل المياه العربية فما من نهر أو بحيرة ماء في فلسطين وجنوب سوريا ولبنان – إلا وترتبط في مخيلتهم بنص توراتي وفهم تلمودي لمعركة حربية خاضها أحد قادتهم ضد (الجوييم) الأمم الأخرى، فالمياه لا يقل وهجها الديني عن حجارة الهيكل وأعمدته، لقد ارتبط البحر الميت ونهر الأردن والليطاني ووادي اليرموك والشريعة بأحلامهم التوسعية من وجهة نظر دينية بحتة ولهذا سعى ساستهم وفلاسفتهم إلى ربط – الأيديولوجية اليهودية بمرتكز جغرافي يعتمد على المياه كإحدى وسائل تغيير معالم الأرض وطبيعتها الجغرافية".

ومنذ نحو قرن ونصف من الزمن وقضية المياه تشكل ركيزة استراتيجية في السياسات الصهيونية الرامية إلى الهيمنة على المنطقة هيمنة استراتيجية، ومنذ أكثر من قرن والسياسة الصهيونية-الإسرائيلية لا تفصل ما بين الحدث السياسي والحدث المائي؛ فمنذ عام 1867 بدأ الاهتمام الصهيوني بمصادر فلسطين الطبيعية، حيث أرسل صندوق الاستكشاف الصهيوني إلى فلسطين مهندسين لمسح المصادر الطبيعية لفلسطين، ومرورا بالمراحل المختلفة ووصولا إلى عام 53-1956 حيث بدأت "إسرائيل" عمليات تحويل مياه نهر الأردن عند جسر بنات يعقوب إلى الجنوب من بحيرة طبريا، ولكنها توقفت بسبب الأزمة السياسية التي نشبت آنذاك، وفي أعقاب عدوان حزيران/67 كشرت الدولة الصهيونية عن أنيابها تماما؛ فوضع ثلاثة باحثين إسرائيليين بتكليف رسمي من الحكومة الإسرائيلية خرائط ومخططات تعكس الأهداف والأطماع الصهيونية في العالم العربي، والباحثون هم : "اليشع كالي" مهندس المياه في الكيان الإسرائيلي سابقا، والمهندس الدكتور "صموئيل باهيري" مساعدا للأول، والجغرافي "ابراهام طال"، وقد أشرف على نشاطهم لجنة ترأسها البروفيسور "حاييم بن شاحر" رئيس الجامعة العبرية سابقا، وقد تحدثت مخططات وتصورات هؤلاء الباحثين الثلاثة عن "السيطرة على مصادر المياه في المنطقة، وجر مياه النيل إلى النقب، ومياه الليطاني إلى طبريا، وعن نقل النفط والغاز المصري والسعودي عبر الأنابيب إلى الموانئ الحديدية الإسرائيلية، وعن شق وإنشاء الخطوط الحديدية والطرق المعبدة لربط إسرائيل بالدول العربية المجاورة، والأهداف والدوافع وراء كل ذلك: اقتصادية - سياسية -واستراتيجية، ما يعني أننا أمام حروب مياه إسرائيلية مخططة مبيتة مع سبق الترصد..!

وهكذا وانتقالا من تلك السنوات مرورا بالخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وصولا إلى الراهن في الصراع؛ نجد ،ن الحدث المائي كان مقترنا دوما بالحدث السياسي ولم ينفصل عنه أبدا، فمع كل مشروع أو قرار أو إجراء مائي صهيوني كنا نشهد الحدث السياسي الساخن، فإذا كان الصراع العربي-الصهيوني على مدى العقود الماضية قد طغى عليه الطابع الوجودي- أما نحن أو هم رغم أن التحولات العربية في السنوات الأخيرة توحي بغير ذلك، فإنه من المنتظر أن يتحول شكل الصراع ليتمحور حول مصادر وحصص المياه في المنطقة. ولذلك، فإن الحديث عن حروب المياه المستقبلية في المنطقة هو حديث استراتيجي بالغ الخطورة والجدية، يستوجب من العرب أو من بقي منهم حيا، وفي المقدمة منهم مصر والعروبيين هناك أن يولوه الأهمية والاهتمام المطلوبين؛ فالمشاريع والمخططات والأطماع الصهيوني في المياه العربية منفلتة ليس لها حدود أو ضوابط، ونستحضر في ذلك ما كان بن غوريون قاله منذ عام 1956 إذ أكد: "أن اليهود إنما يخوضون ضد العرب معركة مياه يتوقف على نتيجتها مصير إسرائيل..!".