Menu

الانتخابات الفلسطينية في ميزان السياسة

محمد حجازي

نشر هذا المقال في العدد 23 من مجلة الهدف الرقمية

            بدون أدنى شك أن بيان القاهرة الصادر عن اجتماع الفصائل الفلسطينية، ترك جدلاً واسعاً لدى الفلسطينيين، أن يكتفيَ بيانُ الفصائل بمناقشة ملف الانتخابات التشريعية هذا وحده مشكلة كبيرة، خاصة أن هناك عشرات الملفات الشائكة التي خلفها الانقسام الفلسطيني، أهمها البرنامج السياسي التوافقي ومستقبل قطاع غزة؛ إجراء الانتخابات مسألةٌ غايةٌ في الأهمية خاصة في الحالة الفلسطينية، ولكن على قاعدة وحدة مؤسساتنا الوطنية، ووحدة شعبنا، من خلال إنهاء الانقسام الأمر الذي لم يحدث، وأكثر من ذلك الانقسام الفلسطيني منذ 14 حزيران 2007 ولد واقعاً مريراً على البنية السياسية الفلسطينية وتمثيلها السياسي وحياة الناس.

 قطاع غزة الذي عاش ظروفاً قاسيةً، حيث الفقر والبطالة التي وصلت إلى 54 بالمئة حسب هيئة الاحصاء الفلسطينية، يوجد 240 ألف عاطل عن العمل من فئة الشباب، معظمهم من حملة الشهادات العليا والمعاهد المتوسطة، هذا الرقم كبيٌر جداً، في منطقةٍ عدد سكانها يزيد قليلاً عن 2 مليون نسمة أي  ربع السكان، يكفي قراءةُ هذه الفئة لنخرجَ باستنتاجاتٍ عن حجم المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت طيلة الفترة الماضية، حاولت حركة حماس التقليل من حدة الفقر من خلال اعتماد توزيع المئة دولار ال قطر ية وتوزيع السلات الغذائية، ولكن هذه الطريقة وإن خففت على الناس من جانب، ولكنها لا تحل مشكلات الفقر، وأكثر من ذلك ولدت مجتمعاً يعتاش على المساعدات "سلات غذائية" وغيرها، وهذا الشكل قد يضفي متغيراتٍ مشوهةً تنعكس على بنية المجتمع والذي هي بالأصل ضعيفة وهشة.  

الفلسطينيون في قطاع غزة يحتاجون إلى أكثر من الانتخابات، يحتاجون إنهاء الانقسام واتمام المصالحة، وأن يكون قطاع غزة جزءاً من السلطة الفلسطينية، وجزءاً كاملاً من الموازنة العامة للسلطة، وإلى تنميةٍ اقتصاديةٍ اجتماعيةٍ مستدامة، لذلك يوجد خشيةٌ لدى الكثير من الفلسطينيين أن يكون التوافق على الانتخابات فقط بدون حلِ وفكفكةِ عُقد سنوات الانقسام السياسية والاقتصادية والإدارية، ما هو إلا وصفة أخرى للفشل، لأن انتخابات عام 2006 أجريت بدون تهيئة الحالة الفلسطينية، حيث لم تجرِ حواراتٍ جديةً تفضي لبرنامجٍ سياسيٍ موحدٍ يشكل حداً أدنى للجميع، ولم تفضي لتفاهمِ وقبولِ الجدي بمبدأ الشراكة السياسية ومبدأِ التداول السلمي؛ دخلنا الانتخابات ونحن مختلفون على كل شيء، وبالتالي حدث ما حدث.. يبدو أننا نعيد الكرة مرةً ثانية بدون الاستفادة من سنوات الضياع والتشتت.

التوافق بين حركتي فتح وحماس أعطى كل طرفٍ ما يريد؛ حماس أخذت قطاع غزة بدون أن تدفعَ شيئاً من جيبها، بالرغم من قبولها بمبدأ التمثيل النسبي الكامل، مع بقاء هيمنتها وسيطرتها عليه وفق رؤيتها، وسعيها للوصول إلى تهدئةٍ طويلة الأجل مع العدو الإسرائيلي، ورغم اهتزاز هذه الفكرة إلا أنها ما زالت تراهن عليها، وكان هناك مزيدٌ من التطمينات من قيادة حركة فتح للدخول معها في قائمةٍ مشتركة، والذي بالتأكيد تراجع لاعتباراتٍ كثيرة؛ التوافق على قائمةٍ مشتركةٍ كشف عنه الأخ د. ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية  لحركة فتح عبر تقنية  "زووم" في إحدى الورش، حيث قال أن هذه الفكرة لقيت معارضةً قويةً داخل الحركة؛ القائمة المشتركة بين فتح وحماس إن حدثت فهي مصيبة لأنها غير ديمقراطية، وتضفي نظام برأسين وفق مبدأ التقاسم الإداري والوظيفي والقائمة ستحبط الفلسطينيين لأنها تفضي  إلى انتخابات بالتزكية التي تعيدنا إلى نقطة الصفر،  حركة فتح تدرك جيداً أن صورة الفلسطينيين أصبحت باهتةٌ جداً، وأن القضية الفلسطينية لم تعد ملفاً ملحاً على الأجندة الدولية، والعالم لم يعد يحترم الفلسطينيين للصورة الباهتة التي قدموها في صراعهم الداخلي، وبالتالي رأت قيادة السلطة أنه لا بد من تجهيز الحالة الفلسطينية، من خلال ترتيب انتخاباتٍ توافقيةٍ مع حماس معلومة النتائج وبالشكل أمام العالم وعلى حساب الوضع الداخلي، خاصة أن قطار التطبيع سار سريعاً، وأن إدارة ترامب سقطت وأتى الرئيس بايدن، وبالتالي علينا تقديم أوراق اعتمادنا ضمن شرعية الانتخابات وحتى لو كانت عرجاء.

ولكن أعتقد أن حصاد البيدر لن يعطي للقيادة الفلسطينية ما تريد، حيث صدر تصريحٌ لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يقول بشأن المسألة الفلسطينية حل القضية الفلسطينية بعيد المنال.

واضح أن إدارة الرئيس بايدن لن تعطي أولويةً لحل القضية الفلسطينية؛ فالأولوية للملف الإيراني من خلال إعادة الاتفاق النووي الذي وقعت عليه إدارة الرئيس أوباما مع بعض التحسينات، أما العرب الذين سعوا لإنشاء تحالفٍ سنيٍ إسرائيليٍ ضد إيران وما سمي بالتمدد الشيعي بات يفقد بريقه وأهميته، أي أن العرب الخليجيين باستثناء الكويت دفعوا من جيوبهم بدون مقابل، لذلك لن تتفرغَ إدارة الرئيس بايدن للقضية الفلسطينية، فقد تقدم بعض المساعدات أو تعيد جزءاً من دعم الأونروا.

إن تجهيز الحالة الفلسطينية لمفاوضاتٍ مع إسرائيل وهمٌ، ذلك لأن التركيبة الحالية في الدولة العبرية التي تنحاز باتجاه اليمين واليمين المتطرف، لن تقبل بذلك طالما تحقق أهدافه بعيداً عن أية التزامات اتجاه الفلسطينيين، هناك اعتقادٌ لدى البعض من الكتاب والمثقفين والسياسيين، أن هذه الانتخابات تأتي لتجهيز الحالة الفلسطينية للمفاوضات مع الاحتلال، ولكن أي مفاوضات في ظل المتغيرات التي حدثت سواء في الإقليم أو لدى العرب، وإن جرت فلن تكون، إلا مفاوضات استنساخ للتجربة الماضية، ولكن بصورة أشد بشاعة.

تبقى الأسئلة مطروحةً بقوةٍ عن الانتخابات الفلسطينية القادمة: هل سيقبل الطرفان بنتائج الانتخابات؟ وهل ستقبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بحكومة وحدةٍ وطنيةٍ بمشاركة حركة حماس وهي مصنفة على قوائم "الإرهاب "؟ وهل هناك اشتراطات جديدة على شاكلة اشتراطات الرباعية الدولية سيئة الذكر؟ وهل ستستكمل الحالة الفلسطينية نحو تجديد وعقد مجلسٍ وطنيٍ جديد يضم الجميع؟ وهل سوف يتم التوافق على برنامجٍ وطنيٍ موحدٍ يشكل أرضيةً نضاليةً جديدة؟ وهل سنصل إلى نظامٍ تشاركيٍ سياسيٍ بامتياز؟ كل هذه الأسئلة تبقى برسم الإجابة، رغم أن المقدمات لا تبشر بالخير.