Menu

الأدب الفلسطيني بينَ تَحفيز المُقَاوَمَةِ وتَحَدِّيَات التَّطبيعِ ومُغْرَيَات الْحداثَة

عبد الرحمن بسيسو

عبد الرحمن بسيسو

(5)

الأَدَبُ الْفِلَسْطِيْنِيُّ: مَرْحَلَتَانِ كُبْرَيَانِ، وفَتْرةٌ آنْتِقَالِيَّةٌ

يَنْتَظِمُ الأَدَبُ الْفِلَسْطِينِيُّ مُذْ عُرِفَ وُجُوْدُهُ، وفِي ضَوءِ ما بَلْوَرَتْهُ المُقَاربَاتُ الْمَضَمَّنَةُ فِي الْمَقَالاتِ السَّابِقَةِ مِنْ خُلَاصَاتٍ، فِي مَرْحَلَتَيْنِ كُبْـرَيَيِّنِ تَمْتَدُّ أُوْلَاهُمَا مِنَ اللَّحَظَةِ الْحَضَارِيَّةِ التَّارِيْخِيَّة الَّتِي وُسِمَتْ بابْتِكارِ الإِنسَّانِ الكَنْعَانِيِّ الْعَرَبِيِّ الْفِلَسْطِينيِّ "الْحُرُوفَ"، وبِجَعْلِهِ إِيَّاهَا "كَلِمَاتٍ" و"نُصُوصَاً"، أَسْكَنَهَا نَفْسَهُ، وأَشْوَاقَهُ، ونِدَاءَاتِ وُجُودِهِ الْحَيَوِيِّ، وأَصَالَةَ انْتِمَائِهِ الْجُذُوريُّ إِلى "أَرْضِهِ" الَّتِي جَعَلَهَا "وَطَنَاً" وباسْمِهِ أَسْمَاهَا: "فِلَسْطِينَ"، فَأَضَاءتْ، وتَوهَّجَتْ، ومَعْهُ سَافَرَتْ عَلى مُتُونِ "سَفَائِنِهِ" الْمُبْحِرةِ فِي أَنْهُرِ الْحَيَاةِ وبُحُوْرِهَا ومُحِيْطَاتِهَا، والْمُحَلِّقَةِ فِي شَتَّى مَدَارَاتِ وُجُوْدِهِ الإِنْسَانِيِّ الْحَضَارِيِّ التَّارِيْخِيِّ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى وُجُودٍ مَفْتُوحٍ لَمْ يَكُفَّ، ولَنْ يَكُفَّ، عَنْ تَوْسِيِعِ حُضُوْرهِ الْحَيَويِّ فِيْهِ وتَعْمِيْقِهِ، عَبْرَ مُتَابَعَةِ تَنْوِيعَ مَجَالَاتِ إِسْهَامِهِ الإِبْدَاعِيِّ والْمَعْرِفِيِّ الْمُفْضِيَانِ إِلى فَتْحِ الْمَزيدِ مِنْ آفَاقِهِ، وتَجْدِيْدهِ، وإِثَرائِهِ.

وتَتَواصَلُ هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ الأُولى، والَّتِي اقْتَـرَحْنَا تَسْمِيَتَهَا بـ"مَرْحَلَةِ زَمَكَانِ الْحَقْلِ" حَتَّى لَحْظَةِ بَدْءِ إِرْهَاصَاتِ اسْتِهْدَافِ "فِلَسْطِيْنَ" بِغَزْوٍ اسْتِعْمَاريٍّ صُهْيُونِيٍّ مُغَطَّىً بِسَرْدِيَّةٍ أُسْطُورِيَّةٍ مُوْغِلَةٍ فِي التَّزْوِيْرِ والزِّيْفِ، ومَجْعُوْلَةٍ "دِيْنَاً"، و"مُعْتَقَدَاً"، وآيدْيُولُوْجْيَا اسْتِعْمَارِيَّةً عُنْصُرِيَّةً"، وذَلِك مُذْ نِهَايَاتِ الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرِ الْميلادِيِّ، ورُبَّمَا عَوْدَاً إِلى بَدْءِ "صَهْيَنَةِ الْيَهُودِ" في غُضُون قَرْنِ العُنْصُرِيَّة والتَّعَصُّب الَّذِي سَبَقَهُ، والشُّرُوعِ فِي "حَوْسَلَتهم" ومِنْ ثَمَّ "تَهْجِيْرِهِم" مَن "أَوْطَانِهِمْ" الْحَقِيْقِيَّةِ، الْمُوَزَّعَةِ فِي بِقَاعٍ شَتَّى مِنَ العَالَمِ، ولا سِيَّمَا مِنْ أُوروبَا الاسْتِعْمَارِيَّةِ والْعُنْصُرِيَّة الَّتِي أَرادتْ تَنْظِيفَ نَفْسِهَا مِنْهُم، إِلى فِلَسْطِيْنَ، وشَرُوْعِهِمْ، فَورَ وُصُولِهِم إِلَيْهَا، فِي سَلْبِ أَراضِيْهَا بِدَعْمِ الْمُسْتَعْمِرِ الْبِـرِيْطَانِيِّ وغَيْرهِ مِنَ الْقُوَى الرَّأْسِمالِيَّة الاسْتِعْمَارِيَّةِ، وفِي اسْتِيْطَانِهَا، اسْتِيْطَانَاً عَسْكَرِيَّاً اسْتِعْمَارِيَّاً، لإِنْشَاءِ "وطَنٍ يَهُودِيٍّ قَومِيٍّ!"، هُوَ بِمِثَابَةٍ "قَاعِدَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ"لِلِصُّهْيُونِيَّة التَّوسُّعِيَّةِ، ولتِلْكَ الْقُوى الرَّأْسِمالِيَّةِ الاسْتِعْمَارِيَّةِ، فِيْهَا!

أَمَّا الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ الْكُبْرَى؛ وهِيَ مَرْحَلَةٌ مَسْبُوقَةُ بِفَتْرةٍ انْتِقَالِيَّةٍ لَعَلَّهَا تَكُونُ قَدِ اسْتَغْرَقَتْ نَحْوَ عِقْدِيْنَ أَو اَكثَرَ قَلِيْلاً مِنَ الزَّمَنِ، فَهِيَ تَبْدَأُ مِنْ لَحَظَةِ تَبَلْورِ الْوعْيِ الْحَقِيْقِيِّ، الْوطَنِيِّ والْقَومِيِّ والإنْسَانيِّ، لَدَى الأَعَمِّ الْأَغْلَبِ مِنَ الأُدَبَاءِ الْفِلَسْطِيْنِيِّينَ، بِحَقِيْقَةِ "الْخَطَرِ الْوُجُوْدِيِّ" الَّذي يَتَهَدَّدُ وُجُوْدَ وَطِنِهمْ: "فِلَسْطِيْنَ"، وَوُجُوْدَهُمْ، جَرَّاءَ "الْغَزْوَةِ الاسْتِعْمَارِيَّةِ الصُّهْيُونِيَّة" القَائِمَةِ عَلَى تَوْظِيْفٍ تَأْسِيْسِيٍّ تَتَكامَلُ مَجَالاتِ الأَنْشِطَةِ السِّيَاسِيَّة وَالْعَمَلِيَّةِ والأدَبِيَّةِ والْفَنِّيَّةِ والثَّقَافِيِّة الْمُتَشَعِّبَةِ الَّتِي يَشْمَلُهَا، لِسَرْدِيَّةٍ أُسْطُوْرِيَّةِ صُهْيُونِيَّةِ مُؤَدْلَجَةٍ، ومَجْعُولَةٍ دِيْنَاً مُسَيَّسَاً، وعَقِيْدةَ تَعَصُّبٍ وعُنْصُرِيَّةٍ،وذَرِيْعَةَ هَيْمَنَةٍ كُلِّيَّةٍ عَلَى "فَلِسْطِينَ"، وبِلَادِ الْعَرَبِ، وشُؤْونِ الْعَالَمْ!

وإِنِّي لَاَحْسَبُ أَنَّ هَذِه المَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مَراحِلِ الأَدَبِ الْفِلَسْطِيْنِيِّ، سَتَتَواصَلُ أَحْقَابَاً زَمَنِيَّةً لَا مَكانِيَّةٍ تِلْوَ أَحْقَابٍ زَمَنِيَّةٍ لا مَكانِيَّة حَتَّى بُزُوغِ اللَّحْظَةِ الحَضَارِيَّةِ التَّارِيْخِيَّةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُتَوَّجَةِ بِتَجَلِّي الزَّمَكَانِ الْمُسْتَقْبَلِيِّ الْفِلَسْطِيْنِيِّ فِي رِحَابِ فِلَسْطِيْنَ، مَعْ تَحَقُّقِ الانْتِصَارَ النِّهَائِيَّ لِنَضَالِ شَعْبِهَا، والإِنْسَانيَّةِ الْحُرَّةِ بِأَسْرِهَا، ضَدَّ التَّزْوِيْرِ والزِّيْفِ، والتَّعَصُّبِ والْعُنْصُريَّةِ، والتَّوَحُّشِ الْبَشَريِّ الْمُنْفَلِتِ، الَّتي هِي مُرتَكَزَاتُ الصُّهْيُونِيَّةُ الْعُنْصُرِيَّةُ الأسَاسِيَّةُ، ومُؤَسِّسَاتُ سَرْدِيَّتِهَا الْغَيْبِيَّةِ الزَّائِفَةِ بِشَأْنِ "فِلَسْطِيْنَ"، و"أَرْضِ المِيْعَادِ"، و"شَعْبِ اللَّه المُخْتَارِ"، و"أَرضِ إِسْرائِيْلَ الْكُبْرى المْمُتَدَّةِ مِنَ الْفُراتِ إلى النِّيْل" ومِنْ ثَمَّ إلى أَبْعَدِ أُفُقٍ  تُبْصِرُهُ عَينُ جُنْدِيٍّ إِسْرائِيْلِيٍّ مَنْ جُنُودِ "رَبِّ الْجُنُودِ"، و"دَوْلَةِ إسْرَائِيْلَ الْكُبْرى" جُغْرَافِيَّاً، و"إِمْبراطُوْرِيَّةِ إِسْرائِيْلَ الصُّهْيُونِيِّةِ الْعُظْمَى" مِنْ كُلِّ وُجْهَةٍ وفِي كُلِّ مَجَالٍ، والْمُؤَهَّلَةِ، وحْدَهَا دْونَ سِوَاهَا، لامْتِلَاكِ الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ، و"تَلْويْنِهِ بأَزْرَقِهَا" تَكْرِيْسَاً لِهَيْمَنَتِهَا الْمُطْلَقَةِ عَلَى شُؤُونِهِ!

مَنْهِجٌ تَكامُلِيٌّ، وقِراءةُ نَقْدِيَّةٌ تَفَاعُلِيَّةٌ:

وإلى ذَلِك، سَتَكُونُ المَرْحَلَةُ الانْتِقَاليَّةُ هَذِهِ، فِي امْتِدَادِاهَا الْجُذُوْرِيِّ المُتَشَعِّبِ فِي مَرْحَلَةِ "زَمكانِ الْحَقْلِ الْمَديْدِ" الَّتِي سَبَقَتْهَا، وفِي نُجُومِهَا عَنِ الْمُتَغَيِّراتِ والتَّحَوُّلَاتِ الَّتِي اسْتَهْدَفَتْ "لُحْمَةَ الزَّمَكَانِ الفَلسْطِيْنِيِّ" فَاسْتَولَدَتْهَا، وفِي تَوجُّهِهَا الْمُسْتَقْبَلِيِّ، المُتشَعِّبِ أَيْضَاً، صَوْبَ بَلْورةِ مَلامِحَ ومُكُوِّنَاتِ رُؤَىً مُسْتَقْبَلِيَّةٍ تُؤَسِّسُ التَّوجُّهَاتِ والاتِّجَاهَاتِ الأَبْرَزَ الَّتِي سَيَذْهَبُ الأَدَبُ الْفِلَسْطِيْنيُّ، فِي مَرحَلَتِهِ الثَّانِيَةِ الْكُبْرى المَوسُومَةِ بِزَمانِيِّةٍ غَيْرِ مَكَانِيَّةٍ مِنْ جِهَةٍ، وبِزَمَكانِيَّةٍ وِجْدَانِيَّةٍ مِنَ الْجِهَةِ الْمُقَابِلَة، إلى بَلْوَرِتِهَا عَلى نَحْوٍ أعْمَقَ وأنْضِجَ، هِيَ الَمَدْخَلُ الْمنْهَجِيُّ الأَصْوَبُ لِلشُّرُوعِ فِي مُقَاربَةٍ نَقْدِيَّةٍلِشَتَّى تَجَلِّيَاتِ هَذَا الأَدَبِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْمُتَعَدِّدةِ الأَحْيَازِ الزَّمَانِيَّةِ والأَحْقَابِ، والَّتي لَم تَزَلْ مَفْتُوحَةً عَلَى أَزْمِنَةٍ صِرَاعٍ حَيَاتِيٍّ وُجُوْدِيٍّ سَيَظَلُّ مَفْتُوحَاً، سَواءٌ فِي الْمَكَانِ الْفِلَسْطِيْنِيِّ الْمُنْتَزَعِ، بالْقُوَّةِ الْغَاشِمَةِ،مِنْ خَالِقِيْهِ ومِنْ حَقِيْقَتِهِ الحَضَارِيَّة والتَّارِيْخِيَّةِ الرَّاسِخَةِ، أَوْ فِي أيِّ حَيِّزٍ مِنْ أحْيَازِ الْوجُودِ الْفِلَسْطِيْنِيِّ الزَّمَانِيِّ فِي الْعَالَمِ، عَلَى الأَزْمِنَةِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى لَحْظَةِ اسْتِعَادةِ "الْمَكَانِ الْفِلِسْطِيْنيِّ" حَقِيْقَتَهُ الأَصِيْلَةَ بِعَوْدَتِهِ، عَوْدةً كُلِّيَّةً، إلى خَالِقِيْهِ: "شَعْبُ فِلسْطِيْنَ".

وإضَافَةً إلى إِعْمَالِهَا الْمَنْهِجَ الْقِرائِيَّ التَّبَصُّرِيَّ التَّحْلِيْلِيَّ النَّقْدِيَّ التَّكَامُلِيَّ الَّذِي تَمَّتَ لَنَا بَلْورَةُ جَوْهَرِهِ، أَو نُوَاتِهِ التَّأْسِيْسِيَّةِ، فِي المقَالاتِ الأَربِعَةِ السَّابِقَةِ النَّشْرِ، هُنَا، في أَعْدادٍ مُتَوالِيَةٍ مِنْ مَجَلَّة "الْهَدفِ" بَدْءاً مِنَ العَددِ: 19 (1493) تِشْرين الأَوَّل (أُكْتُوبر) 2020، سَيَكُونُ لِهَذِه الْمُقَارَبَةِ النَّقْدِيَّةِ أنْ تَنْفَتِحَ، طِيْلَةَ الْوَقْتِ، عَلَى مُقْتَضَياتِ الْقِراءَةِ التَّفَاعُلِيَّةِ مَعِ النُّصُوصِ الأَدَبِيَّةِ عَلَى تَنَوُّعِ أَجْنَاسِهَا وتَعَدُّدِ أَشْكَالِهَا، وأَنْ تُلْزِمَنَفْسَهَا بِإِعْمَالِ مَا تَسْتَوجِبُهُ أَنْسِجَتُهَا النَّصِّيَّةُ، وبُنَاهَا التَّكْوِيْنِيَّةُ الرُّؤْيَويِّةِ والْجَمَالِيَّةِ، مِنْ إِجْراءاتٍ تَحْلِيْليَّةٍ، وأَنْ تَسْتَضِيءُ، بِتَواصُلٍ إِدْراكِيٍّ جَماليٍّ ومَعْرِفِيٍّ، بِالْمِعْيَارِ الْجَوهَريِّ الَّذِي بَيَّنَّا مُؤَسِّسَاتِهِ ومَنَابِعَ مُكَونَاتِهِ علَى مَدَى الْمُقَاربَاتِ السَّابِقَةِ، والَّذِي هُوَ، بِإيْجَازٍ مُكَثَّفٍ: الانْتِمَاءُ، بتَواشُجٍ تَفَاعُلِيٍّ عَميْقٍ ومُتَواصِلٍ، إلى الأَدَبِ بِالْتِزَامِ مَنْظُوْمَاتِةِ الْجَمَاليَّةِ الْمِعْيَارِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الثَّابِتَةِ، وتِلْكَ الْمتَطَوِّرةِ وِفْقَ قَوانِينِ أَجْنَاسَهِ، وإِلى فَلِسْطِيَنَ بِاعْتِناقِ سَرْدِيَّتِهَا الأَصْلِيَّة الأَصِيْلَةِ فِي اقْترانٍ مَعِ الإسْهَامِ الإبْداعِيِّ فِي بَلْورةِ رُؤِيَتِهَا الْمُسْتَقِبَلِيَّةِ الرَّصِيْنةِ والْمُتَكامِلَةِ، لِنَكُونَ، عَنْ حَقٍّ، إِزاءَ "الأَدَبِ" فِي أَصَالَتِهِ الإِبْداعِيَّةِ الْجَمَالِيَّةِ، وفِي تَوافُرهِ عَلَى مَا يَجْعَلُهُ جَدِيْراً بِأَنْ يُنْعَتَ بـ"الفِلَسْطِيْنِيِّ". 

وِفْقَ مُوْجِبَاتِ هَذَا الْمِعْيَارِ الْجَوهِريِّ الواسِمِ الأَدبَ بِأَدَبِيَّتِه الإِبْدَاعِيَّةِ الْجَمَالِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ أُوْلى، وَبِفِلَسْطِيْنِيَّتِهِ المَشْرُوْطَةِ بِانْتِمَاءِ الأديْبِ انْتِمَاءً كُلِّيَّاً إلى فِلَسْطِيْنَ عَبْرَ اعْتِنَاقِهِ سَرْدِيَّتِهَا الحَضَارِيَّة التَّاريْخِيَّةِ الإِنْسَانِيَّةِ راسِخَةِ الْوجُودِ والمُسْتَقْبَلِيَّةِ، ومُتَابَعَتِهِ تَجْلِيَةِ حُضُورِهَذِهِ السَّردِيَّةِ فِي تَجَلِّيَاتِ إِبْدَاعِهِ الأَدَبيِّ، مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ، تَأَسَّسَ المَنْهَجُ الْقِرَائِيُّ التَّحْلِيْلِيُّ التَّكَامُلِيُّ الَّذِي سَيَحْكُمُ سَعْيَنَا النَّقْدِيِّ الْمُتَوخِّيَ تَعَرُّفِ كيْفِيَّاتِ حُضُورِ هَذَا الْمعْيَارِ فِي إبْداعِ الأَدَبِ الْفِلَسْطِيْنِيِّ، سَواءٌ عَبْرَ تَجْلِيَّةِ حُضُورهِ التَّكْوِيْنِيِّ النَّصِّيِّالمُتنَوِّعِ، أَو عَبْرَ إِضِمارِوُجُودِهِ التَّأْسِيْسِيِّ كَمْعْيَارٍ تَنْحَكِمِ عَلاقَاتُ جَمِيْعِ مُكَوِّنَاتِ الْعَملِ الْأَدَبِيِّ إِلِيْهِ،وذَلِكبِاعْتِبَارهِ المِعْيَارَ الْجَمَاليَّ والدَّلَاليَّ، الْجَوهَريَّ والْحَاسِمَ، الَّذي يُحَدِّدُ حَقِيْقَةَ هَذَا الأَدَبِ إِذْيَرْفُدُهُبِانْشِغَالاتِهِ الأَسَاسِيِّةِ وأسْئِلَتِهِ ومُحُفِّزاتِ إِبْدَاعِهِ، وإِذْ يُزَوِّدُهُ بِأَمْوَاهِ مَنَابِعِهِ وأَنْوَارِ شُمُوسِهِ،وإِذْ يُكْسِبُهُ زَمَكَانِيَّتَهُ الْفِلَسْطِيْنِيَّةَ الْوِجْدَانِيَّةَ بِأَبْعَادِهَا الحَضَارِيَّةِ التَّارِيْخِيَّةِ الإنْسَانِيَّةِ، وبِتَجَلِّيَاتِهَا الْمَوضُوْعِيَّةِ فِي الزَّمَكَانِ الْمُطَابِقِ زَمكَانِ الْوِجْدَانِ الْفِلَسْطِنيِّ الْكُلِّيِّ، وإِذْ يَصُوغُ مُكَوِّنَاتِ هُوِيَّتِهِ الإِبْدَاعِيَّةِ الْجَمَالِيَّةِ الأَصِيْلَةِ والْحَدَاثِيَّةِ، وإِذْ يُرَكِّزُهُ عَلَى بَلْوَرةِ رُؤَىً مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، صَادِقَةٍ ومُتَمَاسِكَةٍ وأَصِيْلَةٍ، لِكَونِهَا تَتَأْسَّسُ عَلَى وعْيٍ عَمِيْقٍ بِحَقِيْقَةِ صِرَاعِ السَّرْدِيَّتِينِ: الصُّهْيُونِيَّةِ الزَّائِفَةِ، والفِلَسْطِيْنِيَّةِ الْحَقَّةِ.

ومَا حَقِيْقةُ صِراعِ السَّرْدِيَّتَيْنِ هَذه، إلَّا حَقِيْقَةً مَعْرِفِيَّةً مُؤَصَّلَةً مِنْ كُلِّ مَنْظُورٍ ووجْهَةٍ تُعِملُ الْعَقْلَ ولا تَستَندُ إلى وهْمٍ أو غَيْبٍ، وهِيَ الْحَقِيْقَةُ الَّتِى تَقَولُ إِنَّهُ صِراعٌ حَيَاتِيٌّ يَوْمِيٌّ وَوُجُوْدِيٌّ يَمُورُ  فَوْقَ "أَرضِ فَلَسْطِينَ"، وعَلَيْهَا، وكَذَا فِي شَتَّى أَحْيَازِ وُجُودِهَا المَقْرونِ بِوجُودِ شَعْبِهَا فِي أيٍّ حَيِّزٍ مِنْ أحْيَازِ الْعَالَمِ، مُنْذُ مَا يَربُو عَلى قَرنٍ وثَلاثَةِ عُقُودٍ، وأَنَّهُ سَيَبْقى مَفْتُوحَاً عَلَى الأَزْمِنَةِ إلى أنْ يَتِمَّ حَسْمُهُ لِصَالِحِ الْحَقِّ الْفِلَسْطِينِيِّ، والحَقِيْقَةِ الْفلَسْطِيْنِيَّةِ، بِأَبْعَادِهِمَا الحَضَارِيَّةِ والتَّارِيْخَيَّةِ والإنْسَانِيَّةِ الْمُتَفَاعِلَةِ، والْمُنَاقِضَةِ، عَلَى نَحْوٍ جَذْرِيٍّ حَاسِمٍ، للتَّعَصُّبِ الأَحْمَقِ، والْعُنْصِرِيَّةِ التَّفَوُّقِيَّةِ، والتَّوحُّشِ الْمُنْفَلِتِ، كَثَالوثٍ ظَلَّ يَحْكُمُ الصُّهْيُونِيِّةَالسِّيَاسِيَّةَ والْعَمَلَيَّةَ الْغَازِيَةَ، مُذْ نَشْأَتِهَا الَّتي لَمْ تَتأَسَّسَ إِلَّا عَلَيْهِ، والَّذِي لَمْ تُجَلِّ نَفْسَهَا، فِي كُلِّ مَا قَدْ أَنْتَجَتْ مِنْ أَدِبيَّاتٍ آيديُولُوجِيَّةٍ، ومِنْ فُنُونٍ، وآدَابٍ، ودِراسَاتٍ، ومَسْلكِيَّاتٍ، وتَصَرُّفَاتٍ، إلَّا مِنْ خَلالِهِ، وبِإِتْقَانٍ دعَائِيٍّ تَرْوِيْجِيٍّ مُلْزَمٍ بِاتِّبِاعِ تَعْلِيْمَاتِهِ، وبالأَخْذِ بمُوْجِبَاتِهِفِي الدَّقِ الْمُتَواصِلِ عَلى "عَقْلِ الْعَالَمِ"، فِيْمَا هِيَ لَمْ تَكُفَّ، عَبْرَ كُلِّ تَجَلِّيَاتِهَا وأَنْشِطَتْهَا، ومُذْ مَا قَبْلَ إِعْلانِ نَشْأَتِهَا حَتَّى اللَّحْظَةِ، عَنِ التَّقَنُّعِ، تَضْلِيْلاً وخِدَاعَاً وحَرْقَاً لِلْوعْيِ الْبَشَرِيِّ وغَسْلاً لأَدْمِغَةِ النَّاسِ، بِنَقَائِضِهِ الإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيْلَةِ!

ثَالُوثُ مَحَاوِرَ رأْسِيَّةٍ،وثَلاثَةُ مَفَاهِيْم:

وَحَريُّ بِنَا أَنْ نَشْرَعَ، الآنَ، فِي تَرْسِيْمِ  خُطَّة الَعَمَلِ الْقِرَائِيِّ التَّحْلِيْلِيِّ النَّقْدِيِّ لِلأَدَبِ الفِلَسْطِيْنِيِّ الْمُعَاصِرِ، والَّتِي أَحْسَبُ أَنْ الإِطْلالَ الْمُسبَقِ عَلِيْهَا مِنْ قِبَلِ الْقَارِئَاتِ والقَارِئِيْنَ، سَيَكُونُ ضَرُوْرِيَّاً، وَذَلِكَ أَخْذَا بِحَقِيْقَةِ أَنَّ لمِعْرِفَةِ الِرؤَيَةِ الْمَنْهَجِيَّة التَّكَامُلِيَّةِ، ولِلْإطْلالِ عَلَى مُكَوِّنَاتِ الْخُطَّةِ القِرَائِيَّةِ التَّحْلِيْلِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ وضِمْنُهَا المَتْنُ الأَدبِيُّ الَّذيِ سَتنْهَضُ عَلَيْهِ، أَنْ يُضِيْئَا جَوَانِبَ نَوْعِيَّةً سَتَتَوجَّبُ مُقَارَبَتْهَا، وأَنْ يُظُهِراجُزْئيَّاتٍ تَفْصِيَلِيَّةٍ ستَتَطلَّبُ التَّحْلِيْلَ الْمُعَمَّقَ،وذَلِكَ عَلَى نَحْوٍ سَيُمَكِّنُنَا، اسْتِهْدَاءَ بمُقْتَضَيَاتِ الرُّؤِية الْمَنْهِجِيَّة والْخُطَّةِ الْقِرائِيَّة التَّحْلِيْلِيَّة، مِنْ تَأْصِيْلِ مَا سَتُثِيْرُهُ هَذهِ الْجَوانبِ والْجُزْئِيَّاتِ مِنْ فَرْضِيَّاتٍ كُلِّيَّةٍ، كَمَا أَنْ لَهُمَا أنْ يَفَتَحَا بَصَائِرَ القَارِئَاتِ والْقَارِئِيْنَ عَلَى إدْراكِ التَّرابُطِ، والانْعِكَاسِ الْقَبْلِيِّ والارْتِجَاعِيِّ، والتَّعَالُقِ الْقَائِمِ، والْمُمْكِن، بِيْنَالجَوَانِبِ النَّوْعِيَّةِ، والْجِزْئِيَّاتِ التَّفْصِيْلَّةِ، والْفَرْضِيَّاتِ الْقَابِلَةِ للِتَّأصِيْلِ، وذَلِكَ عَلَى نَحْوٍ يُعَزِّزُ إسْهَامِ القَارئَاتِ والقَارِئِيْنَ، فِي تَأْصِيْلِ هَذِهِ الْفَرْضِيَّاتِ مِنْ منْظوراتٍ تَبَصُّرِيَّةٍ مُتَغَايَرةٍ، وَوِفْقَ مُعْطَيَاتِ تَجَارِبَ قِرائِيَّةٍ نَصِّيَّةٍ تَتَبَايَنُ أَزْمِنَتُهَا، وتَتَغَايَرُ الشُّرُوطُ الَّتي تَحْكُمُهَا، فَتَنْفَتِحُ مُمْكِنَاتُ تَأْويْلِ النُّصُوصِ الأدَبِيَّة الَّتِي تَنْفَتِحُ عَلَى قِراءَاتِهَا عَلَى مَا يُقَاربُ حَقِيْقَتَها الْكامِنَةِ فِي ثَنَايَا أَنْسِجَتِهَا، وفِي العلاقَاتِ القَائِمَةِ بيْنَ عَنَاصِرِ مُكَوِّنَاتِها، وبُنَاهَا.

تنْهَضُ خُطَّةُ الْعَملِ هَذِه عَلَى ثَلاثَةِ مَحَاوِرِ رَأْسِيَّةٍ؛ أَوَّلُهَا: فِلَسْطينُ وصِراعُ السَّردِيَّتَيْنِ: الفِلَسْطِيْنِيَّةِ التَّارِيْخِيَّة الْحقيْقِيَّةِ، والصُّهْيُونِيَّةِ الْغِيْبِيَّةِ الزَّائِفَة؛ وثَانِيْهُمَا: الأَدَبُ الْفِلَسْطِيْنيُّ وأَجْنَاسُهُ؛ وثَالِثُهَا: الزَّمَكَانُ الْفِلَسْطِيْنِيُّ فِي صَيْرورَتِهِ وتَحَوَّلاتُهُ. وعَلَى هَذِه المُحَاورِ الرأْسِيَةِ الثَّلَاثَةِ سَتَتَحَرَّكُ مَحَاوِرُ أُفُقِيَّةٍ مُتَرابِطَةٍ ومُتَفَاعِلَةٍ، سَتَنْبَثِقُ، أَسَاسَاً وأَوَّلِيَّاً، عَنْ مِحْوَرٍ، أَو عَنْ مِحْورَيْنِ، أَو عَنِ المَحَاورِ الثَّلاثَةِ مُجْتَمِعَةً، ولَكِنَّها تبْقَى دائِمَاً، ومِهْمَا تَغَايَرتْ كَيْفِيَّاتُ انْبِثَاقِهَا، عَلَى تَفَاعُلٍ، وتَدَاخُلٍ، وتَبَادُلِ انْعِكَاسٍ وتَأثِيرٍ، كَمَا أَنَّهَا سَتَبْقَى دَائِرةً، طَوالَ الوَقْتِ وفِي آنٍ مَعَاً، عَلَى الْمَحَاوِر الرأْسِيَّةِ الثَّلاثَةِ أَيَّا مَا كَانَ المِحْورُ الرَأْسِيُّ الَّذِي انْبَثَقَتْ، ابْتِدَاءً، عَنْهْ لِتَخْتِرقَ الْمحْوَرَيْنَ الآخَرَيْنِ، لِيبْدوَ الأمْرُ وكَأَنَّنَا إزَاءَ حَلَقَاتٍ أُفُقِيَّةٍ مُتَشَابِكَةٍ، أو إزاءَ أَوانٍ مُسْتَطْرِقَةٍ يَنْسَربُ مَا يَحْتَويْهُ إنَاءٌ مْنْهَا إِلى سِواهُ .

ومِنَ الأَهَمِّيَّةِ الْمَفْهُوْمِيَّةِ الْفَائِقَةِ، أَنْ نُوَضِّحَ بِدَايَةً، وقَبْلَ الشُّرُوْعِ فِي تَحْدِيْدِ الْمَحَاورِ الأُفُقيَّةِ الأَسَاسِيَّةِ الْأبْرَزِ، وبَيَانِ مُسَبِّبَاتِ انْبثَاقِ أَيٍّ مِنْهَا عَنِ المِحْورِ الرَّأْسِيِّ الَّذِي انْبَثَقَ عَنْهُ، واسْتِكْشَافِ مُمْكِنَاتِ تَفاعُلِهِ التَّرابُطِيِّ مَعِ المَحَاوِرِ الرَّأْسِيَةِ الأُخْرى، أَنَّ مِحْورَ الزَّمَكَانِ الْفِلَسْطِيْنِيِّ إِنَّمَّا يُحِيْلُ إِلى "الْوَاقِعِ": هَذَا الْحَضَاريِّ التَّارِيْخِيِّ الْوُجُوْدِيِّ الَّذِي كَانَ قَائِمَاً، ومُجَسَّدَاً بِجَلاءٍ سَاطِعٍ، فِي فِلَسْطِيْنَ بِأَسْرِهَا؛ وهَذَا الصِّراعِيِّ الْقَائِمِ الآنَ فِي صَيرورتِهِ وتَحَوُّلاتِهِ؛ وهَذَا الْمُسْتَقْبَلِيِّ الْمَنْشُودِ والْقَابِلِ لِلْمَجِيْءِ عَبْرَ النِّضَالِ الْفِلَسْطِيْنيِّ الْمتَواصِلِ والْمُتَصَاعِدِ، والمُتَشَابِكِ المَجَالاتِ والأبْعَادِ، والْمسْتَهْدِفِ صَّدَّ الغَزْوِ الصُّهْيُونيِّ واجْتِثَاثِ شَتَّى تَجَسُّدَاتِهِ فِي شَتَّى مُتَعَلِّقَاتِ فِلَسْطِينَ، وفِي جَميْعِ أَرْجَائِهَا، وفَوْقَ أيِّ حَيِّزٍ مِنْ أَحِيَازِ أَرْضِهَا الْمُحْتَلَّةِ، وشَواطِئِهَا، وسَمَاوَاتِهَا.

أَمَّا مِحْورُ الأَدَبِ الْفِلَسْطِيْنِيِّ وأَجْنَاسِهِ، فَإِنَّمَا يُحِيْلُ إلى الأنْواعِ والْوسَائِلِ والأسَاليْبِ والآلياتِ الإِبْدَاعِيَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ قِبَلِ الأُدَبَاءِ الْفِلَسْطِيْنِيينَ، فِي هَذِه الْحِقْبَةِ الزَّمَنيَّةِ أَو تِلْكَ، لإِقَامَةِ واقِعٍ أَدَبيٍّ - جَمَالِيٍّ مُوَازٍ لِلْوَاقِعِ الْحَيَاتِيِّ الْفِعْلِيِّ القَائِمِ، ومَفْتُوحٍ عَلَى بَلْوَرَةِ "رؤْيَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ" بِشَأْنِ الْواقِعِ الْفِلَسْطِيْنيِّ الإنْسَانِيِّ المَنْشُودِ وُجُوْدُهُ، وكَيْفِيَّاتِ تَحْقِيْقِ وُجُوْدِهِ، وُجُوْدَاًمَوضُوعِيَّاً فِعْلِيَّاً،فِي فِلِسْطِينَ، ودَائِمَاً فِي ضَوءِ مُواجَهَةِ السَّرْدِيَّةِ الصُّهْيُونِيَّةِ الْغِيْبِيَّةِ الزَّائِفَةِ، بالْحَقِّ الفِلَسْطِيْنِيِّ التَّارِيْخِيِّ وبالْحَقِيقَةِ الْفِلَسْطِينيَّةِ الْحَضَارِيَّةِ الإنْسَانِيَّةِ، وعَلَى نَحْوٍ لا يَنْفِصَلُ، أَبَدَاً، عَنْ المِحْور الرَّأْسِيِّ دائِمِ الْفَاعِلِيَّةِ والْحُضُورِ، أَلا وهُوَ: "فِلَسْطِيْنُ وصِراعُ السَّرْدِيَّتينِ" الَّذي يُحِيْلُ إِلى المَنْظُور والرَّؤْيَة اللَّذِيْنِ يُؤَسِّسانِ فِلَسْطِيْنِيَّةِ الأَدَبِ الفِلَسْطِيْنِيِّ عَبْرَ إكْسَابَهِجَوْهَرَ هُوِيَّتِهِ الَّذي يِمْنَحُهُ صِدْقِيَّتَهُ الرؤيَويَّةَ الْكَفِيْلَةَ بِتِعْزِيْزِ صِدْقِيَّتِهِ الْجَمَالِيَّةِ، وإثْراءِ إبْداعِيَّتِهِ الإنْسَانيَّةِ، وهُمَا الصِّدْقِيَّةُالْمزدَوجَةُ، والثَّراءُ الإنْسَانِيِّ، الكَفْيلانِ بِتَوسِيْعِ مُمْكَنَاتِ رَوَاجِ الأدبِ الْفِلِسْطِينيِّ، رواجَاً ابْتِدَائِيَّاً مَشْهُوداً ومِتَغَايِرَ القَنَواتِ والأشْكَالِ، فِي أَوْسَاطِ قُرَّاءِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّة ونَاطِقيْهَا، والْمُؤَسِّسَانِإمَكانِيَّة فَتْحِ مَدَاراتٍ ثَقَافِيَّةٍ ولُغَوِيَّةٍجَديْدةٍ، وتَوسِيعِ مَداراتٍ قَائِمَةٍ، لتَرْجَمَتِهِ إلى لُغَاتٍ عَالِميَّةٍ لا تَقْتَصِرُ عَلَى اللُّغَاتِ الْعَالِميَّةِ الأَسَاسِيَّةِ السِّتِّ، بَلْ تَتخَطَّاهَا عَلَى نَحْوٍ يَفْتَحُ آفَاقَ نَشْرهِ، وتَداوُلِهِ، عَلَى مُسْتَوى الْعَالَمِ بِأَسْره.

وهَكذا نَكُونُ، مِع المَحَاورِ الرَّأْسِيَّةِ الثَّلاثَةِ إِزاءَ "الْواقِعِ بِشُمُولِهِ وصَيْرُوْرَتِهِ وتَحَوُّلاتِهِ"، و"الأَدَبِ بِشَتَّى أَجْنَاسِهِ وأشْكَالِهِ"، و"المَنْظْوريْنِ الرُّؤَيَاوي والْجَماليِّ عَلى تَنَوُّعِ تَجَلِّيَاتِهِمَا"، أَيْ أَنَّنَا نَكُونَ إِزاءَ الثَّالُوثِ الإبْداعِيِّ التَّأْسِيْسيِّ الَّذي عَلى مِحْوَرهِ، وفِي مَجَالِهِ الْحَيَويِّ التَّفَاعُلِيِّ، يُوْجَدُ الأَدِيْبُ الْفِلَسْطِيْنيُّ وتَتَبلْوَرُ رؤْيَتَهُ لِلْعَالَم، ويُبْدَعُ الأَدَبُ الْفِلَسْطِيْنيُّ مُحَفَّزَاً بِدَوافِعَ مُتَنَوِّعَةٍ تَنْبُعُ مِنْ عَلاقَةِ الأَدَيْبِ الْفِلَسْطِيْنِيِّ بِذَاتِهِ، وبِهُوِيَّتَيْهِ (الفَرْدِيَّةِ، والوطَنِيَّة الْجَمْعِيَّة) اللَّتَيْنِ يَنْشُدُ كَمَالَهُمَا الإِنْسَانيَّ الْمُمْكِنَ، وبِوَاقِعِهِ الْقَائِمِ (الْوَطَنِيِّ والإنْسَانيِّ) الَّذي يَنْشُدُ تَغْيِيرَهِ لُيُطَابِقَ الْحَقَّ والْحَقِيْقَةَ، ولِيَتَّسِمَ بِالْكَرامَةِ الإنْسَانِيَّة، والْعِزَّةِ الْوطَنِيَّة، والْحُرِّيَّةٍ، كَثَالُوثٍإنْسَانيٍّ قِيَمِيٍّ مُتَفَاعِلٍ يَكْفُلُالأخْذُ بِهِ، واحُتِرامُهُ، الالْتِزَامُ الْفِعْلِيُّ بِتَطْبِيْقِ مُوجِبَاتِهِ مِنْ قِبَلِ دُوَلِ الْعَالَمِ والإنْسَانيَّةِ بِأَسْرِهَا، عَودةَ فَلِسْطِيْنَ إلى حَقِيَتقِهَا، وذِلِكَ بِعَوْدَةِ خَالِقِهَا؛ أَيِ الْإِنْسَانِ الفِلَسْطِيْنيِّ، إلِيْهَا، عَوْدَةً حَقِيْقِيَّةً لا يُجَسِّدُ تُحَقُّقَهَا الْفِعْلِيَّ مِنْ شَيءٍ سِوى تَطَابَقِ زَمَكَانِهَا الْواقِعِيِّ الْوُجُوْدِيِّ الْمَفْتُوحِ عَلَى المْسْتَقْبَلِ، مَعْ زَمَكانِهَا المَائِرِ فِيْهَا، مُذْ بَدْءِ الْبَدْءِ وإِلى أَبَدٍ هُوَ الأَبَدُ، كَمَجَالٍ حَيَويٍّ وُجُوْدِيٍّيَمُورُ بِعَطَاءِ الوِجْدَانِ الفِلَسْطِينيِّ الْحَضَاريِّ التَّارِيخّيِّ الإنْسَانيِّ الْكُلِّيِّ، بِقَدْرِ مَوَرانِهِ الْحَيَوِيِّ فِي كَيْنُونَةِ الْكَوْنِ، وفِي سُمُوِّ الْحَضَارةِ الإنْسَانِيِّةِ الْقَائِمَةِ، أَصْلاً وبَالضَّرورةِ الْجَوْهَرِيَّة، عَلَى كُلِّ مَا يُجَافِي التَّعَصُّبَ الْغَيْبِيَّ الأَحْمَقَ، والْعُنْصُرِيَّةَ السَّوْدَاءَ، والتَّوحُّشَ الْبَشَريَّ الْمُنْفَلِتْ.