Menu

فلسطين بين التطبيع والمقاومة

د. ماهر الطاهر

قضية فلسطين؛ خاصة بعد معركة سيف القدس بكل معانيها؛ تؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع مع الصهيوني الاستعماري على أرض فلسطين، وعليه فإن هناك مجموعة من النقاط التي طرحتها هذه المعركة:

أولًا: إن معركة سيف القدس والانتفاضة الشاملة في عموم أرض فلسطين؛ شكلت تحولًا استراتيجيًا في مواجهة الاحتلال عندما أعادت الاعتبار لمعنى فلسطين، حيث جرت محاولات متواصلة لتشويه هذا المعنى وتجزئة القضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني في الحديث عن أراضي محتلة عام67؛ غزة؛ الضفة؛ القدس ومناطق ال48 ومخيمات اللجوء. وكأننا مجموعات سكانية متناثرة. وكان هذا في قلب المخطط الصهيوني، خاصة بعد توقيع اتفاقات أوسلو المذلة التي أراد من خلالها قادة الإرهاب الصهيوني ضرب وتمزيق مشروع التحرر الوطني الجامع للشعب الفلسطيني.

انتفاضة القدس ومعركة سيف القدس؛ أكدت وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة الهوية والمصير لشعب واحد موحد هدفه الواضح وغير القابل للجدل هو تحرير فلسطين كل فلسطين؛ من بحرها إلى نهرها، لأن الرواية الفلسطينية لم تبدأ عام 1967، بل بدأت منذ وعد بلفور ونكبة 1948، وتشريد الشعب الفلسطيني في كل أصقاع الأرض.

إن انخراط أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948، في اللد وحيفا ويافا وعكا وإم الفحم؛ أعطى رسالة واضحة للجميع بأنه لا تعايش مع المشروع الصهيوني، وأن الصراع هو صراع وجود بكل معنى الكلمة.

ثانيا: إن هزيمة الكيان الصهيوني إمكانية واقعية، وهذه حقيقة كرسها انتصار المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله المقاوم عندما تم تحرير جنوب لبنان عام2000، وتعمقت هذه الحقيقة عام 2006، وازدادت عمقًا في المواجهات والحروب التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة منذ عام 2008، والصمود الأسطوري لشعب فلسطين، وتجذرت هذه الحقيقة بشكل ساطع في معركة سيف القدس، حيث انهالت صواريخ المقاومة وبشكل متواصل لتدك المدن الفلسطينية المحتلة، وفي القلب منها مدينة القدس، في ظل اختلال هائل في موازين القوى ومواجهة ما يسمى بالجيش الذي لا يقهر والذي لم يتجرأ ولن يتجرأ على الدخول مرة أخرى إلى قطاع غزة الباسل.

لأول مرة في تاريخ الصراع يتمكن الشعب الفلسطيني من التحكم في أرض فلسطينية صغيرة الحجم؛ يمتلك فيها إمكانيات تسليحية لا تقارن بما يملكه كيان العدو؛ من أسلحة دمار وقتل وإرهاب، ولكن شعبنا تمكن من أن يزرع الرعب والهلع في قلوب مستوطني هذا الكيان؛ بإرادة لا تلين وهذا تحول سنتلمس نتائجه ومعانيه في المرحلة القادمة.

ثالثا: لقد وجهت معركة سيف القدس؛ ضربة قاسية لما سمي بالتطبيع بين بعض الدول العربية التابعة والخانعة التي وقعت اتفاقات تحالف مع الكيان الصهيوني واعتقدت واهمة بأن هذا الكيان سيوفر الحماية لعروشها، لتكتشف اليوم أن من راهنت عليه عاجز عن حماية نفسه أمام ضربات المقاومة وأمام إصرار شعب مكافح سيواصل جهاده وكفاحه مهما كان الثمن.

إن خروج الجماهير العربية في العواصم العربية والإسلامية والعالمية؛ أكد بأن شعوب المنطقة تلتف حول القضية الفلسطينية وأنها تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في كفاحه المرير، وأن كل محاولات تزييف وكي الوعي وتشويه الحقائق وصلت إلى طريق مسدود وأن مصيرها الفشل الذريع.

إن المعركة التي نخوضها اليوم قبل أن تكون معركة عسكرية وسياسية هي معركة بين نهجين وبين ثقافتين؛ نهج الاستسلام والرضوخ ونهج المقاومة والشموخ، وكانت معركة القدس ببعدها الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي؛ بمثابة استفتاء لتكريس خيار المقاومة والمواجهة والصمود.

رابعا: إن توقف إطلاق النار المؤقت بين قطاع غزة وكيان الاحتلال لا يعني توقف الانتفاضة والمواجهة اليومية مع الاحتلال وتصعيد هذه المواجهة وصولا لانتفاضة شاملة وعصيان شامل واشتباك متواصل على امتداد الأرض الفلسطينية لإزالة الاحتلال عن أرضنا وبلادنا، وهذا هو جوهر ما يحيط بنا من مخططات ومشاريع واستنفار قوى إقليمية ودولية لوقف المعارك، هدفه الحقيقي استهداف فكرة المقاومة والمواجهة، لأنهم يدركون تمامًا ما معنى استمرار انتفاضة فلسطينية شاملة في ظل صمود محور المقاومة وتحقيق إنجازات كبرى على مدى السنوات الماضية؛ صمود سوريا الكبير وإفشالها مؤامرة كبرى استهدفت وجود هذا البلد العربي المقاوم وصمود المقاومة اللبنانية وتشكيلها لقوة ردع استراتيجية وصمود الشعب اليمني ومقاومته والشعب العراقي ومقاومته وصمود الجمهورية الإسلامية الإيراينة وصبرها الاستراتيجي وقوة ردعها، هذا الصمود الحقيقي لمحور المقاومة وفي قلبه صمود شعب فلسطين؛ بدأنا نلمس نتائجه عبر الكثير من التطورات في المشهد السياسي؛ إقليميًا ودوليًا.

 خامسا: علينا الحذر الشديد واليقظة الكاملة لما سنواجهه في المستقبل القريب من تحركات جادة ومتواصلة من أطراف دولية وإقليمية ورجعية عربية لمحاولة إجهاض نتائج الانتصار الذي تحقق والعودة إلى سياسة الخداع والتضليل والحديث عن العودة للمفاوضات عبر اللجنة الرباعية وغيرها، وإعادة الحديث عن ما يسمى بحل الدولتين، في ظل إدارة أميركية جديدة برئاسة بايدن سوف تعمل لإيجاد حل سياسي، وهذا كله هدفه الأساس حماية الكيان الصهيوني ليستمر في الاستيطان التهويد وفرض الحقائق على الأرض.

إن الطريق الأساسي بالنسبة لنا كشعب فلسطيني؛ أن نواصل الكفاح وأن نعمل باتجاه بناء وحدة وطنية فلسطينية حقيقية وجادة؛ تقوم على أساس إلغاء اتفاقية أوسلو وسحب الاعتراف بكيان العدو وإنهاء التنسيق الأمني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركة كافة القوى الفلسطينية ضمن إطارها على أساس برنامج سياسي جديد؛ يستند لخيار المقاومة كخيار استراتيجي في مواجهة الاحتلال، وبدون ذلك لن تستقيم الأمور في الساحة الفلسطينية، لأن استمرار الرهان البائس على مفاوضات وحلول سياسية لن يكون نتيجته سوى استمرار وتعميق الانقسام وهذا ما يحلم به العدو الصهيوني.