تتفق الفصائل الفلسطينية كافة على ضرورة إعادة ترتيب البيت السياسي الفلسطيني المعترف به دولياً وإقليمياً ومحلياً، وهذا ما يُبَث على ألسنة ناطقيها على مدار سنوات من تأجيل حوارات القاهرة مع اختلاف وقائع أي مرحلة يتم فيها دعوتهم إلى العاصمة المصرية لبدء سلسلة نقاشات حاسمة ووضع النقاط على الحروف في عديد من القضايا أهما "المصالحة – إعادة الإعمار – الانتخابات – وتثبيت وقف النار".
يأتي حوار القاهرة في هذه الآونة بعد معركة ضروس خاضتها المقاومة الفلسطينية مع جيش الاحتلال الصهيوني منتصف مايو الماضي، استجابةً لنداء أبناء شعبنا في حي الشيخ جراح وحي بطن الهوى ب القدس وغيرها من مناطق الوجود الفلسطيني التي تتعرض إلى هجمة شرسة من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين، الأمر الذي أعطى كافة الأطراف مساحة جادة وهيأ كافة الظروف لبدء حوار شامل بدعوة مصرية بعد التفاف شعبي كبير وموحد لكافة أبناء شعبنا حول خيار النصر الذي حققته المقاومة.
وبشكل مفاجئ، وبعد أن أتمت المخابرات المصرية وعلى مدار أيام إجراء مباحثات منفصلة مع حركتي "فتح" و"حماس" لتحديد بنود النقاش الذي سيتم طرحه في القاهرة للخروج باتفاق فعال يتناسب مع تطورات المرحلة، أرجأت مصر الحوار الوطني الفلسطيني الذي كان من مقرراً مطلع الشهر الجاري لانشغالات خاصة بجهاز المخابرات العامة الراعي للحوار، ولأسباب أخرى لم تتضح في حينه، ما آثار صدمة في الشارع الفلسطيني بما يفرغ النصر من مضمونه ويعكس حالة من الإحباط ظهرت في أحاديث المواطنين بشكل جلي.
وقبل أيام، أصدر المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين بياناً صحفياً حاسماً إثر استعصاء حوار القاهرة، جددت تأكيدها في ضوء ذلك على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كأساس في معالجة الوضع الداخلي الفلسطيني، لأن المسؤولية الكبرى تتحملها وتملكها القيادة الفلسطينيّة التي يجب عليها وقف تفرّدها ورفضها للشراكة الوطنية واحتجاز تطوّر المؤسّسات الفلسطينيّة القيادية، وبشكلٍ خاص مؤسّسات منظمة التحرير.
معتبرةً أن الانتخابات ضرورة وطنيّة لتوحيد مؤسساتنا ولتجديد شرعيّة كل المؤسّسات القياديّة في السلطة – التي يجب أن تتغير وظيفتها ودورها السياسي والأمني- والمنظمة".
كما رأت الجبهة أن المدخل الراهن لتنفيذ هذا الاستحقاق بعد تأجيل الانتخابات التشريعيّة بعيدًا عن الاجماع الوطني؛ يتطلّب العمل على ضرورة الإعلان عن أنّ لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير؛ بصفتها إطارًا قياديًا مؤقتًا كما نصّت عليها الاتفاقيات الوطنيّة هي المرجعيّة السياسيّة والقياديّة المؤقّتة لشعبنا، والتي عليها أن تتصدى للمهام السياسيّة الكبرى إلى حين إعادة بناء المنظمة، والعمل على المباشرة بتنفيذ البند الثالث من مرسوم الانتخابات المتعلّق بانتخاب قوام عضويّة المجلس الوطني في الخارج، وتحدد لجنة تفعيل وتطوير المنظمة موعد إجراء الانتخابات التشريعيّة؛ المرحلة الأولى لانتخابات المجلس الوطني ورئاسة السلطة.
كما ودعت الشعبية إلى إعادة الاعتبار لمخرجات اجتماع الأمناء العامين بالتحلل من اتفاق أوسلو وفك الارتباط مع الاحتلال، والتي تشملها قرارات المجلسين؛ الوطني والمركزي، والتي يجب تطويرها باتجاه إلغاء اتفاق أوسلو وتجاوز نتائجه الكارثية، وكذلك وقف كل المراهنات على استنساخ مسار المفاوضات العبثيّة، مشددة على أن "الأساس في تشكيل الحكومة هو أن تكون نتيجة انتخابات ديمقراطية، وغير مقيّدة بشروط الاتفاقيات مع العدو أو الارتهان لشروط الرباعية، وهذا يستوجب التركيز أولاً على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وبناء المنظمة، وصولاً لإنجاز المصالحة وانهاء الانقسام".
ودعت إلى إقرار آلية وطنية للإعمار بعيداً عن أي ابتزاز سياسي أو قيود من الدول المانحة أو من الاحتلال، وربطها بعمليةٍ تنمويةٍ شاملة؛ توفّر الخدمات الأساسيّة لأهلنا في القطاع وتفتح على توفير فرص العمل والتخفيف من البطالة، وإقرار آليات توفر الرقابة الشعبيّة والوطنيّة على آلية الإعمار وضمان سرعة إنجازها وشفافيتها ونزاهتها.
ويأتي هذا في الوقت الذي دعا فيه الرئيس محمود عباس ، حركتي فتح وحماس، بالإضافة إلى فصائل منظمة التحرير وحركة الجهاد الإسلامي، للعودة فورا لحوار جاد على مدار الساعة لإنهاء الانقسام، كما جاء في كلمته أمس خلال افتتاح اجتماع المجلس الثوري لحركة "فتح".
وانطلاقاً من ذلك، تحدثت بوابة الهدف الاخبارية مع عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح ناصر للوقوف على آخر التطورات بشأن تأجيل الحوارات في العاصمة المصرية، حيث قال إن قرار إلغاء الحوار تأكيد ثالث على فشل النظام السياسي الفلسطيني، في صيغته الحالية بتحمل مسؤولياته إزاء القضية الوطنية، وإدارة شؤونها بما يصون المصالح والحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا.
وأكد ناصر، أن المحطة الأولى كانت حين فشل هذا النظام في إنجاز الانتخابات الشاملة، بالتتالي والترابط، أما المحطة الثانية فكانت حين تخلفت قيادة السلطة عن توفير الغطاء السياسي للهبة الشعبية في القدس والضفة، والصمود الباسل لشعبنا ومقاومته.
وأضاف "من أسباب وصول النظام السياسي الفلسطيني في صيغته الحالية إلى حالة العجز والشلل، هو إرتهانه السياسي لإتفاق أوسلو وقيوده، ورهانه على حلول فاشلة، مجربة من ربع قرن، كالرباعية الدولية أو ما يشبهها، مما جرده من عناصر القوة التي كان يتمتع بها في ظل برنامجه الوطني، وألغى مؤسساته، وبات أسيراً لسياسة التفرد بالقرار ولسياسة المطبخ السياسي بديلاً لمؤسسات م.ت.ف، والسلطة الفلسطينية".
وفي ختام حديثه للهدف، أكد ناصر على أنه "لا يمكن فهم سبب إلغاء الحوار إلا في سياق الصراع بين الطرفين على السلطة، في الوقت الذي يمر فيه شعبنا في مرحلة شديدة الدقة من مساره النضالي، الأمر الذي يتطلب تجاوز تلك الصراعات، والدعوة مجدداً إلى حوار وطني صريح، على أعلى المستويات، تطرح على طاولته كافة، القضايا الوطنية الكبرى، كإنهاء الانقسام، والوحدة الوطنية، وإعادة بناء م.ت.ف، على أسس ائتلافية تجمع الطيف الواسع للحالة الفلسطينية بما يكفل لشعبنا حقه في تقرير المصير".
وبشأن موقف حركة حماس ، قال الناطق الرسمي باسمها حازم قاسم لبوابة الهدف الاخبارية، إن انتصار المقاومة فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحوار الوطني، وهو حوار يجب أن ينطلق من إعادة النظر في منظمة التحرير والمجلس الوطني والبرنامج السياسي لمواجهة التحديات القائمة.
وأكد قاسم، أنه وبرغم كل الانجاز الذي تم تحقيقه في معركة "سيف القدس" وبرغم الحاجة لترتيب البيت الفلسطيني إلا ان موقف السلطة ممثلة برئيسها محمود عباس هو ذاته وهو العودة للمتاهات السابقة بالحديث عن حكومة وحدة وطنية باعتراف دولي، وهذا يأتي ضمن سياسة التفرد بالقرار السياسي وكان هناك رفض واضح من قبل كافة الفصائل للعودة إلى نطاق الاشتراطات الدولية بما فيها" إسرائيل"، كما قال.
كما بين قاسم أن "السلطة تريد من المصالحة إخراج الآخر من المشهد الفلسطيني وليس إشراك حماس والقوى الفاعلة في القرار والتمثيل الفلسطيني، ولهذا كان القرار هذه المرة أن نبدأ من خلال إعادة بناء منظمة التحرير كبيت لكل المكونات وممثل شرعي لشعبنا ومن ثم العودة إلى باقي الملفات الأخرى"، لافتاً إلى أن حماس على موقفها وجاهزة لأي مسار يبتعد عن مبدأ الإقصاء والتفرد ويؤدي إلى وحدة حقيقية بأسس ديموقراطية واعادة بناء مؤسسة سياسية تضم الكل الفلسطيني على أساس التعددية والشراكة بكل إيجابية كما أبدينا الكثير منها في ملفات أخرى مثل الانتخابات.
أما موقف الجهاد الإسلامي لم يكن بعيداً عن موقف عن هذه الطروحات، إذا قال القيادي بالحركة خالد البطش، إن اللقاء مع الجانب المصري ما قبل تأجيل حوارات القاهرة كان إيجابياً، إلا أن هناك الكثير من التفاصيل تحتاج إلى نقاش مع الكل الفلسطيني وعلى وجه الخصوص حركتي فتح وحماس، وهذا ما كان سبباً في إرجاء الحوارات دون وقت محدد لاستئنافها.
وشدد البطش خلال حديثه لبوابة الهدف، على ضرورة استعادة الوحدة الفلسطينية على أسس واضحة ومحددة يتفق عليها الجميع مثل إعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية جمعاء والاتفاق على استراتيجية وبرنامج سياسي يمثل التوافق الفلسطيني، مؤكداً أن دولة الاحتلال تريد استمرار الانقسام بين الفصائل الفلسطينية والاستمرار في دائرة المفاوضات العبثية، ولهذا هناك حاجة إلى قيادة جديدة ودم جديد في منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني بعد معركة "سيف القدس"، مضيفاً "يجب ألا تقل طموحات القيادة الجديدة عما تحقق خلال المعركة".
وفي ختام حديثه، أوضح أن حركته تريد شراكة وطنية حقيقية وأن تصبح كل الفصائل شريكا في القرار الوطني، مشيرا إلى أن الصيغ السابقة للحوار أو حتى بالنسبة لتشكيل القيادة الفلسطينية لم تعد صالحة لهذه المرحلة.
لا يمكن نسب العجز لشعبنا، كونه يريد إبراز ارادته والتعبير عنها بما يعيد له حيويته من خلال فعالية مؤسساته ومن سيمثله بشكل وطني، مع وجود بعض العراقيل، وهذا يأتي في ظل انتظار ما يمكن أن تحمله المرحلة المقبلة من تطورات.