Menu

أنا لي حُلْم ….

عبد الرحمن البيطار

أنا لي حُلْم ….

I have a dream

"نزار بنات"؛ إنقاذ فتح، وانقاذ المشروع الوطني الفلسطيني… والحُلم الوَطني الذي فَجّرته جريمة اغتياله..!

*********

قال أحدهم:

                  "لا، لم يعذ ذلك مقبولا على الإطلاق..!"

"نحنُ لم نُسَلِّمهم إدارة هذه السلطة، لِيُمْعِنوا في قَتْلِ المُناضلين من ابناء شعبنا، ويُنفذوا أجندة سلطات الاحتلال بأيدٍ فلسطينية. حرامٌ هدر الدم الفلسطيني، ومن يَهْدُره، لا يُمثلنا نحن أبناء حَرَكة فتح… لا، إنه لا يُمثلنا على الإطلاق".

صرخ آخر:

" إنه العار… إنهم يلطخون شرف شهداءنا وتضحيات حركتنا عبر تاريخها النضالي الطويل. السُّلطة محسوبة على فتح..! وواجب أبناء حَرَكة فتح تَصحيح الانحراف الذي يحصل… إنه واجبنا وعلينا أن نقوم بواجبنا".

عارضه آخر قائلًا:

"ولكن ذلك سيؤدي إلى انقسام جوهري في حركة فتح..!"، "إنه يُهدد مَصير الحركة، ومستقبلها..!".

قاطعه آخر من بعيد:

"المناضلون الذين اسسوا حَركة فتح، لم يؤسسوها من أجل إنتاج قيادة تقود سُلْطِة تقوم بتنفيذ ما يخدم سُلطات الاحتلال ونظامه العنصري، وتنتهج سياسات تُساهم في تأبيد بقاء طغيانه رابضاً على صُدور أبناء شعبنا في فلسطين، وفي تأبيد بقاء أبناءه في مخيمات اللاجئين داخل فلسطين.. وفي الشتات..!". " لا، هذا غير مقبول بعد الآن… على أبناء حركتنا ان يتحركوا الآن وليس غدًا".

من على المنصة التي تقود ذلك الاجتماع للحركيين من أبناء فتح في محافظة نابلس، انطلق صَوْت يقول:

"يا جماعة… جاءني اتصال من الحركيين في فتح من أبناء محافظة الخليل. إنهم مجتمعون أيضًا ويؤكدون رفضهم للنهج القاتل الذي تنتهجه قيادة السلطة وأجهزتها. الحركيين في مدن وبلدات الجنوب مجتمعون، ويَبدو ان عناصر كثيرة من أعضاء الأجهزة الأمنية من أبناء فتح قد تركت مواقعها في أجهزة السلطة، وانضمت للحركيين، وأعلنت تأييدها لأي حِراك يَستهدف تَصحيح مَسار السلطة وتحريرها من قيود أوسلو"، "إنهم يقولون أنهم سيوافونا بأخبار عن التّطورات".

واستمر النقاش، وجاء اتصال من الحركيين في رام الله، ونقل رسالة تقول:

"إن الحركيين في فتح مدعومين بعناصر كثيرة في الأجهزة الأمنية من أبناء حَركة فتح، قد قرروا محاصرة مقر حكومة السلطة، ومقر رئيس السلطة، وأنهم لن يتوقفوا قبل أن يُقيل الرئيس الحُكومة، ويُقيل كافة قيادات قُوى الامن في السلطة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من ثلاثة عشر عضوًا، تُمثل فيها فتح وحماس بعضوين لكل منهما، وتمثل باقي الفصائل في منظمة التحرير، وحركة الجهاد الاسلامي بعضو واحد لكل تنظيم، تكون أحد مهامها الأولى إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية للسُّلطة، وإعادة تحديد مهامها في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني، وتشكيل حكومة مؤقته انتقالية تستهدف قيادة مرحلة انتقالية طولها لا يتعدى شهرين وصولًا إلى انتخاب مجلس تشريعي جديد بانتخابات حرة، يكون أعضاءه أعضاء تلقائيين في المجلس الوطني الفلسطيني".

وتوالت الاتصالات من كل حدب وصوب… ونَزَلتْ الجماهير إلى الشوارع في كل المدن والبلدات والقرى والمخيمات… وطالبت باستقالة رئيس السلطة والحكومة وتطهير الأجهزة الأمنية وإعادة تشكيلها.. وإطلاق سراح المعتقلين من سجون السلطة ومعتقلاتها… وتحت وطأة هذه الاحتجاجات الواسعة، تشكل إطار قيادي ميداني واسع من أبناء التنظيمات والفصائل والحراكات، واحتل الحركيين في فتح، مقر السلطة، واجتمعت بالموازاة اللجنة المركزية لحركة فتح، وقدمت استقالتها لمؤتمر الحركيين، واختار الحركيين قيادة جديدة لفتح مِن الحراكيين الشّباب في كل المحافظات، وقرروا عزل كل القِيادات التي تَبَنّت نَهْج أوسلوا وتدافع عنه.

دعا حركيوا فتح المناهضين لأوسلو إلى تشكيل القيادة الموحدة الفلسطينية لقيادة المرحلة الانتقالية، واجراء الانتخابات التشريعية؛ تَشَكلت القيادة الموحدة، ونشأ عَنها حكومة انتقالية، دَعَت لإجراء انتخابات تشريعية حرة.

جرت الانتخابات التشريعية، وانتخب مجلس تشريعي جديد، وتشكلت حكومة جديدة قَدَّمت برنامجها الى المجلس لكسب الشّرعية. دار نقاش حاد وعميق في المجلس وتصارعت تيارات، وتبلورت النقاشات وأفضت إلى إعلان المجلس التشريعي الفلسطيني بيانه التاريخي التالي:

"أن الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين يعلن أن حقه في إقامة دولة فلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية هو حق طبيعي وتاريخي غير قابل للتصرف. إن الشعب العربي الفلسطيني يدعو بريطانيا ويهود فلسطين للاعتراف بالجرائم والأخطاء التي ارتكبتها دولة الانتداب البريطاني على فلسطين، والحركة الصهيونية بحق الفلسطينيين العرب ابتداء بجرائم التطهير العرقي التي ارتكبتها الحركة الصهيونية قبل ١٥ ايار ١٩٤٨، وكذلِكَ بَعد أيار ١٩٤٨. إن الشعب العربي الفلسطيني يدعو يهود فلسطين لنبذ الصهيونية واعتبارها حركة عنصرية تلحق أفدح الأضرار، ليس بالفلسطينيين العرب فحسب، بل بيهود فلسطين ويهود العالم. إن الشعب العربي الفلسطيني يدعو يهود فلسطين لمشاركته في النضال ضد الصهيونية العنصرية لإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية حرة على كامل الأرض الفلسطينية تقوم على أساس احقاق حقوق الفلسطينيين العرب من سكانها الطبيعيين، وكذلِكَ المُهَجرين مِنْهم داخل فلسطين وخارجها أيضًا، وتأمين عودة المهجرين، وإعادة مُمتلكاتهم لهم، و أو تعويضهم. إن الشعب العربي الفلسطيني، ويهود فلسطين المناهضين للصهيونية العُنْصُرية والمشاركين في النضال من أجل إقامة دولة ديمقراطية حرة في فِلسطين،  كل أرض فِلسطين، يؤكدون أن نضالهما المشترك ضد الصهيونية العنصرية ونظام الأبارتهايد الذي أقامته في فِلسطين، هو الكفيل بوضع حد لهذا المشروع العنصري المُنافي لحركة التاريخ والإنسانية وقِيَمَها المُشتركة، وأن الدولة الديمقراطية التي يسعيان لإقامتها في فلسطين هي دولة ديمقراطية لكل مواطنيها وبدون أي تمييز، وأن فلسطين، أرض لا تقبل القسمة ولا التقاسم وهي وِحْدة واحدة: أرض الفلسطينيين العرب المستعدين لاحتضان اليهود الأحرار من الصهيونية الرافضين لمشاريعها العنصرية، المُشاركين لهم في النضال العنيد من أجل تحرير فلسطين والبشرية من شرور الصهيونية والكيان العنصري الاستعماري الاستيطاني الإحلالي الذي أقامته في فلسطين. إن الشعب العربي الفلسطيني، قد تعرض لمحن هائِلة لم يتعرض لها شَعب في العالم، وهي محن نَجَمت عن توجيه حَرَكة هِجْرِة اليهود الأوروبيين الهاربين من الاضطهاد في بلدانهم في أوروبا وغيرها أو الساعين للعيش في بلدان غير بلدانهم نحو فِلسطين، وأن الصَّهيونية بسبب طبيعتها العنصرية قامت بتحويل اليهود المُضْطَهدين في اوروبا وغيرها الى مُضْطَهِدينَ للفلسطينيين العَرب، وذلِكَ بتصدير مُشكلة الاضطهاد الذي عانى منه اليهود في أوروبا وغيرها الى ارض فلسطين وإلى اضطهاد الفلسطينيين في وطنهم، وإلى تحويلهم منذ العام ١٩٤٨، وهو العام الذي تم فيه تكريس حِرمان الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم على أرضهم، إلى لاجئين داخل فلسطين وخارجها محرومين من كل حقوقهم الأساسية والوطنية وعلى رأسها حق تقرير المصير على أرضهم والعيش فيها بكرامة ومساواة، حق عودة اللاجئين المُهجرين الى ديارهم فيها ، وحَق استعادتهم لممتلكاتهم، والتّعويض عن الأضرار التي لحقت بهم. إن الشعب العربي الفلسطيني يعلن أن اتفاقية أوسلو لم يعد لها مكان في أجندة نضاله الوطني، وهي على كل ما فيها من مظالم، فقد اجهضتها الصهيونية العنصرية، لأن الصهيونية لا تستطيع أن تتحرر من طابعها وطبيعتها العنصرية، وهي أيضًا من أجهض تطبيق القرار الأممي ١٨١، عَبر انتهاجها سياسة التطهير العرقي قبل ١٥ أيار ١٩٤٨ وبَعده، وهي تدعو اليهود الأحرار من الصهيونية والمناهضين لها للنضال يد بيد من أجل تحقيق الأهداف المشتركة المعبر عَنْها في هذا البيان.

وبناء على كل ما تقدم، يعلن المجلس التشريعي الفلسطيني المُنْتَخب، باسم الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارج فِلسطين، وباسم اليهود الأحرار المناهضين للصهيونية العنصرية إقامة دولة فلسطين الديمقراطية الواحدة على كل أرض فلسطين، ويدعون الشعب العربي الفلسطيني ويهود فِلسطين والعالم المناهضين للصهيونية العنصرية وأحرار العَالم كله لدعم ومساندة الشعب العربي الفلسطيني ويهود فلسطين الأحرار من الصهيونية في نِضالهم المُشْترك من أجل الحرية والاستقلال والمساواة والكرامة".

لم ينتهِ رئيس المَجلس من تلاوة البيان حتى كانت قوات الاحتلال الاسرائيلي تحيط بالمجلس المنعقد، وهُناك حَصَلَت اشتباكات ما بين قوات الأمن الفلسطينية وقوات الاحتلال الصهيونية وسقط شهداء كثيرون، ونَجَحَت سُلطات الاحتلال في اعتقال أعضاء المجلس التشريعي المُنْتَخب وأعضاء الحكومة. كان لاعتقال أعضاء الحكومة والمجلس المنتخبين أصداء واسعة في جميع عواصم العالم، ونزل الناس في كل العواصم إلى الشوارع منادين إطلاق سراح المعتقلين واقامة دولة ديمقراطية لا عنصرية في فلسطين واحقاق حقوق الفلسطينيين. وكان من تداعيات هذه الاحداث ان تداعى اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني إلى الانعقاد. وفي الأردن، وسوريا ولبنان، تحركت الجماهير هناك من كل المنابت والأصول… منادين بإقامة دولة فلسطين الديمقراطية الواحدة على كامل أرض فلسطين، وانهاء معاناة الفلسطينيين من عناء الاحتلال والتمييز، ومن عناء اللجوء. ودعوا لإحقاق حقوق الفلسطينيين في فلسطين، وعلى راسهم اللاجئين المقيمين في الأردن وفي سوريا وفي لبنان منذ العام ١٩٤٨ وبَعْد العام ١٩٦٧.

أعلنت الحكومة الأردنية التي تشكلت بَعد تحديث المنظومة السياسية، استعدادها لاستضافة المجلس الوطني الفلسطيني على أراضيها. انعقد المجلس في عمان، وفي مستهل الجلسة، أعلن المُجتمعين إعادة تشكيل المجلس بإضافة أعضاء المجلس التشريعي المُنْتَخب والذين قامت سلطات الاحتلال باعتقالهم.

قرر المجلس تَبني بيان المجلس التشريعي، وأعلنوا أن نضال الفلسطينيين في داخل فلسطين وفي الشتات سيستمر، وتم انتخاب لجنة تنفيذية جديدة تم تَمثيل الحكومة التي صَوْت المجلس التشريعي لصالحها في عُضوية اللجنة التنفيذية.

دَعَتْ الاردن و مصر وسورية لعقد مؤتمر قمة عربي لمناقشة التطورات في الشأن الفلسطيني. انعقد المؤتمر، وقَرر تبني المشروع الذي حمله بيان المجلس التشريعي الفلسطيني. كما أعلنت دول الإقليم مساندتها لنضال الشعب الفلسطيني والمشروع الذي حمله بيان المجلس التشريعي الفلسطيني. وبدأ نضال من نوع جديد وبأُفق جديد… في تلك اللحظة، استيقظت من حلمي، والذي جلبته إلى عوالمي الكوابيس التي حملها إليّ نبأ مقتل الفلسطيني البسيط "نزار بنات" لمجرد أنه قرر أن ينحاز لإنسانيته ويمارسها بلسانه الفصيح.

وتذكرت مارتن لوثر كنچ وهو يقول في يوم من أيام العام ١٩٦٣:

أنا لي حُلْم (لَدَيَّ حُلْم)… I have a dream

وتذكرت مقولات محمود درويش وأحلام إدوارد سعيد…!