Menu

مصر في مواجهة التحديات

محمّد جبر الريفي

تواجه مصر في هذه المرحلة تحديات هامة وخطيرة، قد تكون فريدة في حدوثها بعد فترة من السلام واستقرار الأوضاع في محيطها الجغرافي، وهي تحديات مفروضة عليها تتعلق بأمنها القومي والغذائي.. في الجنوب يشكل سد النهضة الإثيوبي الذي أثير موضوعه قديمًا منذ الستينيات؛ المدعوم من جهات معادية لمصر وللأمة العربية خطرًا على كمية المياه التي تصل إليها كدولة مصب؛ لنهر النيل الذي يعتبر هبة مصر من الطبيعة، بما يشكله من ضرورة حياتيه للشعب المصري المعروف باعتماده على الثروة الزراعية، منذ آلاف السنين... وفي الغرب يدور الصراع المسلح على السلطة السياسية في ليبيا الجارة القريبة التي تربطها بمصر وشائج العلاقات القبلية والاجتماعية، خاصة المنطقة الشرقية. وقد شكل التدخل العسكري التركي كطرف في الصراع الجاري بجانب حكومة الوفاق الوطني ذات التوجه الإسلامي والمدعومة من المليشيات الإسلامية تحديًا آخر كبيرًا للأمن الوطني المصري، باعتبار أن ما يجري في سيناء من العمليات الإرهابية التي تقوم بها تنظيمات إسلامية متطرفة لها علاقة لوجستية بمعسكر الإسلام السياسي الإخواني التي أطاحت به أحداث30  يونيو في مصر... هكذا فإن مصر في مواجهة هذه التحديات مقدمة على اتخاذ خيارات سياسية وقرارات وطنية صعبة، في مقدمتها يأتي خيار الدفاع عن حقوقها المائية باستعمال القوة العسكرية في مواجهة إثيوبيا؛ إذا لم تصل المفاوضات التي تعقد بين الحين والآخر برعاية الاتحاد الأفريقي وخيار الدفاع عن أمنها الوطني في مواجهة تدخل تركيا العسكري في ليبيا، وهي دولة إقليمية كبرى ذات أطماع عثمانية في الهيمنة السياسية على المنطقة بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية..
تحديات مصيرية تفرض على النظام في مصر أن يولى اهتمامًا أكبر بالقضايا القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وذلك باتخاذ موقف سياسي حازم ضد الكيان الصهيوني في حالة البدء بتطبيق مخطط الضم الاستيطاني الكبير في الضفة الغربية الذي أعلن عنه نتنياهو وظلت متمسكة به حكومة نفتالي - جينتس، ذلك أن اهتمام مصر بالقضايا القومية يتيح لها دورًا قياديًا في المنطقة، كإعادة الاعتبار للدور القومي السابق الذي فقدته؛ بسبب الصلح مع الكيان الصهيوني الذي نتج عنه الخروج من دائرة الصراع.ا
أمام هذه التحديات، فإن الضرورة السياسية والوطنية؛ تفرض التداخل العميق بين القضايا الوطنية والقومية؛ الأمر الذي يملي أهمية السعي المصري لوجود موقف عربي رسمي على المستوى السياسي، حيث أن الصراع مع كل من إثيوبيا وتركيا هو صراع له طابعه القومي، باعتبار الدولتين لهما مصالح قومية متناقضة مع مصالح الأمة العربية القومية، خاصة في موضوع مياه الأنهار نهر النيل من إثيوبيا ونهري دجلة والفرات من تركيا.
إن الموقف السياسي العربي الرسمي هو ما تحتاجه مصر فقط من النظام السياسي العربي، حيث أن ما تمتلكه مصر من جيش قوى وترسانة مسلحة؛ كفيل ذلك بالدفاع عن حقوقها وأمنها الوطني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يقدم النظام السياسي العربي الذي تحرك أطرافه المتعددة المصالح الذاتية القطرية الضيقة على تقديم هذا الموقف السياسي الداعم أم كعادته يبقى في موقع التخاذل والصمت على ما يجري من أحداث في المنطقة كما هو الحال أيام الغزو الصهيوني للبنان في يونيو عام 82، حين ترك لبنان والثورة الفلسطينية لوحدهما في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية للكيان الصهيوني وبتواطىء أمريكي؛ دون اتخاذ أي موقف سياسي أو اقتصادي فاعل من شأنه أن يوقف نتائجه الكارثية؟!