Menu

أفغانستان: مسلسل التدمير

بوابة الهدف الإخبارية

قاذفات بي 52

خاص بوابة الهدف

تُغادر عصابات الغزو الأمريكي أفغانستان؛ مغطية انسحابها بالتصريحات والتقارير حول دعمها لعصبة المرتزقة الذين نصبتهم في حكم البلاد تحت ظلها، لكن الواقع الذي يدركه الجميع أن الحكومة الأفغانية قد لا تصمد لأيّام وربما ساعات، والمؤكّد أكثر أنّها لا تستحق مصير أفضل من ذلك.

لا يمكن الوقوف تحديدًا على الجزء الأكثر وحشية ووقاحة في الموقف الإمبريالي من هذا البلد، سواء تمويله لحرب عملت من خلالها على تدمير البلاد بحجة مواجهة الصعود الشيوعي، أو غزوها الهمجي 2001، أو من نصبتهم وحالفتهم في أفغانستان، أم ما يتم تهديد الأفغان به الآن.

حين كانت قاذفات بي 52 العملاقة؛ تقتل آلاف من الأفغان يوميًا، كانت الحجة هي محاربة طالبان التي فاوضها الأمريكان للانسحاب من أفغانستان، وهي ذاتها التي يخرج مفوضي الدول الأوروبيّة لتهديد الأفغان بحصارهم إذا سيطرت طالبان على البلاد، هذا ليس سيرك تخترق فيه القواعد والقوانين المألوفة كجزءٍ من عروضٍ ترفيهيّة أو خداع بصري، ولكنها الهيمنة ووقاحتها.

ما تخوضه أفغانستان اليوم هو تسوية صعبة للحساب مع العصابات التي تعاونت مع الغزو الأمريكي، وما ينتظرها هو الحصار والتجويع على يد الغزاة أنفسهم، وتحت الأقدام عميقًا في التراب ترقد ادعاءات الدمقرطة. وعلى أهمية الخروج أو "إعادة الانتشار" الأمريكي من أفغانستان، في سياق صراعها الدولي مع الصين وروسيا، لا يجب أن نتخيّل أننا أمام حدثٍ احتفالي، حيث سيضطر الأفغان للقتال مجددًا ضد أمراء الحرب الذين صنعتهم الولايات المتحدة في السبعينيات من القرن المنصرم، والطبقة الجديدة منهم التي صنعها الغزو الأمريكي في العقدين الماضيين، فيما ستعطي الولايات المتحدة وحلفائها الأفغان دروسًا جديدة في الديمقراطية وحزم متعددة من العقوبات، أو غارات قاتلة على غرار تلك التي قتلت فيها أكثر من 200 أفغاني في لشكرشاه منذ حوالي أسبوع.

في الحيز العربي يخوض صبية الإعلام العربي لعبتهم الأثيرة، كما في كل حدث جرى في المنطقة، محاولة استنطاق الحدث بما يرضي مموليهم، فيما يمارس الجميع لعبة اصطفافات لفظية ومواقف يتوهّم أصحابها وجود أهمية لها، وقد تكون هذه المسرحية المعتادة مفهومة نسبيًا لو كان الحديث عن شيء يدور في أقاصي الأرض.

أفغانستان أقرب بكثير مما نتخيّل ليس بالمعنى الجغرافي البحت، وهي غير بعيدة جغرافيًا، ولكن بمعنى القرب من التأثير في مصيرنا وقضايانا، والتماس معنا ومع سلة واسعة من أعدائنا وأصدقائنا، وهذا يستحق ما هو أكثر جديّة من سلسلة المناكفات والمكايدات السائدة في حيزنا.