Menu

اشتباك الإرادات بين إرادة الاسرى والمحتل الاحلالي

حاتم استانبولي

الحرية في الأساس هي مكون جيني للكائن الحي وعندما يتعلق الأمر بالإنسان الواعي، فإن الحرية تصبح خيارًا واعيًا دائمًا يسعى إلى تحقيقه بكل الوسائل المتاحة وفي كثير من الأحيان يبتكر الوسائل والأدوات لإنجاز حريته الإنسانية؛ الحرية الإنسانية تتجسد في عدة أشكال وسلوكيات وممارسات يسعى من خلالها لتحقيق حريته إن كانت جمعية أو فردية.

أبطال نفق الحرية ما قبل أسرهم كانوا يوظفون حريتهم الفردية في إطار مهمة الحرية التحررية الوطنية الجمعية، أما بعد أسرهم فقد أصبحت حريتهم الشخصية أولوية من أجل ممارسة حريتهم الوطنية التحررية.

الأسر هو حجز للحرية الجسدية، ولكن لا يمكن حجز حرية التفكير في السعي لتحرير الجسد، والأسر لأسباب تحررية وطنية هو أحد أقصى أشكال التعذيب النفسي والجسدي. بعد الأسر يصبح الإنسان في مواجهة مباشرة مع الأداة القمعية للمحتل ويدخل صراعًا مباشرًا يتجسد في صراع الإرادات ويحاول المحتل بأدواته كسر إرادة الأسير باستخدام كافة الطرق والوسائل.

أسرى الحرية في فلسطين يمتلكون إرادة مستمدة من الحق العادل لقضيتهم، وأصبح عنوان الصمود والتضحية مكون ثقافي جمعي فلسطيني والاستشهاد أصبح موروث ثقافي وإن اختلفت مرجعياته المعرفية. الأسير بعد أسره يصبح في اشتباك إرادات مباشر مع خصمه المحتل الذي يملك الأدوات والوسائل ويمارسها في محاولة لكسر إرادة الفدائي الفلسطيني، هذا الاشتباك هو جزء من عملية الاشتباك اليومي مع المحتل الاحلالي الذي يريد أن يلغي إرادة الأسير الفلسطيني ليحل مكانها إرادة احتلاله.

بعيدًا عن كل ما شاع من كلمات وعبارات وأشعار تصف العمل البطولي، وبعيدًا عن المشاعر المتداخلة والحوار العبثي الذي شاع منذ الإعلان عن العملية التحررية التي سميت بنفق الحرية، ولكي نعطي الأبطال حقهم علينا أن نسجل؛ بأن عملهم التحرري كان جزء من المعارك اليومية التحررية التي يخوضها شعبنا الفلسطيني، وهي تخضع للمعايير الوطنية التحررية بغض النظر عن نجاحها أو اخفاقها، ولكن من حيث المبدأ هي سعي لنيل الحرية الفردية المباشرة من الاعتقال والأسر الظالم المباشر.

العملية التحررية أعادت وضع قضية الأسرى على جدول الأولويات، وكما حققت عملية سيف القدس اجماعًا شعبيًا فلسطينيًا عامًا؛ فإن عملية نفق الحرية انجزت ذات الهدف؛ عملية نفق الحرية هي أحد أشكال الصراع المباشر مع العدو الاحلالي وسعي العدو إلى إسقاط إنجازاتها عبر بث الاشاعات لأغراض تفكيك اللحمة الوطنية الفلسطينية التي حظيت بها عملية نفق الحرية.

سعي فدائيي نفق الحرية لتحرير أنفسهم؛ يعتبر عملًا تحرريًا بطوليًا؛ يجسد اصرارهم على نيل حريتهم ورفض كل الأسس القانونية للمحتل التي بنيت عليها مبررات اعتقالهم وأسرهم؛ فالأساس هو أن تسعى السلطة الفلسطينية لتحرير المعتقلين والأسرى الذين تم أسرهم نتيجة الدفاع عن أرضهم وشعبهم، هذا الدفاع الذي هو عمل إنساني حقوقي، وهو نتيجة طبيعية لممارسات الاحتلال الاحلالي من قتل وتعذيب وحصار واهانات على الحواجز والمعابر واغتيال ميداني تحت دوافع الشك والرغبة في ممارسة القتل الوحشي.

 عملية الفدائيون الأبطال تفرض على السلطة الفلسطينية وقف أي اتصال أو تفاوض لا يكون الأسرى على رأس أولوياتها؛ فلقد أخفقت السلطة الفلسطينية في عنوان الأسرى، بل هي شرعت ممارسات الاحتلال الاحلالي من اعتقال وأسر وقتل ميداني، عندما لم تضع هذه الممارسات برسم المحاسبة القانونية المحلية والدولية.

الفصائل استجاب بعضها للمطالبة؛ بأن يكون الأسرى عنوانًا لقوائمهم الانتخابية، وهذا إجراء في الاتجاه الصحيح، ولكن لاستكماله يجب أن يكون عنوانًا أساسيًا على جدول أعمال الحوار الداخلي الفلسطيني للعمل بكل الوسائل لتحريرهم.

 عملية الفدائيون الأبطال وضعت الجميع أمام مسؤولياتهم للعمل الميداني بكل أشكاله وأدواته ووسائله لفضح الممارسات العدوانية بحقهم، وإبراز قضية الأسرى الأطفال والنساء والشابات لمخالفتها القانون الدولي بشكل فاضح، بحيث لا يستطيع أصدقاء المحتل الاحلالي الدفاع عنه؛ الأسرى والمعتقلون يجب أن يُعمل على وضعهم على جدول الجامعة العربية ومطالبتها من أجل العمل والضغط لتحريرهم.

عملية نفق الحرية حققت أهدافها المباشرة وغير المباشرة وتقييمها؛ يجب أن يوضع في إطار الصراع الأشمل مع المحتل الاحلالي الصهيوني لفلسطين.

الفدائيون نجحوا بامتياز في معركة الإرادات، وبعملهم أيقظوا النائمين في سباتهم، ووضعوا قضية الأسرى التي تحظى بإجماع شعبي فلسطيني وعربي ومن أحرار العالم في مكانة متقدمة؛ فقضية الأسرى هي قضية وطنية تحررية ديمقراطية بامتياز.

العدو الاحلالي ومؤسساته؛ تريد كما في كل صراع مباشر أن تطلق الشائعات وتروج لتستهدف الوحدة الوطنية الفلسطينية التي أعادت لها الروح عمليتي سيف القدس ونفق الحرية، حيث أعادتا كل من سيف القدس ونفق الحرية الاصطفافات الوطنية التحررية، وعلى الفصائل أن تستثمر في نتائجها وتعتبر الالتفاف الشعبي الفلسطيني والعربي استفتاء على خيار المقاومة ومدخلًا لإعادة النهوض وترتيب الاولويات الوطنية التحررية.

الاحتلال ومحاكمه تريد أن تضع مبررات خبيثة تحت عنوان أن الأسرى أرادوا أن يمارسوا عملًا إرهابيًا لتسوقه عالميًا، كادعاء يطمس حقيقة أن العملية هي في الجوهر عملية تحررية وطنية لأبطال أسرى في سجون الاحتلال، ويريد الاحتلال أن يصوغ إعادة واستمرار اعتقالهم وأسرهم، ويهدف إلى اجهاض الهدف الجوهري من العملية التحررية لنفق الحرية.