حوالي مليون إنسان فلسطيني اسرهم العدو منذ العام 1967، وغالبًا ما زال الفلسطيني في معظم مناطق فلسطين عاجزًا عن حماية ذاته ومحيطه من الأسر أو القتل، ولكنه يسجل يوميًا وقفات جدية في مواجهة المحتل، ويكبده الخسارة تلو الأخرى، ويؤكد إرادته في مقاومته.
ارتباطًا بما سبق لا معنى لكل محاولات الاحتلال للتباهي باعتقال أبطال عملية نفق الحرية، فما أحدثه الاحتلال ليس إلا تأكيدًا على حجم الخرق الذي أحدثته هذه العملية في وعي الغازي المحتل كما في منظومته الأمنية ومقولاتها المتغطرسة المتعالية على واقع كفاح شعبنا وما أرساه من حقائق تاريخية، ذلك ليس استعماء عن وجود تراجع خطير في قدرة شعبنا على البناء التنظيمي المقاوم بالشكل الذي عرفه منذ انطلاق العمل الفدائي، ولكن بالأساس تأكيد لحقائق تتعلق بجوهر الصراع، أما تراجع البنية القادرة على تنظيم المقاومة وتوفير متطلباتها ومواردها في حيز يهيمن عليه العدو أمنيًا؛ فعوامله متعددة قد يطول نقاشها هنا، ولكن جوهرها يرتبط بخيارات سياسية خاطئة أثقلت كاهل الفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو، واصرار معيب على الاستمرار في التمسك بهذه الخيارات وفرضها على حساب الإرادة الشعبية الوطنية للغالبية العظمى من أبناء فلسطين.
لكن بالنظر قليلًا للوراء وتحديدًا لما تحقق في هذا العام، يمكن إبصار تغيرات مهمة قد تشكل مفتاحًا لتحول كبير إذا تم الاستثمار فيها بإرادة وطنية مخلصة، فلقد أنجز شعبنا الكثير في معركة سيف القدس وهبته التاريخية في مايو 2021، سواء على مستوى تظهير الالتفاف حول المقاومة والانحياز لخيار الكفاح بكافة أشكاله ضد العدو الصهيوني، أو فضح سقوط مشاريع الأسرلة المسلطة على أبناء شعبنا، أو حتى الإسهام بإعادة صياغة جدول أولويات فعل منظومة المقاومة ومساحة الفعل السياسي في فلسطين.
لم تكن البيئة الأمنية القائمة والتي يهيمن فيها العدو على معظم مناطق تواجد أبناء شعبنا لتسمح بهذا من تلقاء ذاتها، ولكنها تتراجع في كل يوم مرغمة، وعند كل خط أحمر رسمته يبدو للتراجع اسم واحد وهو الهزيمة لها ونقطة انتصار جديد لشعبنا؛ امتداد المقاومة الشعبية وعمليات الارباك الليلي في ضفة التحرير، والهبات المتلاحقة لجماهير شعبنا في القدس، أو التصدي البطولي من مناضلي شعبنا وقواه الوطنية في الداخل المحتل لجيوب الأسرلة ومشاريعها.
إن مراكز شرطة العدو المحترقة في كل بلدة فلسطينية في الداخل المحتل لهي نموذج عما يريده المجموع الفلسطيني المقاوم ويسعى لتحقيقه؛ نموذج تحرير وتحرر، سيمتد في كل يوم ويتخذ أشكال أكثر تنظيمًا وعنفوانًا، طالما أن الإرادة الوطنية لتحقيقه متوفرة لدى مناضلي هذا الشعب البطل، وفي ضفة الصمود والتحرير تبدو مقولات التنسيق الأمني ومساحة فعله في واحدة من أضعف مراحلها، ويبدو وعي جماهير شعبنا من كافة القوى السياسية بضرورة إنجاز البرنامج الوطني الموحد لمواجهة الاحتلال حقيقة ومطلب وطني وليس مجرد شعار.
عجز العدو عن ترميم الثغرات المتراكمة في جداره الأمني الذي يظن أنه رسمه في وعي الفلسطيني امتد أيضًا للسجون، فاخترق أسرانا هذا الجدار بل وقوضوا كثيرًا من معاني وجوده، وهو ما يعني الكثير، خصوصًا إذا ما ربطنا كل هذا بتطورات المواجهة مع القوى الاستعمارية في المنطقة، والإرادة الواضحة التي أظهرتها الشعوب العربية عكس ما تشتهي حكومات التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني.
العقبات كبيرة، بل وهناك اخفاقات خطيرة تنهك شعبنا وتستنزف طاقته، لكن المؤكد أن الهدف واضح ومحدد ودقيق، فهزيمة هذا العدو هي نقطة تركز إرادة شعبنا، أي كان التشتيت الذي تخلقه هوامش العجز، ومركبات الاستسلام، فالنصر هو محصلة لتفاعل القدرة مع الإرادة.
