هم ليسوا مجرد أرقام عابرة في سفر النضال الوطني الفلسطيني، هم صناع مجد وتاريخ، لهم بصماتهم وتاريخهم وأرثهم الوطني والنضالي، ربطوا مصيرهم بمصير شعبهم، ودفعوا الثمن الأكبر والأغلى أُسرياً وعائلياً ووطنياً واجتماعياً، لم يفقدوا اتجاه البوصلة يوماً، رغم أن العديد ممن كانوا اخوة ورفاق لهم فقدوا اتجاه البوصلة وأُصيبوا بلوثة العمى السياسي.
هم لمن لا يعرفهم نائل البرغوثي، كريم يونس، ماهر يونس، وليد دقة، إبراهيم أبو مخ، إبراهيم بيادسة، محمد الطوس، أحمد أبو جابر، سمير أبو نعمة، محمد داود، بشير الخطيب، محمود أبو خربيش، آدم جمعة، رائد السعدي، إبراهيم اغبارية، يحيى اغبارية، محمد اغبارية، محمد جبارين، ضياء الأغا، محمد فلنة، ناصر سرور، محمود عيسى، محمود أبو سرور، محمد شماسنة، عبد الجواد شماسنة وعلاء الكركي.
ما يجعلهم صامدين وصابرين في سجونهم التي صدأت فيها قضبان السجون والزنازين ومفاتيحها أكثر من مرة، وجدرانها التي نخرتها الرطوبة مرات، ومع كل نخرة تنخر وتنهش في أجسادهم التي تحولت إلى مجمعات أمراض، في ظل سياسة إهمال طبي متعمدة من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، تلك السياسة التي حصدت أرواح العشرات من الأسرى داخل السجون، أو من أطلق المحتل سراحهم بعد تيقنه بأن الموت سيكون مصيرهم، وهو لا يريد تحمل مسؤولية استشهادهم، ولعل الشهيد حسين مسالمة آخر ضحايا سياسة الإهمال الطبي، ولن يكون الأخير... ستة وعشرين أسيراً يقبعون في سجون الاحتلال من عمداء للحركة الأسيرة وجنرالات الصبر.. أقلهم مدة مر على وجوده في السجن 27 عاماً وأطولهم مدة مرة على وجوده في السجن 42 عاماً، الأسير نائل البرغوثي... هؤلاء الأسرى لديهم لوائح اتهام طويلة بحقنا... بحق من وقعوا اتفاق أوسلو وتركوهم في السجون يواجهون قدرهم ومصيرهم... وبحق الفصائل التي لم تقم بدورها وواجبها اتجاه السعي لتحريرهم من تلك القبور الحجرية. وكذلك هم يقولون بأن الجماهير التي ناضلوا من أجلها ومن أجل أن يكون لشعبنا وطن حر.. أصبحت قضيتهم بالنسبة لها مجموعة نشاطات وفعاليات واعتصامات موسمية، ولم تتحول الى قضية محورية ومركزية لكل أبناء شعبنا، تدخل كل بيت فلسطيني.
في فلسطين والمنطقة والإقليم والعالم حدثت الكثير من المتغيرات، زعماء دول رحلوا أو قتلوا وبلدان جرى تقسيمها وأحزاب وفصائل اختفت.. وهناك من رفاق قيدهم من كل ألوان الطيف السياسي أغرتهم الرتب والرواتب والموقع والمراكز ولم يعودوا يسألون عنهم سوى في مناسبات يراد منها حب الظهور وتسجيل المواقف، والكثيرين منهم فقدوا أحبة لهم من أسرهم وعائلاتهم، ولم يتمكنوا من توديعهم أو ألقاء نظرة الوداع عليهم، والكثيرين منهم يتمنون أن يطبعوا ألف قبلة على جباه امهاتهم وأبائهم وأبنائهم، وكذلك هم حرموا من حضور أفراح أحبتهم من أبناء وبنات واخوة واخوات وأقارب.
هم لم يفقدوا الأمل ولم تهن عزيمتهم أو تضعف، ولكن أصدقكم القول، إنه لمن العار علينا جمعياً سلطتين وأحزاب وفصائل ومؤسسات وجماهير، أن يخرج البعض منهم من المعتقل بعد انتهاء محكوميته 40 عاماً وما فوق، ونتقاطر إلى بيوتهم مهنئين لهم بالتحرر من الأسر، وليقولوا لنا كما قال الأسير الذي قضى في الأسر 35 عاماً، الأسير صالح أبو مخ، أنا لست بالأسير المحرر، لم يحررنِ أحد، ولا أريد مزايدة من أحد، أنا أنهيت مدة محكوميتي وخرجت من المعتقل.
كم هو مؤلم هذا القول؟ وكم من لائحة إتهام يحمل ضدنا؟ لماذا تركتونا كل هذه المدة نعيش الموت ألف مرة في اليوم في سجون الاحتلال؟ لماذا لم تصروا على أن نكون جزء من أي صفقة تبادل؟ ولماذا تنازل عنا، من كنا سبباً في قدومهم للوطن، والتربع على عرش القيادة...؟؟ وألف لماذا ولماذا وألف سؤال وتساؤل.
هؤلاء الأسرى على وجه التحديد، ومع التحيز لأسرى الداخل الفلسطيني - 48 – الذين قبل المفاوض الفلسطيني عند توقيع اتفاق أوسلو الكارثي أيلول /1993 التخلي عن تمثيلهم، هذا التخلي وجه طعنة غادرة لنضالات وتضحياتهم، وأشعرهم بأنهم ليسوا جزء من شعبنا ولا من نضالاته ولا تضحياته، ما أقصى هذا الشعور عندما يتسرب الى عقل أسير ناضل وضحى وقدم كل شيء في سبيل حرية شعبه، ولسان حالهم يقول، أي ثورة هذه التي تتخلى عن مناضليها وتتنكر لنضالاتهم وتضحياتهم، والأخطر من كل ذلك الطعن في هويتهم وانتماءهم.
يجب أن يكون هناك إصرار عال على أن يكونوا جزءاً من صفقة التبادل المتوقع تنفيذها ما بين حركة حماس ودولة الاحتلال، ولربما لن تتوفر لهم فرصة في المدى المنظور، ولا نريد أن يخرج البعض منهم محمولاً على الأكتاف، وتطاردنا عشرات لوائح الاتهام من أهله وذويه، لماذا أتيتم الآن..؟ ألم يكن بالإمكان، أن تعملوا وتضغطوا من أجل أن ينالوا حريتهم؟ أليس وجودكم قادة وحملة رتب ونياشين ومراتب يفرض عليكم، دفع استحقاقات هذه الرتب وتلك النياشين والعمل على تحريرنا..؟ هل جئتم لكي تركبوا الموجة من جديد..؟ أم يخرج البعض منهم كما خرج الأسير صالح أبو مخ بعد انتهاء محكوميته ال 35 عاماً ويقولون لنا كما قال، أنا لست بأسير محرر ولم يحررني أحد، انهيت مدة حكمي وخرجت من السجن؟
هؤلاء الأسرى عايشت أغلبهم وعشت مع جزء منهم في "حبساتي" المتعددة، وكنت أخجل من النظر إلى وجوههم، لأن عيونهم فيها الكثير من لوائح الاتهام، ولسان حالهم يقول وكأن رسائلنا لقيادات الأحزاب والفصائل لم تصل بعد...؟ متى ستصل رسائلنا إليهم ومتى سيلتفتون إلينا؟ نحن لا نريد تحسين شروط وظروف اعتقالنا، ولا نريد رتب ورواتب، نحن نريد أن نعانق الحرية، وأن نسير في سهول وجبال فلسطين، كما صار أبناء العارضة والقادري والزبيدي ونفعيات وكممجي، نريد أن ناكل من صبرها وتينها ورمانها وزعترها... نريد أن لا يفوتنا موسم الحمضيات هذا العام، أهذا مطلب كبير يا قادتنا ويا فصائلنا..؟