Menu

الأسيرةُ المحرّرةُ ليان كايد "للهدف": جدرانُ السجن أصبحت هشّةً بعد عملية نفق الحريّة

أحمد نعيم بدير

ليان كايد

نٌشر في العدد الـ30 من مجلة الهدف الرقمية

أفرجت سلطاتُ الاحتلال الصهيوني، مساء الخميس 9 سبتمبر/ أيلول 2021، عن الأسيرة الخريجة من جامعة بيرزيت ليان كايد من بلدة سبسطية بالضفّة المحتلّة، وذلك بعد ستةَ عشرَ شهرًا قضتها في زنازين سجون الاحتلال.

ليان التي اعتقلها الاحتلال صباح يوم 8 يونيو 2020 أثناءَ مرورها عن حاجز زعترة العسكري، كانت طالبةً متفوقةً على الصعيد الأكاديمي، وحصلت على معدل 96% في الثانوية العامة، والتحقت في جامعة بيرزيت متخصّصةً علمَ اجتماع، ولم تعزل نفسها عن محيطها الاجتماعي، فهي الشابةُ المفعمةُ بالحياة، دائمةُ الابتسامة، تساعد كل من حولها، وتنشط في العمل الطلابي.

وللتعرّف عن قربٍ على تجرِبة ليان داخل قلاع الأسر، التي بالتأكيد أضافت لها العديد من التجارِب والخبرات، حاورت مجلةُ الهدف ليان للحديث أكثر عن هذه التجرِبة، ولتروي لنا تفاصيلَ هذه التجرِبة.

* ليان، ماذا يمكن أن تحدثينا عن تجرِبتك في الأسر، وحول ما تعنيه لك هذه التجرِبة على الصعيد الشخصي؟

** تجرِبةُ الأسر تُعاش على مستويين؛ الأوّل: هو الذي يخلقه الاحتلال والسجّان من خلال الممارسات والظروف المعيشيّة القاسية، والثاني: هو المستوى الذي يخلقه الأسرى من خلال الحياة والمقاومة والنضال لكلّ ممارسات السجّان، ومحاولات نهب حياة الأسرى، والظروف المعيشيّة الموجودة اليوم في السجون على سوئها؛ إلّا أنّها تختلف - مثلًا - عن فترة الستينات والسبعينات والثمانينات داخل السجون، لكنّ في كلّ الأحوال هذه الأوضاع تظلُّ مأساويّةً، فمثلًا: مراكز التحقيق والتعذيب الوحشي ما زالت قائمةً، ولهذا تعرّض كثيرٌ من الأسرى والأسيرات، خلال الفترة الأخيرة لحملة تعذيبٍ وحشي، خاصةً بعد عام 2019، ونُشر عن هذه التحقيقات بأنّ التعذيب فيها كان مروّعًا.

بالنسبة للظروف المعيشيّة لدى الأسيرات، هناك كثيرٌ من الظروف القاسية التي حوّلوها إلى مطالبَ يطالبن بها في كلّ مكانٍ من أجل تحقيقها، وأوّل هذه المطالب؛ هو إلغاء معبار "الشارون"؛ إذ إنّ الأسيرات، وقبل نقلهن إلى الأقسام يوجدن في معبار "الشارون"، ويعشن داخلَه في ظروفٍ صعبةٍ جدًّا؛ وهو عبارةٌ عن قسم عزل، وترفض الأسيرات مبدأ وجود المعبار من الأساس.

242145938_398670914942329_6832709881206281627_n.png
توقّفت الزيارات للأسيرات مدّةَ ثمانية أشهرٍ متواصلة، وانقطعنا انقطاعًا تامًّا عن أهلنا وأصبحنا معزولاتٍ عن العالم الخارجي فترة "كورونا"، ولذلك تُطالب الأسيرات بتثبيت هاتفٍ عموميٍّ للتواصل مع الأهالي، أمّا المطلب الثالث؛ فهو إزالة كاميرات المراقبة التي تحدّ من حريّة الأسيرات، ونعلم بحكم مجتمعنا أنّ هناك كثيرًا من الأسيرات المحجّبات، وهذا كله في معتقل "الدامون" غيرِ الصالح إنسانيًّا، والمليء بالرطوبة العالية، وظروفه غير صحيّة إطلاقًا.

في المقابل، هناك التجرِبةُ المضادّةُ التي يخلق فيها الأسير الحياة، والأسرى هم أكثر الناس إبداعًا في خلق هذه الحياة، كنوعٍ من المقاومة، والمعادلة اليوم هي أنّ ستّة أسرى حرّروا أنفسهم من سجن "جلبوع" وصنعوا حريّتهم، وأيضًا باقي الأسرى في السجون يحاولون يوميًّا صناعة هذه الحريّة، إمّا من خلال الهروب، أو من خلال مقاومة كلّ الظروف القاهرة، فقاموا - مثلًا - بإدخال التعليم إلى السجون؛ سواءً التعليم العالي، أو البكالوريوس، أو الثانويّة العامّة، والقائدة خالدة جرار هي التي قامت بكلّ هذه الاختراقات، وهي أوّل من أدخل تعليم الثانويّة العامّة إلى سجون الاحتلال، وإدخال التعليم الجامعي على سجن الأسيرات، ومن الأشياء التي تُساعد الأسيرات في التغلّب على كلّ الظروف الصعبة، هو وجود المكتبات والرياضة ومحاولات خلق الحياة، لا سيّما أنّ الأسيرات يحاولن على الدوام مقاومة ظروف المعتقل.

* بالتأكيد هناك محطّاتٌ عدّةٌ في تجرِبة الأسر، مثلًا: مرحلةُ الاعتقال، ثم التحقيق، ثم جولات المحاكم، وقضاء فترة الأسر برفقة بقية الأسيرات، ما الفارق بين هذه المراحل لدى الأسير والأسيرة وأيّهم الأصعب خاصّةً على الأسيرات؟

** في البداية، أنا لم أتعرّض للتحقيق كما زملائي وزميلاتي، وهناك كثيرٌ من الزملاء والزميلات خاضوا تحقيقًا قاسيًا، ولكنْ، عدد منّا لم يدخل التحقيق، بل فقط استجواب الشرطة، أمّا بعض الزميلات والزملاء تعرّضوا لتحقيقٍ قاسٍ لدى المخابرات ومُخالفٍ لكلّ القوانين والمعايير الإنسانيّة. أنا - مثلًا - خضت تجرِبة استجواب الشرطة، وتمّت في مركز استجواب "عوفر" وتضمّ هذه التجرِبةُ أساليبَ وألاعيبَ من قِبل السجّانين والمحقّقين، مثل: الخداع، والتمويه، وفكرة "أنّنا نعرفُ كلَّ شيءٍ عنك" أو "الجميع لم يعودوا أصدقاءك، وأنت الآن وحدك" وطوال الوقت يُشعرك المحقّقُ أنّك وحيدٌ بلا أصدقاء، وبلا مجتمعٍ يقف خلفك، ويحاول دائمًا تحطيمَ معنويات الأسير والأسيرة وإشعارنا أنّ منظومتهم قادرةٌ على كلّ شيءٍ في هذه الحياة حتى معرفة أفكارنا داخل رؤوسنا، وأنّهم أقوياء في كلّ المعارك؛ بهدف إيصال فكرة استحالة مقاومة السجن والسجّان، واستحالة أيّ فعلٍ مقاومٍ للمستعّمر.

ليان كايد
هم لا يريدون أيَّ فعلٍ أو حركةٍ تصدرُ من الأسير أو الأسيرة داخل السجن، أو حتى بعد حياة السجن، لكن التجرِبة الأصيلة والمرّة خلال التحقيق لم أعشْها، بل عاشها كثيرٌ من الزملاء والزميلات والرفاق والرفيقات اللواتي تعرّضن لأبشع أساليب التحقيق، وخلال فترة التحقيق لم نكن في قسم الأسيرات، بل في معبار "الشارون" في قسمٍ يضمّ أسرى جنائيّين، وكان هناك معاملة سيئة طوال الوقت من قِبل السجّانين، وطوال الوقت يحاول السجّانون فرض سيطرتهم وقوتهم، وعزلوني في غرفةٍ فيها كاميرات في ظل وجود أسيراتٍ وأسرى جنائيّين يتلفّظون بأفظع الشتائم طوال الوقت في محاولةٍ لإهانتنا وأذيتنا.

الخدماتُ المقدّمّة من إدارة السجن كانت سيئةً جدًّا؛ وخاصّةً، الطعام كان سيئًا لدرجة أنّه لا يُؤكل، وعند نقلي إلى قسم الأسيرات بعد الاعتقال بسبعةَ عشرَ يومًا؛ كانوا ينقلوننا إلى المحاكم، لكنّ أغلب المحاكمات كانت تتمّ عبر الفيديو في فترة "كورونا"، ورحلة المحاكم – مثلًا - في محكمة "عوفر" كانت صعبةً للغاية وقاسيةً؛ خاصّةً في "البوسطة"، سيارة النقل المليئة بالقهر والعذاب، وبعد العودة إلى السجن يُحاول الأسير العيش وخلق نوعٍ من الاستقرار، ولكن السجّان ينغّص دائمًا هذا الاستقرار على الأسرى والأسيرات؛ من خلال عمليات التفتيش والنقل التعسّفي.

خضنا أكثر من حملة تفتيشٍ صعبة، كان التفتيشُ على الكتب والملابس والمُعدّات، وأذكر في شهر نوفمبر 2020؛ دخلت قوّاتٌ كبيرةٌ على السجن، وفتّشوا جميع الغرف وأخرجونا جميعًا، وفتّشوا كلّ كتبنا، وصادروا عددًا كبيرًا من الكتب الثقافيّة والدفاتر التعليميّة الخاصّة بالأسيرات والملابس، أي أنّ الأسير دائمًا مهددٌ داخل السجن، ويُلاحقك السجان ويُضيّق عليك حتى في مسألة التعليم ومصادرة الكتب والدفاتر، ودائمًا كان هناك تفتيشٌ للمكتبة، وصادروا عددًا كبيرًا من الكتب.

* يكثر الحديث عن تجارِب الحركة الأسيرة بصفةٍ عامّةٍ كمدرسةٍ وطنيّةٍ ونضاليّة، ولكن الحديث عن تجرِبة الحركة الأسيرة؛ بشقها النسوي يبدو محدودًا بعض الشيء، هل لديكِ تعقيبٌ في هذا الجانب من واقع تجرِبتك الشخصيّة؟

في شقّ التعليم، الأسيرة القائدة خالدة جرار؛ هي التي حقّقت هذا الاختراق بعد متابعاتٍ طويلةٍ مع جامعة القدس ، وهيئة شؤون الأسرى قبل دخولها للسجن في الاعتقال الأخير، ونحن كأسيراتٍ كنّا حولها، وبالفعل فتحت فرعًا لجامعة القدس المفتوحة في سجن "الدامون" وانتسب لهذا الفرع 7 أسيرات، وكنّا أنا وخالدة وصديقة أخرى في اللجنة العلميّة، والعديد من الأسيرات اللواتي كن يدرسن في جامعة بيرزيت أسهمن في هذا المشوار التعليمي، وأخذنا على عاتقنا أن نقوم بتعليم الفتيات التعليم الجامعي الذي بدأ في شهر أيلول العام الماضي 2020، والآن قطعت الأسيرات السبع 39 ساعةً جامعيّةً معتمدةً، وتحقّق حلمهن، خاصّةً الأسيرات اللواتي يقضين أحكامًا عالية، وأخذنا هذه المهمّة على عاتِقنا بالرغم من كلّ هذه الصعوبات.

هناك أيضًا جلساتُ توعيةٍ للأسيرات وحلقاتٌ للتثقيف، هذا إلى جانب المسرحيّات، وهناك مجلةٌ تصدرها اللجنةُ الثقافيّةُ وتُشارك الأسيراتُ في كتابة محتواها، وأيضًا كان هناك جلساتٌ إبداعيّةٌ؛ لاختراق منظومة الجهل التي يُحاول الاحتلالُ تعزيزَها لدى الأسيرات، وهذا ما نُحاول مواجهته على الدوام.

* صعّد الاحتلالُ من قمعه ضدَّ الأسرى في السجون، وشنّ حملةً وحشيّةً عليهم بعد عمليّة نفق الحريّة؛ كيف ترين هذه الحملة، وما وقعها ووقع مثيلاتها على الأسرى داخل السجون؟

** عمليّةُ نفق الحرية كانت عمليّةَ عزّةٍ وكرامة، وعقب هذه العمليّة كان السجّان يتخبّط، وأذكر يوم العمليّة قام السجّانون بإيقاظنا من النوم الساعة الخامسة والنصف صباحًا من أجل عدّنا، وقاموا بتفتيشٍ للغرف، وبحثوا عن أيّ شيءٍ غريبٍ من خلال دقّ الحديد على الأرض، كل هذه الإجراءات كانت تدّلل على تخبّط السجّان؛ إلّا أنّنا كنّا في أوج فرحتنا وعزّتنا وكرامتنا وفخرنا، وفور سماعنا لخبر نجاح العمليّة ضحكنا وغنيّنا كثيرًا، وكلّ هيبة السجّان ذهبت أدراج الرياح، وشعرنا بأنّنا تفوّقنا عليهم جميعًا، وقفنا للعدّ الساعة العاشرة، ونحن مبتسمين؛ خاصّةً أمامهم، هذه الضحكةُ تؤكّد أنّ هناك أملًا حول إمكانيّة هزيمتهم؛ لأنّهم ضعفاء.

في الوقت نفسه اتّخذت إدارةُ السجن إجراءاتٍ عقابيّةً تعسفيّةً بحقّ الأسيرات، فمثلًا: أُغلق علينا القسم مدّةَ خمسٍ وأربعين ساعةً، وقرّروا عدمَ ترك الغرف مفتوحةً أثناءَ مدّة الفورة، ومنعوا لقاءَ الفتيات في الغرف، وفقط تكون اللقاءاتُ في الساحة، وكثّفوا التفتيشَ على غرف الأسيرات، كما قاموا بجولاتٍ كبيرةٍ في السجن؛ للتأكّد من الجدران والأرضيّات، خاصّةً، بعد العمليّة ضمنَ الإجراءات الأمنيّة التي فرضتها إدارةُ السجون، وهذا جزءٌ ممّا تتعرّض له الأسيراتُ والحركةُ النسويّةُ، التي هي جزءٌ أصيلٌ من الحركة الفلسطينيّة الأسيرة، التي تواجه كثيرًا من التشديدات والإجراءات القمعيّة الصعبة.

* ما أثرُ حدثٍ مثل "عمليّة نفق الحريّة" على معنويات الأسرى، وما الفارقُ بينها وبين الخروج في صفقات التبادل؟

** معنوياتنا كانت عاليةً جدًّا أمامَ تعاسةِ هذا الاحتلال، كنّا فرحين للغاية، والفعل الذي قام به الأسرى الستّة ليس فعلًا فرديًّا، بل هو فعلٌ جماعيٌّ يخترقُ حدودَ السجن والسجّان، وأصبحت جدرانُ السجن هشّةً أمامَ أبطالنا، وأصبح هناك أملٌ بالتحرّر من خلال أقلّ الإمكانات، وطوال الوقت كنّا نسمع الضخّ الإعلامي بأنّ الأسرى تمكّنوا من الهروب؛ نتيجةَ الظروف الجيّدة التي يعيشونها، ونتيجةَ علاقاتهم الجيّدة بالسجّانين، لكن هذا هو الخطابُ الذي كان يبثُّهُ الإعلامُ "الإسرائيلي"، لكنّ الفعل الذي قام به الأسرى يدحضُ هذا الخطاب، ويؤكّد أنّ ظروفَ السجن غيرُ إنسانيّةٍ بالمطلق، وأنّ السجنَ لا يستحقُّ إلّا الهروبَ منه، ولا يستحقُّ العيشَ فيه، ولا يمكن أن نعتادَ على السجن، وأن نبحث دائمًا عن الحريّة، مثلًا: كالأسير محمود العارضة الذي قضى نحو ثلاثين عامًا داخل السجون.

هذه العمليّةُ نبّهتنا إلى الكثير من الأمور داخل السجن، بأنّ السجن في كل الأحوال ليس عاديًّا، وكل ظروفه هي ظروفُ حرمانٍ ومن أبسط الأشياء، ومحمد العارضة قال حين التقى بالمحامي: إنّه تذوّق طعمَ الصبر بعد اثنين وعشرين عامًا من الاعتقال. بالفعل، وأنت في السجن تنسى شيئًا اسمُهُ "فاكهة الصبر"؛ فالأسرى لم يتحدّوا السجّان فقط، بل تحدّوا قدرتنا على الاعتياد في السجن؛ لأنّ حياتنا بالمطلق غيرُ إنسانيّةٍ وغيرُ طبيعيّةٍ داخل السجن.

* ما الذي يطلبه الأسرى والأسيرات من الحركة الوطنيّة ومن عموم أبناء شعبنا الفلسطيني في مثل هذه الأوضاع؟

** الأسرى والأسيرات هم جزءٌ من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة التي لو كانت حركةً كفاحيّةً موحّدةً لما كان وضع الأسرى كما هو عليه الآن، وأيضًا لوجد الأسرى الستّة ملاذًا آمنًا لهم بعد تنفيذ العمليّة، والأسرى والأسيرات بالتأكيد مطالبهم هي التحرير؛ لأنّهم خطُّ الدفاع الأخير، وهم عنوانُ الوحدة الوطنيّة.

قضيّةُ الأسرى والأسيرات الأساسيّة أنّهم يحلمون بالحريّة وتحرير فلسطين؛ لأنّه لا يمكن أن تتبيّض السجون إلّا بتحرير فلسطين.

* أخيرًا: بعد مرور ثمانيةٍ وعشرين عامًا على توقيع اتّفاق "أوسلو"، كيف ينظر الأسرى وتنظرين، بشكلٍ خاصٍّ، لهذا الاتّفاق وتبعاته على قضيّة الأسرى؟ وكيف تنظرين للوضع السياسي الرسمي؟

الأسرى والأسيرات هم أكثرُ من يُعاني بشكلٍ مكثّفٍ من التراجع السياسي الفلسطيني، وهذا بالتأكيد نتاجُ اتّفاق "أوسلو" وغيرها من الاتّفاقيات التي جعلت الحالةَ الفلسطينيّة برمّتها في حالةِ تراجع، والحركاتُ الوطنيّةُ كلُّها تراجعت؛ وتراجُعُ هذهِ الحركاتِ أدّى لتراجعِ اهتمامِها بقضيّة الأسرى، حتى الأسرى داخل السجون مختلفون سياسيًّا وعقائديًّا، لكن على كل اختلافاتهم، وبحكم وجودهم في السجن، واحتكاكهم المباشر مع السجّان دائمًا يعطيهم خلاصةً واحدةً؛ بأنّ السجّانَ هو وجهُ الاستعمار المباشر، ولا يمكن التعاملُ أو التعايشُ مع هذا الوجهِ القبيح في يومٍ من الأيّام، أو حتى التواصل والجلوس معه على طاولةٍ واحدة؛ لأنّه لا يعرف سوى الحقد والقتل والنفي، لذلك من المستحيل التفاوضُ معه؛ لأنّ حقّنا لا يُستردُّ إلّا بالقوّة.

بالتأكيد... اتّفاقُ "أوسلو" وغيرُهُ من الاتّفاقيات أسهمت في تراجعِ الحركةِ الوطنيّة؛ ما يدخلنا دائمًا في دوّامة غير الفعل والهزيمة النكراء؛ الهزيمة التي لا تكون وليدةَ لحظةٍ، بل هزيمةٌ لبِنيةٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ تقودها السلطةُ الفلسطينيّةُ، ويقودها أيضًا الانقسامُ الفلسطينيُّ اليوم، إذ لا يتراجعُ أحدٌ من أجل تحقيقِ الوحدةِ الوطنيّةِ الكفاحيّة.