Menu

احباطات نفتالى بينيت فى موسكو

د. محمد السعيد إدريس

ذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد نفتالى بينيت إلى روسيا يوم الجمعة الفائت (22/10/2021) فى زيارة هى الأولى بالنسبة له منذ توليه منصبه فى يونيو الماضى فى ظروف شديدة الحرج بالنسبة له شخصياً كرئيس وزراء يريد أن يثبت كفاءته فى إدارة الملفات الخارجية لكيان الاحتلال الإسرائيلى، وبالنسبة لإسرائيل التى باتت تعيش الخطر وتتجرع كؤوسه نظراً لفداحة عجزها منفردة عن مواجهته وبالتحديد فى ملفين يصنفان داخل المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية باعتبارهما الأخطر حالياً على الوجود الإسرائيلى.

الملفان اللذان نعنيهما هما أولاً مستقبل الوجود الإيرانى فى سوريا ضمن "عملية التسوية" التى يجرى تصنيعها لتلك الأزمة، وتلعب فيها روسيا الدور الأهم، حيث ترفض إسرائيل رفضاً مطلقاً أى وجود عسكرى أو نفوذ سياسى إيرانى فى سوريا، لأن ذلك من شأنه أن يجعل سوريا، ما بعد انتهاء أزمتها، دولة مركزية فى "محور المقاومة" ضد إسرائيل الذى تديره إيران، كما أنه من شأنه أن يجعل من إيران دولة "جوار إقليمى لإسرائيل"، أى يضع إسرائيل بين فكى كماشة إيرانية واحدة فى جنوب لبنان عبر التحالف مع "حزب الله"، والأخرى فى جنوب سوريا على التماس مع هضبة الجولان المحتلة. لذلك تدرك إسرائيل أنه إذا كان الوقت قد حان لطرح تسوية للأزمة السورية عبر البوابة الروسية فمن الضرورى أن تكون إسرائيل طرفاً أساسياً فى تصنيع تلك التسوية لمنع أى وجود إيرانى فى سوريا، ولضمان أن تكون سوريا الجديدة بعد تسوية أزمتها عضواً فى "تحالف السلام الإقليمى" أو "السلام الإبراهيمى" كما يسمونه ضمن محاولات تجميله وتسويقه فى الدول العربية، وألا تكون ركيزة استراتيجية فى "محور المقاومة" ضد إسرائيل الذى تقوده إيران.

الملف الثانى هو الملف النووى الإيرانى حيث يشعر الإسرائيليون بخطر مفعم بالخوف من أمرين؛ أولهما أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، بعد انسحابها المذل من أفغانستان، وفى ظل الهموم الداخلية والدولية لهذه الإدارة ليست لديها أى عزيمة أو نية لخوض حرب ضد إيران يكون هدفها تدمير القدرات النووية الإيرانية، وأن العكس هو الصحيح أى أن إدارة جو بايدن حريصة على استئناف إيران الحوار فى فيينا مع الشركاء الدوليين حول الاتفاق النووى الإيرانى الموقع عام 2015، وأنها تدفع شركاءها الأوروبيين لممارسة كل الضغوط على إيران للعودة إلى ذلك الحوار الذى توقف قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة ، حيث تخشى أمريكا والشركاء الأوروبيين وقبلهم إسرائيل، أن يكون التلكؤ الإيرانى للعودة إلى الحوار فى فيينا سببه توجه إيرانى لتسريع امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، والأخذ بما يسمى "الخيار الكورى الشمالى" ووضع الأمريكيين والإسرائيليين والغرب أمام معضلة كبرى أن إيران أضحت "دولة حافة نووية" أى دولة على حافة صنع القنبلة عندما تريد ذلك، عندها سيكون بمقدورها أن تفرض شروطها هى على من يفاوضونها فى فيينا بدلاً من أن تكون المضطرة للقبول بشروطهم.

الإسرائيليون يعيشون هذا الهاجس ويضغطون على الأمريكيين لطرح "الخيار باء" أو "الخيار البديل" ضد إيران، والمعنى هو الخيار العسكرى أى أن تقبل واشنطن بأن تكون شريكاً لإسرائيل فى شن حرب تدمير قدرات إيران النووية لسببين أولهما وعى الإسرائيليين أنهم وحدهم غير قادرين على القيام بالمهمة، وثانيهما عدم استئثارها برد الفعل الإيرانى، أى أن يكون نصيبها محدوداً من الانتقام الإيرانى وتوزيع هذا الانتقام على أمريكا وشركاءها الإقليميين الذين سيشاركونها بالطبع الحرب ضد إيران إذا قررت أمريكا ذلك.

ذهب وزير الخارجية الإسرائيلى يائير لابيد إلى واشنطن لبحث هذين الملفين، ثم ذهب إلى موسكو للإعداد لزيارة رئيس حكومته لروسيا، ثم ذهب ثانية إلى واشنطن لتجديد الضغوط على الإدارة الأمريكية لتغيير الموقف الأمريكى فى الاتجاه الذى تريده تل أبيب، بعد أن أعلن نفتالى بينيت رئيس الحكومة أن إيران حققت خلال السنوات الثلاث الماضية (أى منذ الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى عام 2018 الذى قامت إسرائيل بالدور الرئيسى فى إقناع الرئيس السابق دونالد ترامب به) ما اعتبره "قفزة هائلة للأمام فى تخصيب اليورانيوم" وتأكيده أن "التأكد من عدم حيازتها سلاح نووى مسألة وجودية " (أى لها علاقة بوجود أو عدم وجود إسرائيل حيث هى الآن على أرض فلسطين).

الواضح أن يائير لابيد لم يحصل من نظيره الأمريكى انتونى بلينكن على تأكيدات أمريكية بقبول ما تريده إسرائيل فى الملفين ، وعلم أن لواشنطن "مقاربات وحسابات أخرى"، لذلك كان التعويل الإسرائيلى قوياً على روسيا وأن يحصل نفتالى بينيت من الرئيس الروسى على ما يرضيه فى الملف النووى الإيرانى وملف التسوية السورية، وبالتحديد ما يتعلق بتجديد التفاهمات الثنائية الإسرائيلية- الروسية بخصوص المصالح الأمنية الإسرائيلية فى سوريا التى سبق أن توصل إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو مع الرئيس فلاديمير بوتين ، وأن يقنع الرئيس الروسى بالخطة الإسرائيلية الخاصة بالتسوية السورية التى ترمى إلى تأسيس مسار آخر لتلك التسوية بديل أو منافس لـ "مسار أستانة" الذى يجمع روسيا مع إيران و تركيا كأطراف ثلاثة أساسية معنية بتسوية الأزمة السورية على أن يكون المسار الجديد ثلاثى أيضاً يجمع إسرائيل مع روسيا والولايات المتحدة، كى تأتى تسوية الأزمة السورية وفق المصالح والأهداف الإسرائيلية وإلغاء أى دور إيرانى أو تركى في هذه التسوية.

الواضح أن زيارة بينيت لم تحقق شيئاً يذكر فى الملف النووي الإيراني حيث غابت أى إشارة لهذا الملف سواء من الجانب الإسرائيلي أو الجانب الروسي، أما ما استطاع تحقيقه في الملف السوري فهو مجرد تجديد التفاهمات السابقة بين بوتين ونتنياهو والتي تتضمن ثلاثة نقاط هى: عدم السماح بتحويل سوريا إلى مصدر تهديد لإسرائيل، وعدم السماح بتمركز قوى معادية لإسرائيل قرب المناطق الحدودية، والاعتراف الروسى بحق إسرائيل فى توجيه ضربات ضد مواقع تنطلق منها تهديدات.

وزير الإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين الذي حضر لقاء بوتين وبينيت كمترجم، قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي أمس الأول الأحد (24/10/2021) أن اللقاء "كان دافئاً" وأنه تم الاتفاق على العديد من الأمور التشغيلية، وأشار إلى أن اللقاء "لم ينجح فى جذب روسيا إلى المسار الثانى الذى تريده إسرائيل بعيداً عن مسار أستانة".

هذا يعنى أن روسيا لم تحسم أمر الاجتماع الذى تحدث عنه الأسبوع الماضى السفير الإسرائيلى فى موسكو بين رؤساء مجالس الأمن القومى فى إسرائيل وروسيا وأمريكا لبحث المسار الجديد الذى تريده إسرائيل للتسوية، لكن الأهم أنه حتى إذا تم عقد هذا اللقاء فإن موسكو ليست متحمسة لطرح فكرة المسار البديل الذى تأمله إسرائيل ما يعنى أن نفتالى بينيت عاد من موسكو بالكثير من الإحباطات ، وأنه سيكون معنياً بالبحث عن مخارج جديدة للمأزق الإسرائيلي مع إيران.