في موضوع زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى سوريا مؤخراً.. علينا أن نقرأ الأمور في سياقاتها والعوامل والظروف والمتغيرات التي قادت للقيام بهذه الزيارة. نحن ندرك ونعرف ونتفق على أن الإمارات رأس الحربة في التطبيع مع دولة الاحتلال وتشكيل ما يعرف بحلف "إبرهام" التطبيعي، وهذا لا خلاف عليه، والإمارات لها أهدافها ومصالحها من تلك الزيارة، ولكن لا أعتقد بأن زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سوريا، تأتي في إطار لعب دور إماراتي في تغيير أو تليين مواقف القيادة السورية من التطبيع والعلاقة مع دولة الاحتلال، أو فك علاقتها بطهران أو حزب الله، والإدارات الأمريكية السابقة قدمت مثل هذه العروض وأكثر للقيادة السورية ورفضت تلك الشروط والعروض، ولذلك زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا أتت، بعد انسحاب أمريكي مذل من أفغانستان، وتراجع عامل الثقة عند المشيخات الخليجية، بأن أمريكا ستبقى حامية لها ومدافعة عنها، وتجربة أفغانستان ورئيسها أشرف غني خير شاهد ودليل، وكذلك هذه الزيارة أتت بعد نصرين. نصر سوري ونصر يمني ومتغيرات إقليمية وعربية ودولية ناتجة عن التراجع في الدور والمشروع الأمريكي في المنطقة، بفضل وفعل تماسك محور المقاومة، وأمريكا تسعى من بعد هزائمها في الميدان، وعدم القدرة على فرض شروطها وإملاءاتها وتحقيق أهدافها عبر الحروب العسكرية المباشرة أو بالوكالة من أجل وقف مفاعيل هذه الانتصارات، عبر حروب اقتصادية ومالية ونشر الفتن المذهبية والطائفية والحروب الأهلية والتخريب الداخلي والسعي للتفكيك المجتمعي وغيرها ... ومن بعد قيام حزب الله باستجلاب النفط الإيراني عبر ميناء بانياس السوري إلى لبنان، وكسره الجزئي للحصار الاقتصادي الذي فرضته أمريكا على لبنان وسوريا.
شعرت أمريكا ومعها محورها العربي والدولي من خارج لبنان والقوى الداخلية المتحالفة معها في لبنان والمرتبطة بمشاريعها ومخططاتها، بأن سياسة الضغوط القصوى بالحصار والعقوبات المالية والاقتصادية والتجارية والدبلوماسية على لبنان وسوريا وايران تفقد فاعليتها وتأثيراتها، وبدلاً من أن تدفع نحو تجريد الحزب وقوى المقاومة من حاضنتها الشعبية والجماهيرية، وتسهم في خلق خالة شعبية ضاغطة عليه، تحمله مسؤولية ما يعانيه لبنان من حصار وجوع وفقر وتدهور الأوضاع الحياتية والمعيشية، وكذلك شيطنته في أعين الشعب اللبناني الذي يعاني أزمات اقتصادية ومعيشية ومالية عميقة، جاء استجلاب النفط الإيراني، ليظهر بأن هذا الحزب يسعى لإنقاذ لبنان من أزماته وحصاره، وليس فقط حمايته من الاعتداءات الإسرائيلية والحفاظ على سيادته وحقوقه، وبالتالي ارتفعت شعبيته وحضوره الشعبي والجماهيري، بعكس ما خطط له.. وكذلك قانون "قيصر" لقتل الشعب السوري بدأ يترنح.. ومن هنا وجدت أمريكا بأن الخيار الأنسب لوقف مفاعيل تحرك حزب الله ومحاصرة تداعيات تلك الخطوة، يأتي من خلال اعطاء ضوء أصفر لعربان المحور العربي الأمريكي بإقامة علاقات وتواصل مع القيادة السورية، تحت سقف الأوامر والتعليمات الأمريكية... استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر الأراضي السورية.. وإعادة فتح معبر نصيب - جابر الحدودي بين الأردن وسوريا، والسماح بزيارة وفد لبناني وزاري إلى الشام، وكذلك الحال مع الأردن والاتصال الهاتفي بين ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد مع الرئيس الأسد، دون أن يعني ذلك تسليم أمريكا بتطبيع العلاقات مع سوريا.. ولكن التطورات الحاصلة في اليمن واقتراب جماعة أنصار الله واللجان الشعبية من تحقيق انتصار مدوي على السعودية بتحرير محافظة مأرب ذات الموقع الإستراتيجي وصاحبة الثروتين النفطية والغازية.. أفقدت النظام السعودي صوابه، لكي يفتعل معركة مع لبنان ظاهرها تصريحات سابقة لتولي وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي للوزارة، يعتبر فيها الحرب على اليمن عبثية وحق اليمنيين بالدفاع عن أنفسهم، ولكن تلك الحرب المفتعلة مضمونها استمرار معركة النظام السعودي مع حزب الله ومحور المقاومة خدمة للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي، بدلالة أن مساعد أمين عام الجامعة "العربية" حسام زكي في زيارته لبيروت لنزع فتيل الأزمة بين لبنان والسعودية، جاء كممثل للسعودية وليس لما يسمى بجامعة الدول العربية، حيث اشترط لحلها التعدي على كرامة وسيادة لبنان والتدخل في شؤونه الداخلية، بإقالة وزير الإعلام اللبناني قرداحي وسحب قوات حزب الله من سوريا.
السعودية المهزومة تكابر ولا تريد أن تعترف كما اعترف مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق "ديفيد شنكر" بأن اليمنيين انتصروا وتحرير مأرب هزيمة مدوية للسعودية وأمريكا، ولذلك وجدنا بأن المشيخة الإماراتية قرأت المتغيرات جيداً، وهي التي لم تكن متورطة في تدمير سوريا كتورط السعودية و قطر ، وحافظت على علاقات مع النظام السوري وأبقت على سفارتها مفتوحة في دمشق في أوج الأزمة التي عاشها النظام، والذي كان البعض يروج بأن رحيله مسألة اسابيع وعلى الأبعد أشهر، ولذلك سارعت الى تحويل الضوء الأصفر الأمريكي إلى ضوء أخضر من أجل أن تحافظ على مصالحها ودور لها فيما بعد الانتصارين اليمني والسوري وعودة أمريكا للاتفاق النووي مع طهران وبشروط طهران، وليس بالشروط الأمريكية.
ومن هنا أتفهم الهواجس ومشاعر القلق التي يعيشها أصدقاء وحلفاء سوريا، من أن مشيخة الإمارات لعبت دور كبير في قيادة حلف "إبراهام" التطبيعي مع دولة الاحتلال، وذهبت أبعد من ذلك مع مشيخات خليجية اخرى عضو في حلف "إبراهام" التطبيعي، مشيخة البحرين بإجراء مناورات بحرية مشتركة مع دولة الاحتلال وأمريكا في البحر الأحمر، وكذلك التدخل في ليبيا والمشاركة في الحرب على اليمن، إلى جانب ما عرف بالتحالف العربي، ولكن كل ذلك لا يمنعنا من قراءة المتغيرات والتطورات الحاصلة في المنطقة والإقليم والعالم، والتي دفعت بالإمارات إلى أن ترفع من سقف علاقاتها السياسية مع دمشق والسعي لعقد اتفاقيات تجارية واقتصادية والمساهمة في إعمار جزء من الدمار الذي لحق بسوريا، والذي تتحمل قسط فيه إلى جانب بقية المشيخات الخليجية الأخرى وبالتحديد السعودية وقطر والبحرين.