Menu

بعد مرور 33 عاماً على إعلان الاستقلال.. أين وصلنا؟

راسم عبيدات

بعد مرور 33 عاماً على إعلان الاستقلال الفلسطيني من الجزائر، والذي أعلن فيه الزعيم الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين على أرض فلسطين، حيث كانت انتفاضة الحجر الفلسطيني 87 -88 على أشدها وممتد لهيبها على طول وعرض جغرافيا فلسطين، والجماهير الشعبية منخرطة فيها بكل فئاتها العمرية ومكوناتها ومركباتها الوطنية السياسية والمؤسساتية والشعبية الجماهيرية.. انتفاضة شعبية استقطبت قطاعات كبيرة من الرأي العام العالمي ولقيت كل الدعم من الجماهير والشعوب العربية والإسلامية، ودخل مصطلح الانتفاضة كل بيت عربي وإسلامي وحتى عالمي... مناظر أطفال فلسطينيين يتصدون بصدورهم العارية وحجارتهم لدبابات عدو متغطرس مسلح بكل أدوات القمع والتنكيل. انتفاضة كان الرهان عليها في أن تنقل موضوع الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية الى الإمكانية الواقعية، ولكن اختار الفريق المتنفذ في منظمة التحرير، خيار الاستثمار السياسي المتسرع لمفاعيل الانتفاضة... لكي نصل بها إلى مؤتمر مدريد ومن ثم كارثة أوسلو التي نشهد تجلياتها على الأرض؛ أزمات مستعصية سياسية تطال كل تشكيلات وعناوين النظام السياسي الفلسطيني في الضفة والقطاع من سلطتين إلى المنظمة فالأحزاب والفصائل وحتى مؤسسات المجتمع المدني، واقتصادياً لم يتحقق أي انجاز فعلي حقيقي، لا بربط قطاعات واسعة من شعبنا بمؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين ولا بشعارات التنمية المستدامة ولا التنمية تحت الاحتلال ولا عبر ما سمي بمشروع "العناقيد" للتنمية الاقتصادية، وزادت معدلات الفقر والبطالة والجوع، وبقيت غزة تحت الحصار، ولم يتم بناء أية مشاريع إنتاجية ولم تتخذ أية خطوات عملية للفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، باستثناء تجربة مقاطعة العجول الإسرائيلية الفاشلة، بل بقي المظهر العام اقتصاد ريعي تسولي يعتاش على الضرائب وأموال المقاصة والمساعدات الخارجية. أما الأخطر فهو ما يحدث على الجبهة الاجتماعية، حيث مظاهر الوحدة الاجتماعية والتلاحم والتعاضد والانخراط في المعارك الميدانية ضد المحتل التي كانت سائدة في الانتفاضة الأولى لم تعد قائمة أو موجودة، فما نشهده الآن بعد مرور 33 عاماً على إعلان الاستقلال، بأن تحقيق هذا الاستقلال يتباعد ولا يقترب، حيث الانقسام يتعمق والنظام السياسي يزداد تشظياً وضعفاً... وهذا ترك تأثيراته على الجانب الاجتماعي، حيث ما كنا نشهده من مظاهر انتفاضية ضد المحتل في كل أرجاء فلسطين، أصبحنا نشهد حالة معاكسة عنوانها "التدمير الذاتي"، حيث نشهد حالة انهيار غير مسبوقة  وأزمة تطور وتصاعد مفاعيلها وتداعياتها سيؤدي إلى اختراق كبير للبنية المجتمعية وتفكيك جدران النسيجين الوطني والمجتمعي، حيث ضعف السلطة ووجود حواضن للعشائرية والقبلية في بنية السلطة وأجهزتها ومؤسساتها، جعل العشائرية والقبلية وكل ما له من انفلات وتشكل مافيات ومليشيات لديها من النفوذ والسلاح، ما يمكنها من فرض أجنداتها ومصالحها وتجاوزاتها وتعدياتها على القانون وعلى كرامات الناس وممتلكاتهم وأراضيهم وعقاراتهم، وأصبحت الفوضى المنظمة واقتناء السلاح للدفاع عن الذات أو الاستقواء بالعشيرة الأكبر ظاهرة موجودة. سلاح فالت ومشبوه موجود في أيدي مافيات ومليشيات يعرف الاحتلال مصدره ويعمل على توجيه استخداماته، بما يخدم أهدافه ومصالحه، ويوفر له الأرضية من أجل أن يحل محل السلطة في حال جرى حلها، نتيجة صراعات متوقعة على الزعامة والقيادة بعد رحيل الرئيس عباس بين الأجنحة والتيارات المختلفة الطامعة بالزعامة.. وهذه المليشيات والمافيات لها حضورها وامتداداتها في أجهزة السلطة ومؤسساتها، وفي الوقت الذي نجد فيه السلطة تقوم بتنفيذ التزاماتها الأمنية وفق اتفاق أوسلو، فيما يخص الفعل والعمل المقاوم، حيث تقوم بعمليات الاعتقال وملاحقة كل من يريد العمل ضد دولة الاحتلال، تحت شعار عدم السماح بانتشار الفوضى في الضفة الغربية أو تهديد ما يسمى بالاستقرار والمشروع الوطني.

ما نشهده من اقتتال وحروب عشائرية وقبلية وتصاعد العنف والجرائم وانتشارها انتشار النار في الهشيم، دون أي رادع، أو عدم العمل على اجتثاث تلك العصابات والمافيات والعمل على مساءلتها ومحاسبتها وفرض سيادة القانون عليها، يجعلنا نتساءل: أين أجهزة السلطة التي تقوم بعمليات الملاحقة والاعتقال وضبط ما تسميه بالحالة الأمنية، في حين في قضايا الاحتراب العشائري والقبلي، نجد أنها تستنجد بالعشائر والقبائل وتعقد معها "هدن"، وتسيد قانونها فوق القانون العام؟

في ظل استمرار وجود السلاح المشبوه والمعروف مصدره واستخداماته واستعمالاته، وفي ظل تغاضي السلطة عن وجوده، فنحن سنكون أمام كارثة حقيقية. كارثة تقود إلى تفكك السلطة المركزية وإلى تشكل المشروع السياسي البديل، الذي عبر عنه رجل الأمن الإسرائيلي مردخاي كيدار المُعرف لنفسه على أساس أنه باحث في جامعة "بار ايلان" الإسرائيلية، والذي هو نتاج لدراسات أعدتها مراكز دراسات وبحث استراتيجي إسرائيلية، استناداً إلى المشاريع والمخططات الأمريكية التي قادتها في الدول العربية، مشروع الفوضى الخلاقة، تفكيك وتفتيت  الدول العربية المركزية على أسس مذهبية وطائفية وإعادة بنائها بالتقسيم لكيانات اجتماعية هشة، وعندنا المشروع يقوم على تقسيم الضفة إلى سبع إمارات عشائرية، تتحكم بكل إمارة العائلات والعشائر الكبرى، وتتولى إدارة الشؤون المدنية والخدماتية مع منسق محلي للإدارة المدنية، ويكون هناك منسق إدارة مدنية لكل هذه الإمارات في القضايا المشتركة بين تلك الإمارات السبعة. ولذلك حالة الانفلات والفوضى وتصاعد العنف وازدياد الجرائم والقتل على أتفه الأسباب والتحريض والتحريض المضاد، واستخدام الدين كساتر في نشر الفرقة والفتن وتدمير فسيفساء المجتمع سنجد أنها ستتصاعد وتتطور، فهناك من هو معني في انهاك المجتمع الفلسطيني داخلياً من أجل "ترويضه وتطويعه" وجعله جاهزاً لقبول أي مشروع سياسي يفرض عليه، أو أنه يترحم على وجود الاحتلال، أو القول بأن وجوده وبقاءه "نعمة" في ظل ما يشهده من جحيم. ولذلك هذه هي الحالة التي وصلنا إليها بعد 33 عاماً على إعلان الاستقلال، ولكن كل هذه اللوحة السوداوية لن تطفئ  جذوة النضال والمقاومة، فهذه المشاريع والمخططات التدميرية المستهدفة لقضيتنا ولشعبنا وكل مكونات وجوده... إذا ما وجدت قوى حية ومؤمنه بقضية شعبنا وبحقوقه وحتمية انتصاره ودحر الاحتلال، وهي موجودة ولها حضورها الكبير في عمق وجدان شعبنا ووعيه، وهي قادرة على قلب الموازين، وانتشال المجتمع الفلسطيني من أزماته، وما يحتاجه شعبنا هو قيادة سياسية مؤتمنه صادقة وجهتها وبوصلتها فلسطين، مالكة لإرادتها وقرارها السياسي ومغلبة الرؤيا الوطنية على الرؤيا الحزبية، قيادة تتوحد على برنامج سياسي مشترك، وأن يكون هناك رؤي شمولية واستراتيجية جمعية ومشاركة حقيقية في القيادة والقرار.. فالاحتلال رغم كل قوته وجبروته وغطرسته، لكنه يعيش أزمة وجودية في ظل متغيرات تحدث في المنطقة والإقليم والعالم، تؤكد بأن محور المقاومة يتعزز دوره ووجوده وحضوره في المنطقة، بما يجعلنا مطمئنين بأن هذا سيشكل دعم جدي وحقيقي لشعبنا ولمقاومتنا، ولكن علينا أن نغادر خانات الارتهان والتجريب بحقوق شعبنا في حلول ومشاريع استهلكت وعفى عليها الزمن.