Menu

قيادة فلسطينيّة متنفّذة ومشتّتة

تقريرالهجوم على بُرقة: مستوطنون يلهثون وراء الأطلال وشعبنا صاحب الكلمة

أحمد نعيم بدير

من مواجهات بُرقة قبل أيّام

الضفة المحتلة _ خاص بوابة الهدف

تتعرّض بلدة "بُرقة" الفلسطينيّة الواقعة شمال غرب نابلس بالضفة المحتلّة منذ قرابة 15 يومًا إلى اعتداءاتٍ مكثّفةٍ من المستوطنين المتطرّفين وجيش الاحتلال الذي يفرض حصارًا شاملاً على البلدة، وفي لقاء ذلك تُقابل هذه الجرائم بمواجهةٍ بطوليّة من أبناء شعبنا في البلدة الذين هبّوا وتوحّدوا كجسدٍ واحد في وجه هذه الغطرسة المُستمرّة، حيث تركّزت المواجهات على مدخل بُرقة في الحارة الغربيّة، فيما تعرّضت البلدة إلى آلاف قنابل الغاز المُسيل للدموع المخلوط بالفلفل السام.

الأحداث تفجّرت بعد مقتل مستوطنٍ وإصابة اثنين آخرين على يد مقاومين نفّذوا عملية إطلاق نارٍ بطوليّة يوم السادس عشر من ديسمبر/ كانون أوّل الجاري قرب البلدة، وذلك في إطار الرد على جرائم الاحتلال المُستمرة، ليتذرّع المستوطنون بعد هذه العملية بأنّهم يريدون إعادة إحياء مستوطنة "حوميش" المُحاذية للبلدة، والتي أخلتها سلطات الاحتلال في العام 2005 ضمن ما يُسمى خطّة "فك الارتباط أحادي الجانب" والتي تم بموجبها إخلاء جميع مستوطنات قطاع غزّة، وأربع مستوطنات صغيرة، في الضفة بينها "حوميش" في عهد رئيس الوزراء الصهيوني المجرم آريئيل شارون.

تاريخ "حوميش" وصمود بُرقة

يقول منسق القوى والفصائل الفلسطينيّة في بُرقة فطين صلاح لـ"بوابة الهدف الإخباريّة"، إنّ "مستوطنة حوميش تم إنشاؤها في العام 1977 في عهد حكومة مناحيم بيغين، وصادروا 1200 دونم من أراضي بلدة بُرقة لصالح هذه المستوطنة، ومنذ ذلك التاريخ وأهالي البلدة يقاومون يوميًا، وارتقى لدينا شُهداء، وأصيب المئات جرّاء المواجهات المستمرة، واعتقل المئات أيضًا، وفي أكثر من مرّة قام الشبّان بقص السياج المحيط بالمستوطنة ودخلوا إليها وكسّروا منازل المستوطنين، وأذكر في 26/6/2002 قام الرفيق الاستشهادي عمر صُبح من طولكرم بقتل مستوطنٍ من حوميش، أي كنّا في احتكاك مباشر معهم يوميًا، إلى أن تم إخلاء المستوطنة في شهر 8 عام 2005 في عهد شارون".

ويُتابع صلاح: "منذ عملية نفق الحريّة التي حدثت في سجن جلبوع وأهالي القرية يقاومون يوميًا سواء من خلال القاء الحجارة أو زجاجات المولوتوف تجاه المستوطنين ومركباتهم وصولاً إلى العملية البطوليّة الأخيرة التي أدّت لمقتل مستوطن، وبعدها جن جنون المستوطنين وهجموا على المنازل في بُرقة، ولكن تصدّى شباب البلدة لهم بكل عنفوان، وخلال هذه المواجهات طبّق الاحتلال أوامر رئيس الحكومة نفتالي بينيت القاضي بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وبالفعل أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين من أسلحةٍ كاتمةٍ للصوت وأصيب في البلدة 42 شابًا بالرصاص المطاطي، و150 اختناقًا بالغاز، و10 بالرصاص الحي، ولدينا الفتى أوس شبيب (17 عامًا) أصيب بالرصاص وحالته خطرة جدًا حتى هذه اللحظة في مستشفى النجاح".

يتذرّعون بوجود مدرسة "شيمش"

وشدّد صلاح على أنّ "هؤلاء المستوطنين الذين هجموا على البلدة جاؤوا من خارج حوميش المُخلاة، وعادوا بحجّة أنّ المستوطنة فيها مدرسة "شيمش" الدينيّة، وهذا محض كذبٍ وافتراء، بل جاؤوا للاعتداء علينا"، مُعلنًا أنّ "القوى الوطنيّة والإسلامية في البلدة شكّلت لجان الحماية والحراسة باقتراحٍ من الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وذلك من أجل التصدّي لأي محاولاتٍ قادمة لاقتحام بُرقة أو الاعتداء على السكّان فيها، وكل الناس في البلدة يراقبون ويرصدون كل تحرّكات المستوطنين، وبعد أن أغلق الاحتلال 17 مدخلاً يؤدّي إلى برقة وترك مدخلاً واحدًا فقط للحركة قام أهالي سبسطية وبيتا بفتح العديد من المداخل، ولكن الاحتلال عاد وأغلقها بالسواتر الترابيّة الكبيرة".

وبيّن صلاح خلال حديثه لـ"الهدف"، أنّ "مطالب أهالي بُرقة بسيطة جدًا وهي أن تأتي الحكومة وتلبي احتياجات السكّان وتدعم صمودهم، ولكن بالنسبة لنا في البلدة معنوياتنا عالية جدًا وأخذناها من الرفيق الدكتور جورج حبش حكيم الثورة ولن نسمح لأي مستوطنٍ باقتحام البلدة من جديد".

كان جليًا للجميع أنّ أهالي بلدة بُرقة والقرى المُجاورة مثل سبسطية وبيتا التي هبّت بصغارها وكبارها للدفاع عن بُرقة، اتخذوا قرارًا بالمواجهة حتى آخر نفس، وعدم السماح للمستوطنين بالعودة إلى "حوميش" مهما كانت الأثمان، في المقابل كان هناك غيابًا واضحًا -كما العادة- لأي تحرّكٍ حكومي لإسناد الأهالي في ظل هذه الهجمة المسعورة والمدعومة من رأس حكومة الاحتلال.

يرى القيادي في الجبهة الشعبيّة ماهر حرب، أنّ "المشهد الحالي يدل على حقيقة واحدة وهي أنّ هذا الاحتلال يسعى يوميًا لاستعادة أحلامه التي أنهاها الشعب الفلسطيني، ويُحاول إعادة تشكيل العصابات المتطرفة مثل (الهاغاناة واشتيرن) التي تسبّبت في نكبة العام 1948 وساهمت في احتلال الأراضي الفلسطينيّة عام 1967، واليوم شعبنا من خلال صموده ومقاومته وانتفاضاته وثباته على الأرض بدّد أحلام هذا العدو، وهذا الاستيطان المستعر في الضفة و القدس بدأ يُحيي طموحات هذه الحركة الصهيونيّة باتجاه إحياء أحلامها من خلال اقتلاع الفلسطيني من الأرض، ولكن كل الوقائع والحقائق التي يدركها الاحتلال وأعوانه وأذنابه من أنظمة داعمة جيدًا تؤكّد أنّ هذا هو المستحيل بعينه، وهذه الحركة الدمويّة تعيش على الأطلال".

"لا يوجد طليعة سياسيّة"

وبشأن ما حصل في بُرقة وعدّة قرى في نابلس، يؤكّد حرب لـ"بوابة الهدف"، أنّ "ما حصل يدّلل على عنجهية وأطماع المستوطنين المحميين بقوّةٍ نظاميّة، لكن على الأرض ماذا واجهوا؟ واجهوا مقاومة شرسة رغم أنّ عشرات البيوت تعرّضت للاعتداء والحرق، ولكن أبناء شعبنا ثبتوا دفاعًا عن أرضهم"، مُشيرًا إلى أنّ "الحُزن الفلسطيني يكمن في أنّه لا يوجد اليوم طليعة سياسيّة، وفي الوقت الذي يواجه شعبنا بصدورٍ عارية أعتى الترسانات العسكريّة لا نجد على المستوى السياسي سوى التشتّت، وهذا بعد عشرات الدعوات التي وجّهتها الفصائل الفلسطينيّة من أجل تشكيل القيادة الوطنيّة الموحّدة لقيادة دفّة المواجهة مع هؤلاء المتطرفين وللأسف الشديد لم تلق هذه الدعوات آذانًا صاغية وخاصّة من المتنفّذين في السلطة الفلسطينيّة وفي حركة فتح، وتم تغييب المشهد الوطني وحضور فصائل العمل الوطني ووجود القيادة الوطنيّة الموحّدة وتغييب توفير الدعم الوطني لدعم أهلنا في بُرقة وبيتا".

"القيادة الفلسطينيّة غير جادّة"

وأكَّد حرب أنّ "هناك عدم جديّة لدى القيادة الفلسطينيّة في تشكيل هذه الحالة المتصاعدة على الأرض وهذا أمر جلل وخطير، واليوم شعبنا الفلسطيني يسأل: لماذا تُركنا وحدنا؟ أين قيادات الشعب الفلسطيني؟"، مُبينًا أنّ "هناك بعض الصور واللقطات لبعض القيادات الذين ذهبوا للتصوير في بُرقة وبيتا، ولكنّها لقطات عابرة، أمّا ما جرى على الأرض هو غياب للبرنامج الوطني وللقيادة الوطنيّة الميدانيّة إضافة إلى الضعف الإعلامي والإسناد الشعبي للحالة الأسطوريّة التي سطّرها شعبنا في بُرقة".

وحول الحالة السياسيّة المترديّة، شدّد حرب أنّ "الاحتلال لا يحاول مجرّد محاولة لتحويل قضيّتنا الوطنيّة إلى قضيّة مساعدات وكوبونات، بل هو اليوم يعمل على هذا الأساس، ويتعامل مع السلطة الفلسطينيّة كسلطة إدارية لتسيير أمور السكّان في الضفة الغربيّة، وجميعنا يعلم أنّ الاحتلال يدخل إلى البلدات والقرى الفلسطينيّة ويقتل متى يشاء ويعتقل متى يشاء، وهو الآن يسرق الأرض الفلسطينيّة لزيادة امتداد المستوطنين على هذه القرى والمدن، وكما شاهدنا في بُرقة قام الاحتلال بالتنسيق مع المستوطنين وتركهم لاقتحامها ليعيثوا فيها فسادًا، كل هؤلاء لا يسألون في السلطة أساسًا بل هم من يتحكّمون في كل شيء".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، بيّن حرب أنّ "هناك حصارًا كبيرًا على المناضلين من أبناء شعبنا، وطلب الاحتلال من السلطة التخلّص من كل الذين يصفهم هو بـ"الإرهابيين" في مختلف الوزارات والمؤسّسات الميدانيّة سواء أمنيّة أو غير أمنيّة، وحصار فصائل العمل المقاوم، وهذا ما صرّح به الاحتلال علنًا، وأكَّد أنّه لا يوجد دولة فلسطينيّة بل سُلطة تُدير شؤون السكّان".  

جدير بالذكر، أنّ نحو 700 ألف مستوطن يتوزّعون في 145 مستوطنة كبيرة و140 بؤرة استيطانية عشوائيّة بالضفة المحتلة، فيما يعتبر القانون الدولي الضفة الغربية والقدس أراضٍ محتلّة، ويعد جميع أنشطة الاستيطان غير قانونيّة.