Menu

الدعوة لاجتماع المجلس المركزي وأزمة اليمين الفلسطيني

غسان أبو نجم

جاءت الدعوة لعقد جلسة للمجلس المركزي التي وجهتها القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في ظل ظروف إقليمية ودولية غاية في التعقيد، حيث دوليًا يشهد العالم، حالة من الاصطفاف السياسي في ظل الاتجاه نحو ثنائية القطبية العالمية؛ فالصين الصاعدة بثبات وقوة اقتصاديًا، تضع اللمسات الأخيرة، لطريق الحرير الذي يخرج التجارة الدولية من هيمنة رأس الشر العالمي وحلفائها عالميًا ويبني شكلًا جديدًا لأسس وممرات وآليات التبادل التجاري العالمي، بالتعاون مع روسيا التي تشكل رعبًا عسكريًا للقطب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمستحوذ الرئيسي على مصادر الطاقة والغاز تحديدًا الذي تسعى رأس الشر العالمي عرقلة مروره إلى أوروبا؛ عبر إثارة صيحات الحرب في أوكرانيا، المعبر الأساسي لخط الغاز من جهة، ومحاولة استبداله بخط الغاز ال قطر ي بالتعاون مع حليفها ا الكيان الصهيوني من جهة أخرى.

وإقليميًا تشهد المنطقة العربية، حالة من الهرولة نحو التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، يرافقها تمدد خطير للكيان في المنطقة العربية اقتصاديًا (الاتفاقية الاقتصادية مع المغرب)، وعسكريًا (التدخل المباشر في حرب اليمن والاتفاقات العسكرية مع الإمارات)، ومحاولات الدخول في منظمات وهيئات عربية (منظمة شمال إفريقيا)، ويأتي هذا الحراك الصهيوني المحموم، محاولة منه لحصار حالة الانتصار التي حققها ويحققها محور المقاومة؛ فسوريا لم تهزم ولم تسقط في مستنقع التطبيع، والهجمات اليمنية على السعودية كرد على العدوان ازدادت ضراوة، والهجمات الصاروخية اليمنية على إمارة الكاز والغاز، ضربت العمق الإماراتي، وأرعبت الكيان الصهيوني الأقرب جغرافيًا إلى اليمن، والتهديدات المتكررة للمقاومة اللبنانية بضرب العمق الصهيوني، مما يجعل المنطقة العربية في حالة من التوترات المتلاحقة.

فلسطينيًا، وبعد أن حسم اليمين الفلسطيني موقفه من الصراع مع المحتل، لصالح نهج التفريط والتساوق مع المحتل سياسيًا وأمنيًا، وحولت سلطة دايتون التي من المفترض أن تكون سلطة ممثلة للشعب الفلسطيني حولتها إلى سلطة ريعية، يقودها مجموعة من المتنفذين، وأداة قمعية للمقاومين الفلسطينيين، وأداة أمنية تخدم المحتل الصهيوني، وحولت حركة فتح إلى جيش من الكتبة. وسياسيًا تم التفريط بكل الثوابت الفلسطينية، فأسقط عمليًا حل الدولتين، والاستيطان التهم الأرض الفلسطينية، واسقط خيار المقاومة والتزمت فقط بخيار التفاوض الذي ثبت بالمطلق، بأنه خيار يخدم الاحتلال وينهي القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتمادى الاحتلال، بأن رفض ويرفض الحوارات السياسية مع هذه السلطة، ويبقي على التنسيق الأمني والحوار الاقتصادي، ولم يقتصر تمادى هذا اليمين المتنفذ والمهيمن على كافة مؤسسات الشعب الفلسطيني م.ت.ف والمجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي، لم يكتفِ بحسم موقفه لصالح الخندق المعادي لطموحات شعبنا، بل تعداه إلى تفتيت وحده هذا الشعب، عبر تعزيز الانقسام بين الضفة وغزة، والتهميش لممثليات شعبنا في الشتات، واستثناء شعبنا في الداخل المحتل من أحقيته في مقاومة الاحتلال، وحول كل مؤسسات م.ت.ف إلى واجهات ديكورية، في ظل هذا الانبطاح السياسي لسلطة دايتون، كان موقف اليسار الفلسطيني، يتمثل في رفض ممارسات هذا النهج التفريطي ومحاولة تعريته، ولكن لم يرتقِ إلى حالة لجم هذا التدحرج السريع له نحو الخندق المعادي لشعبنا لأسباب عدة:

 أولًا: أن اليمين الفلسطيني، يهيمن على كافة مؤسسات م.ت.ف وقادر على تمرير كافة القرارات، والدعم الرسمي العربي لسلطة دايتون، وحرص الاحتلال على بقاء هذه السلطة كتابع أمني واقتصادي له، عزز موقف هذه السلطة، ووقعت باقي فصائل العمل الوطني خارج دائرة القرار، وأضحى مناضليها ضحية للاحتلال، بين شهيد وجريح وأسير.

ثانيًا: الحرص الدائم لفصائل العمل الوطني على الوحدة الوطنية ووحدة مكونات شعبنا ومؤسساته، كان سببًا في تأخر عزل رموز هذا النهج وتماديه المبرمج في التفرد والهيمنة على القرار السياسي، ورغم الدعوات المتكررة لفصائل العمل الوطني بضرورة الحوار وإنهاء حالة الانقسام والالتزام بمقررات المجلس الوطني الفلسطيني، وتحقيق الوحدة الوطنية بين كافة مكونات العمل الوطني، إلا أن رموز الهيمنة والتفريط وأذرعها السياسية والأمنية، عمقت الانقسام ورفضت الحوار، بل وجهت دعوة لعقد المجلس المركزي، متجاوزة المجلس الوطني الفلسطيني ودعوات الحوار في الجزائر، لتمرير قضية التوريث لرأس السلطة، والتأكيد على ثوابت موقفها السياسي بالتساوق مع الاحتلال، ولتكن باقي فصائل العمل الوطني شاهد زور على هذه القرارات. موقف اليسار.. ورد الشعبية المدوي على ضوء هذه العنجهية السياسية، لرموز نهج التفريط وامعانهم في تعزيز الانقسام ورفض الحوار الوطني والالتزام بطموحات شعبنا وثوابته الوطنية التي ضحت من أجلها وقدمت العديد من التنازلات لأجل تحقيقها، جاء رد اليسار الفلسطيني وطليعته النضالية الجبهة الشعبية، مدويًا ورافضًا المشاركة في مهرجان التنازلات التي سيشهدها المجلس المركزي الذي سيعمم شعار الاستسلام لأوامر المحتل الصهيوني، ليضيع الفرصة على رموز هذا النهج التفريطي وعزله وليعطي بذلك، زخمًا جديدًا لروح المقاومة والتحدي للاحتلال ويلتزم بطموحات جماهير شعبنا، الحاضنة الأساسية لها، في رفض ممارسات سلطة أوسلو وفرملة هذا النهج التفريطي، تاركة بذلك الامتيازات الحزبية الضيقة في التمثيل والتمويل التي وللأسف الشديد سعت إليها بعض الفصائل التي ستجد نفسها يومًا في مواجهة جماهير شعبنا التي لا ترحم.. وسيسجل التاريخ يومًا، أن بعض قوى من يدعي اليسار وقفت في الخندق المعادي لثوابت ووحدة وطموحات شعبنا.