Menu

جنين تحاصر الاحتلال

راسم عبيدات

جنين ومخيمها محفوران جيداً في عمق ذاكرة شعبنا الفلسطيني ووجدانه... ويكفي القول، بأن جنين هي جنين القسام، جنين لن ترفع الراية، مهما اشتد الكرب والحصار، فرايتها وهاجة خفاقة تطاول عنان السماء... جنين قدمت خلال عامين 32 شهيداً عدا الجرحى والأسرى... المحتل بات يدرك بأن جنين هي خزان الثورة المقاوم، جنين التي صمد مخيمها قبل عشرين عاماً في الانتفاضة الثانية أمام أعتى آلة جرب صهيونية، وكبد العدو 24 جندياً قتلى وغيرهم من الجرحى.

جنين عنوان شعب بأكمله توجه رسائلها بكل الاتجاهات، رسالتها الأولى للمحتل، بأن جنين مهما اوغلتم القتل فيها، فالدم لا يجلب إلا الدم، ونظريتكم بأن الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد منها سقطت إلى غير رجعة، وهذا الشعب مصمم على نيل حريته واستقلاله.

والرسالة الثانية إلى السلطة الفلسطينية، رسالة تقول: لماذا كل هذه المواقف المتخاذلة والخوف من تبني الرواية الفلسطينية...؟ فجنين تدافع عن شعب بأكمله... تدافع عن حقوق مشروعة... تدافع عن وجود... ولا تدافع لا عن مشروع اقتصادي أو استثماري... جنين زاهدة في كل شيء إلا في المقاومة والكفاح والنضال.

والرسالة الثالثة إلى المجتمع الدولي وفي مقدمته شلة النصب والدجالين من الأمريكان ودول أوروبا الغربية الذين هبو بزمن قياسي من أجل "نصرة" أوكرانيا، لأن هناك انتهاك لسيادتها من قبل روسيا التي تدافع عن أمنها القومي، وأمدوها بكل أنواع السلاح وفرضوا الحصار والعقوبات على روسيا وذرفوا دموع التماسيح على حقوق الإنسان... أما حين يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني والانتهاك السافر لكل حقوقه من قبل المحتل، وممارسة كل أشكال القمع والتنكيل بحقه، فهذا لا يستحق الإدانة والاستنكار، ولا حشد الأساطيل والقوات وفرض العقوبات لمنع المحتل من الاستمرار في جرائمه، والأنكى من ذلك بأن هؤلاء أصحاب المعايير المزدوجة والانتقائية في تطبيقها، والذين عرتهم الأزمة الأوكرانية على حقيقتهم وأظهرتهم عراة من ورقة التوت التي لم تعد ساترة لعوراتهم، لم يساووا بين الجلاد والضحية فقط، بل وقفوا إلى جانب الجلاد ضد الضحية، ووصفوا مقاومة المظلوم والمضطهد والمحتل بالإرهاب... هي ليست فقط ازدواجية معايير وانتقائية تطبيق، بل هي عنصرية مقيتة وتحقير وتسفيه وتشويه لكل معاني الإنسانية ومبادئ القانون الدولي والدولي الإنساني وما يسمونه بالشرعية الدولية التي لم يحترموها يوماً، عندما كانت تتعارض مع مصالحهم وأهدافهم، والشواهد كثيرة: سوريا وفنزويلا والعراق وسوريا وإيران و ليبيا واليمن والصومال وكوبا وغيرها قائمة طويلة.

المحتل أعلن عن سلسلة عقوبات بحق جنين في شهر رمضان الفضيل، عقوبات يراد بها كسر إرادة أبنائها وتطويعهم وتدجينهم... وإيصال رسالة لهم بأن كلفة النضال والمقاومة باهظة، وأهل جنين وقواها وفعالياتها يدركون ذلك ويعرفونه جيداً، ولكن جنين تعلمت جيداً كيف تتكيف مع الحصار، كما تعلمت قبلها غزة وسوريا ولبنان والعراق واليمن وإيران وفنزويلا وكوبا.. تلك الدول صمدت وخرجت أقوى من تحت الحصار... هم يمنعون دخول أهلنا وشعبنا إليها من الداخل الفلسطيني - 48 - مشياً وبسياراتهم، ويمنعون سكان جنين وتجارها من الدخول الى الداخل الفلسطيني - 48 - من أجل ضرب اقتصادها وشلها تجارياً واقتصادياً، ودفع السكان تحت وطأة الحصار لتجريد المقاومين من بيئتهم الحاضنة... جنين ستدبر أمرها جيداً ولن تكون إلا كما كانت وكما عهدنا شعبنا الفلسطيني رأس الحربة في النضال والمقاومة وحق على شعبنا وأهلنا وكل شرفاء الأمة في هذا الشهر الفضيل، دعم أهل جنين ونصرتهم، دعم اقتصادهم ومنتوجاتهم... وكذلك مد يد العون والمساعدة لكل المحتاجين منهم.

قلنا مليون مرة بأن هذا المحتل، هدفه تفكيك نسيجينا الوطني والمجتمعي، و"كي" وعينا، لينقلنا من الدفاع عن الوطن إلى الدفاع عن المدينة فالقرية فالحي فالبيت.. وأن يقتل ويشطب الرابط الوطني العام بين كل أبناء شعبنا، ويدفعنا للتفكير إلى الخلاص الفردي والتركيز على الهموم الخاصة والشخصية.. وغرس مفاهيم الإحباط واليأس في صفوفنا.

جنين هي من تحاصر المحتل وليس المحتل من يحاصرها، جنين تصدع رأس المحتل ومن يتعاونون معه، ولربما نصل إلى وضع كما قال فيه قادة الاحتلال بحق غزة التي سكنت في رؤوسهم وأصبحت تسبب لهم الصداع الدائم، لو أنهم يصحون ويجدون أن غزة قد ابتلعها البحر، ولتذهب غزة إلى الجحيم، والآن هم سيقولون، متى نصحو ولا نجد اسم جنين ومخيمها على الخارطة.