Menu

حلقة في الرأس

ثائر أبو عياش

يحمل العالم على كتفيه حزين هو لأن طفل ليس بجاره كان يبكي على طرف الشارع وهو يحاول ركوب دراجته الهوائية، كانت دموعه مثل عرق عامل المنجم في الفحم خيط كلون الماء يشق طريقه بين الغبار الاسود، بنطاله يشبه إلى حد ما ورقة متسخة لعاشق كان يغسلها بماء الموتى، والأكثر رعباً حذاءه الذي كان كحذاء جندي عسكري يقاتل في الوحل.

يشعر أنه بحاجة أن يقول لهذا الطفل: اقترب مد يديك لا تخف ليست كل الأيادي سواء، يشعر أكثر أنه بحاجة أن يقول له: لا تبكي فالدموع أيها الغلام ربما تكون وسيلة للراحة أو أكثر ولكنها أشبه بإبرة مخدر حتماً سيعود الألم، ولكن هكذا قال مع نفسه: الدموع ليست وسيلة للنجاة أيها الطفل البائس الذي تعيش تحت سقف الجوع.

كاد يشعر أكثر أن يقول له: يا ولدي، نعم يا ولدي، أنا الآن أبكي معك ربما بطريقه أخرى مثل أن أقول لك: لماذا تبكي؟ وحدة هذا السؤال سيكون مثل الموت عندما تسأله لما جئت ولكنه حتماً سوف يقبض روحك، ولكنه كان يدرك أن جيوبه فارغة مثل المساحة التي بين الأرض والسماء، هذه الجيوب لن تستطيع أن تمنحك لو قرشاً واحداً تشتري بها قطعة حلوة تجعل لونك بشرتك السوداء بيضاء، وينفجر نبع من الابتسامات لا نبع دموع عندما يصرخ صوت المسجد على مائدة الإفطار الله أكبر ولكنك أيها المؤذن أصبحت لا تدرك أن مائدة عن مائدة فرق، فربما عليك أن تقول: حي على الجوع حي على الفقر.

يخطر في باله سؤال وهو ينظر إلى عينان الطفل كيف اجتمعت كل هذه الدموع مع هذه الابتسامة على تفاصيل وجهك المتناقض؟ ولكنه قال لنفسه: هل ربما كما يجتمع الموت والحب في ساحة المعركة؟ ضحك لذاته التي هربت بعيداً وقال: يا للسخرية كيف سيفهم هذا الطفل الحب والموت وساحة المعركة؟ كيف؟ هو الآن لا يفهم إلا شيئاً واحداً الجوع وهو لا يفهمه هكذا بل يحتاج إلى قطعة لحم أو قطعة حلوى أو قرشاً يشتري به قطعة بسكويت، عاد إلى نفسه وقال: الأطفال الفقراء لا يريدون كلمات بل مكان يلعبون به دون خوف، وطعام ليس عبارة عن حجارة تغلي في الماء، يحتاجون إلى غطاء دافئ، إلى ملابس نظيفة، الأطفال يكرهون الكلمات التي لا تعني لهم شيئاً هم يحبون فقط أن ينامون وهم يحتضنون ملابس العيد.

تعب كثيراً حتى أصبح ثملاً بالتعب، حاول الجلوس على الحجارة ليستند على نفسه ولكن وجد نفسه ترتمي على العوز، كاد يفقد آخر ما فيه جعبته ليساعد الطفل، كانت الشمس تغازل الهواء وتغار منهم السماء وتبكي حزناً على قصة عشق تحت حضن الله، والأرض باتت غاضبة من حرارة البكاء، يبدو كل شيء حوله أصبح سواد مثل ملابس امرأة تعيش الحداد على موت الحب في قلب زوجها.

ارتمى برأسه بين يديه وعيناه تنظر إلى الحصى، وفجأة انتقل به الزمان كأنه آلة تسافر بالزمن حتى وصلت به إلى باب بيت طفلة صغيرة، كان الباب مثل منخل الطحين في كل زاوية من الباب يوجد ثقب، طرق على الباب، فتحت له طفلة يبدو من عيناها اللهفة، جسدها صغير كوردة نبتت بين الصخور، وجهها يبعث على الفرح، بداخلها كانت تتمنى أن يأتي اليوم بالطعام بل تحتاج إلى لعبة تغسل بالليل شعراتها وتقوم بتصفيفه، وفعلاً صدق حلمها.

وضع اللعبة في يد الطفلة، وبدأ يعود بجسده المثقل بالفقر إلى المركبة في وسط الطريق صرخت عليه توقف أرجوك، اقتربت منه والدموع تتساقط كحبات الندى على الاشجار، وقالت له: شكراً لك لقد افرحتني، أنا لا أبكي من الحزن أنا أبكي بسبب الفرح، وقف صامتاً.. صامتاً، قالت له: أرجوك قل شيئاً، فوجد نفسه يقول لها: شكراً لك أنتِ على الفرح.

 وهنا وجد الأجوبة على كل الأسئلة التي كانت تدور في رأسه عندما كان ينظر إلى الطفل، قفز من مكانه واقترب من الطفل الذي عاد يلهو بدراجته الهوائية، وضع رأسه بالقرب منه ونظر إلى عيناه وقال له: غداً سوف نبكي جميعاً بسبب الفرح، تذكر ذلك جيداً ضعها حلقة ليس في إذنك، فقال له الطفل: بل أين أضعها؟ فأشار له بإصبعه إلى رأسه.