Menu

"إحالة ملفات جرائم الاحتلال للمحكمة الجنائية".. لماذا التخوّف الآن؟!

الرئيس محمود عباس وصائب عريقات

غزة_ خاص بوابة الهدف_ بيسان الشرافي

بتاريخ 1 إبريل 2015، أصبحت دولة فلسطين عضواً "طرفاً" في المحكمة الجنائية الدولية، وبموجب البند (1) من المادة (14) من النظام الأساسي للمحكمة "نظام روما"، "يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتُكبت وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه اﻻتّهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم".

بعد أكثر من 9 أشهر على الانضمام لميثاق روما، وبتاريخ 7 فبراير 2016، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً تشكّلت بموجبه اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، أبرز مهامها إعداد وتحضير الوثائق والملفات للمحكمة الجنائية، ويرأس هذه اللجنة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، وتتكون من عضويّة 40 جهة وشخصيّة.

وقبل أن تصبح دولة فلسطين العضو 124 في المحكمة "الجنائية" الدولية، كانت الحكومة الفلسطينية أودعت إعلاناً لدى المحكمة بقبول اختصاصها للتحقيق في جرائم ارتُكبت خلال العدوان العسكري "الإسرائيلي" على قطاع غزة صيف العام 2014، وذلك بدءًا من تاريخ 13 يونيو من ذات العام، بموجب البند (3) من المادة (12)، التي تُتيح "لدولة غير طرف في المحكمة، بأن تُودع إعلاناً لدى مُسجل المحكمة، لقبولها ممارسة الاختصاص"، وقبلت المحكمة الإعلان الفلسطيني بتاريخ 5 يناير 2015. وعليه، قررت رئيسة مكتب الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا، فتح دراسة أوّلية للوضع في فلسطين، بتاريخ 16 يناير 2015.

الناطق باسم اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع "الجنائية"، د.غازي حمد، قال لـ"بوابة الهدف" إن سلسة طويلة من اللقاءات تُجريها اللجنة، ناقشت خلالها الكثير من القضايا، ومؤخراً، أبرز ما يجري نقاشه هو إحالة ملفات جرائم الاحتلال للمحكمة الدولية –أي بموجب المادة 14- وتتم دراسة كافة الخيارات المتعلقة بهذه الخطوة، وماذا يُمكن أن يترتّب عليها.

وما دفع اللجنة للتفكير في الانتقال من المركز القانوني "قبول الاختصاص" إلى "إحالة الملفات، كما بيّن أستاذ القانون الدولي د.عبد الرحمن أبو النّصر، لـ"بوابة الهدف" هو "الاستشعار بأن هناك تأخيرٌ في عمل المحكمة الجنائية، التي تُجري الدراسة الأولية منذ يناير 2015، وإحالة الملفات من شأنه تسريع عمل المحكمة.

لم يتم بعد حسم قرار اللجنة النهائي بشأن اللجوء للإحالة أم لا، بحسب حمد؛ "لأن الآراء داخل اللجنة مُتباينة، بين مؤيدٍ ومعارض لهذه الخطوة، وكلٌ لديه مبرراته".

ومن يؤيد خطوة الإحالة، كما أوضح رئيس دائرة الرصد والتوثيق في مؤسسة الحق الفلسطينية، تحسين عليان، يفترض أن المدعية العامة ستصل لنتيجة سلبية، مفادها أن "الدراسة الأوّلية التي بدأتها منذ 20 شهراً، لن تتطور إلى تحقيق رسمي، لذا من الأفضل إحالة الملفات الآن". وأضاف عليّان أن الجانب الفلسطيني يبحث خياراً آخراً –غير الإحالة- يُمكن أن يُجنّب الفلسطينيين الإحراج من بعض الدول التي تمارس ضغطاً سياسياً عليهم لعدم الإحالة -أحد أشكال هذا الضغط وقف المعونات-، والخيار يتمثّل بدفع المدعية العامة لفتح تحقيق في الحالة الفلسطينية من تلقاء نفسها.

وكشف عليان أن لقاءً جرى يوم أمس، بين وزارة الخارجية الفلسطينية مع المُدّعية العامة فاتو بن سودا، وطالبها الجانب الفلسطيني بالإسراع والتعجيل بفتح تحقيق رسمي في الحالة الفلسطينية.

"المكتب الفلسطيني في لاهاي، والذي يُتابع مع المحكمة الجنائية، يرى بأنّ لا يجب اللجوء لخطوة إحالة الملفات، بدعوى أنها لن تُضيف جديد أو تُغير في إجراءات المحكمة" حسبما أفاد د.عبد الرحمن أبو النّصر.

وأضاف أن "الموضوع مُتعلّق بالمركز القانوني للجانب الفلسطيني، فبإحالة الملفات تُصبح فلسطين في مركز قانوني مُختلف عمّا هو الآن –قبول اختصاص المحكمة- وهذا يُعطيها الحق بالاستئناف في حال كان قرار المحكمة سلبي ولم يُفضِ إلى استدعاء أشخاص أو إصدار مذكرات قبض عليهم للتحقيق، بخلاف الوضع الراهن الذي لا يُعطي فلسطين الحق في الاعتراض على قرار المحكمة أو نتائج الدراسة التي تُجريها حالياً. في الحالة الأخيرة يحق لفلسطين إحالة الملفات، ولكن نعود لنقطة الصفر".

وكشف د.أبو النّصر أن الفصائل الفلسطينية وعدّة مؤسسات وخُبراء دوليين يروْن في خطوة الإحالة، ضرورة مُلحّة، كي "يتم تسريع عمل المحكمة". مُضيفاً "نحن الفلسطينيين في عُموم ملف الجنائية، نرى أنّنا في معركة، لذا يجب أن ندرس ونستشرف الوضع القانوني بدقة، والإيجابيات والسلبيات لكل خطوة، وأن نستعين بخبرة خبراء دوليين".

وحول موعد التقرير في قضيّة الإحالة من عدمها، قال د.غازي حمد إنّ الموضوع شائك، وهناك أطراف دولية تُحاول إجهاض هذا الحراك الفلسطيني"، مؤكّداً أن "اللجنة ستصل لحسم واضح لهذه الخطوة، كما أنّها معنية بأن تدفع بمُجرمي دولة الاحتلال للملاحقة والعقاب".

جدير بالذكر أن الملفات التي يجري النقاش حول إحالتها هي ملفّات الحرب على قطاع غزة صيف العام 2014، وملف الاستيطان، وملف الأسرى، ثلاثتهم معاً أو كل ملف على حِدة.

د.حمد لفت إلى أنّ اللّجنة الوطنية هي سيدة نفسها، وليس لها اعتبارات سياسية، الأمر الذي ناقضه د. أبو النَصر بالقول أن "جزءًا من القضية هو أمر سياسي".

مؤّسستا "الحق" و "الميزان"، الفلسطينيّتان، أعلنتا في أكثر من مرّة تعرّض مُوظفين لديهما لتهديدات، وصلت بعضها للتهديد بالقتل، على خلفية العمل في ملف المحكمة الجنائية، وهو ما استنكرته المؤسستان وطالبت على إثره "المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمجابهتها ووضع حد لها".

التهديدات بحد ذاتها، ليست مُستهجنة، فمنذ توجّه العين الفلسطينية صوب المحكمة الجنائية الدولية، لم تتوقف التصريحات التي تُدين وتستنكر وتُهدد الفلسطينيين حكومةً ومؤسسات. وقد أوقفت "إسرائيل" تحويل أكثر من 120 مليون دولار أمريكي من عوائد الضرائب التي تحصّلها نيابة عن السلطات الفلسطينيةـ كإجراء تهديدي.

منسق البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان، سمير زقوت، قال إنّ المركز يُعارض أيضاً خطوة إحالة الملفات للجنائية، الآن، ورأى أن "تقديم معلومات للمُدّعي العام تدفعه لفتح تحقيق، أفضل من خطوة إحالة الملفات رسمياً والمُطالبة بالتحقيق"، مُبرراً ذلك بأن "النتيجة واحدة، لكن الأفضلية للخيار الأوّل كون التحرك من قِبَل الجنائية تمّ بدون طلب من دولة طرف ذات مصالحة بإجراء التحقيق".

وعليه، قد يتساءل أحدهم، حول مدى تأثير تلك التهديدات على الجانب الفلسطيني، حكومةً ومؤسسات، خاصةً وأن من يُعارض خطوة إحالة الملفات للمحكمة الجنائية الدولية، في الوقت الحالي، هم وزارة الخارجية الفلسطينية، والتي يُمثّلها المكتب العامل في لاهاي، إضافة إلى عدد من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية ومنها "الميزان، الحق"، بينما كل ما عدا هذه الأطراف، فهم مع الإحالة، وهم خبراء فلسطينيين في القانون الدولي والفصائل الفلسطينية والوزارات المختلفة والمؤسسات الأخرى.

سمير زقّوت، قال "إنّ التهديدات الإسرائيلية وصلت للتوعّد بتجفيف منابع تمويل المحكمة الجنائية الدولية، وهي تهديدات طالت أيضاً المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، ومموليها، فلم تترك إسرائيل مانحاً أو ممولاً لهذه المؤسسات إلا وأرسلت له رسائل تهديد".

وتدرس دولة الاحتلال في الوقت الحالي، السماح لوفد من المحكمة الجنائية الدولية بزيارة "إسرائيل"، في إطار الدراسة الأولية التي تُجريها، وفقاً لما نشرته صحيفة هآرتس "الإسرائيلية"، لكن الوفد لن يجمع أية أدلة، ولن ينظر في شكاوى فلسطينية، وأن زيارته للأراضي المحتلة ستكون فقط للحوار حول عمل الجنائية.

"إسرائيل" وجدت في هذه الزيارة "فرصة إضافية للتوضيح بأنه لا مكان ولا سلطة للمحكمة الدولية للتدخل والنظر في الشكاوي الفلسطينية".

مصادر "إسرائيلية" اعتبرت طلب المحكمة الجنائية زيارة الأراضي المحتلة ما هو إلا  "محاولة من قِبل المدعية العامة للتخفيف من الضغط الفلسطيني على مكتبها والإظهار بأنه يتم التعامل مع الشكاوي التي قدموها".