Menu

عُمر الحكاية (الجزء الرابع 2): دقائق قبل الاغتيال..!

أحمد نعيم بدير

غزة _ خاص بوابة الهدف

سلسة "عُمر الحكاية" تأتي ضمن ملف خاص أعدته بوابة الهدف الإخبارية، في الذكرى الأولى لاغتيال المُناضل والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، عُمر النّايف.

في أحد الزيارات، أخبر عُمر زوجته أنّ هُناك شيئاً مُريباً حصل، الليلة الماضية.

"مبارح بالليل سمعت حركة أشخاص في حديقة السفارة، بعدها دخلوا جوّا، أخدوا جولة.. وبعدين طلعوا!".

صباح الثلاثاء 23 فبراير 2016، ذهبت رانيا إلى عُمر في السفارة، وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي تُشاهد بها زوجها؛ الذي أخبرها بألّا تأتي في اليوم التالي والذي يليه (الأربعاء والخميس)؛ لأنها وكعادتها، ستأتي الجمعة وستبقى برفقته حتى صباح الاثنين.

مرّت الساعات، أكثر من مرّة، أخبر عُمر رانيا، عبر الهاتف ملاحظته تحرّكات وأمور غريبة تحصل، مكالمات ورسائل تُحذف فجأة من هواتفه الخاصة، الانترنت يُقطع عنها ويعود فجأة. إضافة إلى خدمة الاتصال الدولي كان تُفصل أحياناًـ خاصة عندما كان يُريد مهاتفة أحد أفراد عائلته.

هذه المُلاحظات، ربّما شخص آخر- غير عمر- لن يُلاحظها، لكنّ هذا المُناضل يعلم ويُدرك أنّ دولة الموساد ستظلّ تُلاحقه، ولن تغفل عنه، لهذا حسّ عمر الأمني لم يغفل قط.

الأربعاء 24 فبراير، السادسة مساءً. لا يوجد في السفارة أحداً سوى عُمر. بعد أن انتهت ساعات الدوام وانصرف الجميع، صعد عُمر للطابق الثاني ليستحمّ تاركاً خلفه الأضواء الموجودة في ممر الطابق الأول مُشتعلة. خرج من الحمّام ليتفاجأ بأن هواتفه منقولة من مكانها، والكهرباء مفصولة عن الطابق الأول!.

ذهب مُسرعاً لينظر إلى مصدر صوت السيارة التي تحرّكت فوراً من كراج السفارة. نظر من النافذة علّه يرى من تسلّل للدّاخل قبل لحظات وفتّش في هواتفه. رأى السفير المذبوح بسيارته مُغادراً المكان بسرعة. هُنا استشاط عُمر غضباً "ماذا يريد منّ هواتفي؟!".

"كيف عرف أصلاً أن عُمر في الحمام؟!. الجواب ببساطة أنّه بلا شكّ هُنالك أجهزة تنصّت مزروعة داخل السفارة، وهواتف عُمر الثلاثة مُراقبة، وهذا ما حاول في أكثر من مرّة أن يشرحه لي، فقد كان يسمع أصوات رنين غريبة حين كان يتحدّث عبر هواتفه".

ليلة الخميس

7:30 جرى اتصال بين رانيا وعُمر، أخبرها بأن تأتي في الصباح ومعها الطعام، كما هو مُتّفق.

"قلّي: هاتي خبز بزيادة، عشان يكفّي ليوم الاثنين. وخبّرني بنفس الاتصال إنّه اكتشف إنّه فيه غرفة فاضية في السفارة، على عكس ما كان يقوله السفير، واللّي بسببه ظلّيت في الصالون أكثر من شهرين".

أخبرته رانيا أنها ستأتي في الصباح، ومعها تلفاز، وستقوم بتنظيف وترتيب الغرفة الجديدة كي يستقر بها. ذهبت رانيا للنوم حتى تصحو مُبكراً وتُجهز الطعام ومجموعة من الأغراض لزوجها الذي ينتظرها في السفارة.

9:00 هاتف عُمر والدته واطمأنّا على بعضهما، وأخبرها أنّه ينتظر زوّار في السفارة وانتهت المُكالمة. من كان سيأتي عند عُمر؟!.

11:00 تحدث عُمر مع شقيقه حمزة، المُتواجد في الأردن، عن مُضايقات السفير له التي أكّد أنّها لن تؤثر في قراراته أو وجوده في السفارة، كان دوماً يُخبر حمزة "رح أظل صامد لآخر لحظة".

ذاك النهار

7:50 صباح الجمعة 26 فبراير. رانيا تُعدّ الطعام. رنّ الهاتف، سعدي عمّار على الطرف الآخر؟! من النرويج.

"في ناس دخلت على عُمر في السفارة وضربته، ودمّه سايح، خدي سيارة فوراً وروحي على السفارة".

ثوانٍ، انقلب فيها المنزل. أيقظت رانيا محمد ابنها، بدّلا ملابسهما وتوجّها فوراً للسفارة بالسيارة التي كان يقودها محمد. لم يتوقّف على أي إشارة مرور. لم تمرّ أكثر من 10 دقائق حتى وصلا.

8:10 عناصر من الشرطة وطبيب كانوا يتواجدون خارج السفارة!. الباب الخارجي كان مفتوحاً. دخلت رانيا إلى السفارة ورنّت جرس الباب الداخلي، ففتح لها زُهير الأشوح، ولف ظهره عائداً للداخل بلا أي ردّة فعل. لتسأله رانيا فوراً، أين عُمر؟!. لم يُجِب.

"جْرِيت على الصالون أشوف عُمر. محمد إبني طلع فوق بسرعة يدوّر عليه، يمكن كان نايم فوق.. شُفت دم على الأرض، لكن يبدو انها كانت مشطوفة. سألت زهير كمان مرة وينُو.. مردّش!".

يــا دَمَـــهُ

التفتت رانيا خلفها ورأت شخصاً مُمدّداً على أريكةٍ، مُغطّى ببطّانية.

"مش عارفة كيف رفعت عنو وشُفته". كان غارقاً في دمه. صُدِمَتْ وصرختْ وأُصيبت بالدّوار على الفور. رجع محمد من الطابق العلوي مُسرعاً على صراخ أمّه، ورأى ما رأى. هُنا دخل الطبيب الذي كان في الخارج، ومعه آخر–طبيب أسنان- حاولا أن يُعطيا رانيا دواءً في فمها، غصباً، "ما كُنت مرتاحة، وما رضيت أشربُه".

"تبيّن لاحقاً أنّ ذانك الطبيبان تواجدوا في مقر السفارة بتوجيه من السفير، وهما أوّل من روّج لفرضيّة الانتحار".

بعدها كل من علم باغتيال عُمر، كان يحضر للسفارة على الفور، حتى امتلأت بالناس.

9:30 وصل السفير المذبوح إلى مقر السفارة. بالتزامن وصل فريق من المُحققين البُلغار وصعد للجلوس مع السفير في مكتبه، تاركاً مسرح الجريمة!

ظلّ فريق المُحققين نحو ساعتين، عند السفير في الطابق الثاني، تاركاً خلفه كل من تواجَدَ بالسفارة، يعبث بمسرح الجريمة.

"الناس الموجودة لعبت في مسرح الجريمة، وغيروا ونقلوا أماكن كتير أشياء".

كأنّ الأمر مُتعمّداً، هل يحاولون إخفاءَ أمرٍ ما؟!.

بعدها طلب فريق المُحققين من رانيا، الدخول إلى إحدى الغرف للبدء بأخذ البصمات، ثم أخرجوا جميع الناس إلى خارج السفارة.

إحدى صديقات رانيا البُلغار وتُدعي ديسي سلافا كانت تتواجد في المكان، وسألت عن الهواتف أكثر من مرّة. بعد أن بحثت عنها مراراً دون جدوى. أشارت لها رانيا –والتي ظلّت لدقائق عاجزة عن الكلام- بأنّها وجدت الهواتف بالغرفة، لترد ديسي بتعجّب، وتُؤكّد أنّ الهواتف لم تكُن قبل لحظات في هذا المكان، التي سبق وبحث فيه.

"المُحققون لم يفعلوا شيئاً، لم يفحصوا شيئاً، كان وجودهم شكلياً".

الكذبة الأولى

أحد مُستشاري السفارة، ويُدعى جمال عبد الرحمن، اعترف لاحقاً بأنه هو من أخذ هواتف عُمر، ثمّ أعادها، بحجة أنّه كان يُريد معرفة من هاتف عمر الليلة الماضية. وما كشف كذبته أنّ برّر لرانيا إعادته للهواتف بأنّها "محميّة بأكواد إغلاق"، لكن هواتف عمر لم تكُن بأكواد.

"سلّموني هواتف عمر، بعد شهور طويلة من استشهاده، وجدتُّ أشياءً كثيرة ممسوحة، خاصّة الرسائل وسجلّات المكالمات وبعض الأرقام!".

"حاولوا إخفاء الكثير من الأمور. أعتقد أنّهم صُدِموا وارتبكوا من وصولي المبكّر لمقر السفارة. حين وصلت، وجدتُ بقعتين صغيرتين من الدماء، على مسافات مُتباعدة على أرضيّة الحديقة الخارجيّة, كما وجدتُّ دماءً في الصالون داخل السفارة، وكذلك بقايا مياه، يبدو أنّ أحدهم وصل باكراً وشطف المكان".

في ذات اليوم، أصدرت السلطة الفلسطينية قراراً يقضي بتشكيل لجنة تحقيق، وإرسالها إلى العاصمة صوفيا، لكنّ عائلة النايف طالبت بأن تكون مُشاركة في لجنة التحقيق، فتقرّر أن يكون د. كاشف النايف، شقيق عُمر، أحد أعضاء لجنة التحقيق.

وصل د. كاشف المُقيم في سلطنة عُمان، صباح السبت، وتوجه فوراً إلى مقر السفارة الفلسطينية في صوفيا، ليُعاين مكان الجريمة. وصلت اللجنة، في اليوم التالي، وكانت تضم إلى جانب كاشف كممثل عن العائلة، عمر شحادة عن الجبهة الشعبية، وتيسير جرادات مستشار في وزارة الخارجية، وعارف صالح مسؤول الفرع الخارجي في جهاز المخابرات العامة الفلسطيني. التقت اللّجنة بكاشف في منزل شقيقه عمر، لبدء العمل.

"من أوّل جلسة تحقيق، أدركتُ أن اللّجنة لن تفعل شيئاً، ومهمّتها شكليّة ليس إلّا. بدأت اللجنة بالتحقيق مع السفير المذبوح، وتفاجأتُ بوجود شخص غريب، في الجلسة، يُدعى محمد صيدم، قال السفير أنّ مهمّته "كتابة محاضر التحقيق". راودني الشكّ، لذا قررتُ كتابة المحاضر بنفسي".

يتبع في الجزء (الخامس) والأخير: كل إشي واضح!