Menu

لأجل الانسان

لأجـل الانسان

بوابة الهدف

التراجع والتشرذم الوطني في فلسطين، الذي يؤدي لكل هذا التردي والارتباك، ليس وليد الصدفة، بل هو جزء من حالة التراجع العام في البنى الوطنية في المشهد العربي ككل، الذي لا يمكن فصله عن التشوه الكبير الذي تم إلحاقه بالبنى السياسية والاجتماعية، لكافة مكونات العمل السياسي العربي.

من تابع كيف تطورت الاستقطابات الثنائية بين القوى اليمينية الاستبدادية الحاكمة، والقوى الطائفية الأكثر يمينية، يُدرك الدور الضروري الذي كان يلعبه اليسار والقوى التقدمية في تثبيت الحد الأدنى الضروري من التوازن المجتمعي، وتأثير ثقله السياسي والجماهيري في حضور القيم التقدمية، والخطاب الذي يحترم حقيقة الانسان ووجوده وحريته، بل حتى اضطرار أكثر القوى اليمينية التقليدية المعبرة عن البرجوازيات الوطنية آنذاك لاستعارة جزء من خطاب اليسار وقيمه.

لم يكن الحديث عن العدالة الاجتماعية وحق الشعوب في تقرير مصيرها والعداء للإمبريالية، يغيب عن أي خطاب يطمح لنيل رضا الجماهير، وبالمقارنة مع المشهد الحالي يمكن تلمس الانهيار الكارثي للمنظومة القيمية، حيث تتناحر  قوى طائفية لا تؤمن بأي من قيم المواطنة والمساواة الانسانية، وقوى أخرى ترهن مستقبل شعوبها ووجودها بتبعيتها لقوى الهيمنة والاستعمار والمركز الإمبريالي.

تراجعت حقوق العمال والشرائح المهمشة ويجري سحقها لحساب تضخم ثروات وسطاء الاستعمار، وانهار الموقف السياسي الفلسطيني والعربي، وباتت قضايا الشعوب وفي مقدمتها قضية فلسطين عرضة للتصفية والبيع الرخيص مقابل حفاظ النظم على بقائها، أو للاستلاب والتشويه من قبل القوى الطائفية التي حولت قضية حرية وكرامة الانسان الى حرية ذبح الانسان وإهدار كرامته.

هذا ليس مديح لليسار بل اتهام واضح له على القصور، فكل لحظة انكفاء أو انهيار أو فقدان للإيمان بالدور التاريخي الملقى على عاتق هذا التيار هو جريمة بحق الذات وبحق الشعوب وحاضرها ومستقبلها.

هذه دعوة لحضور برنامج اليسار ووحدة قواه، والقيم التقدمية بشكل واضح ودون ذرة من الارتباك أو التلعثم، فالمخرج اليوم لدمشق و غزة والقاهرة وبيروت وبغداد، إعادة الاعتبار للإنسان والقيم التي تحترمه، واستعادة المناضل اليساري لإيمانه بدوره في هذا المضمار، واستعادة كل تشكيل أو حزب تقدمي لحيويته وتمسكه برسالته في مواجهة كل هذه الهجمة التي ترمي لتحويلنا لوحوش دواعش أو عبيد خانعين.

هذه الشعوب لن تستسلم، وستنهض حتماً وستعيد انتاج قواها، ولكن يتوقف الأمر على ايماننا بها وبحقوقها، وإيماننا بحتمية الشروق لشمس الشعوب، واستعدادنا للتضحية على هذا الطريق.