Menu

التعاون الأميركي-الروسي حول سورية: عامل الخوف

جيمس لاروكو

بوتين وأوباما

جيمس لاروكو

الإعلان عن عقد اجتماع بين فلاديمير بوتين وجون كيري حول سورية، شأنه شأن الزيارة اللاحقة التي قام بها دانيال روبنشتاين من مكتب الشرق الأدنى التابع لوزارة الخارجية الأميركية إلى موسكو، ربما يكونان قد أدهشا بعض المفكرين من الخارج. لكن، بالنسبة لأولئك الذين يتتبعون تطورات آراء القيادة حول سورية في كلا البلدين، كان المدهش أن لا تكون اجتماعات هؤلاء المسؤولين قد عُقدت في وقت أبكر.

على الجانب الأميركي، ما يزال -وسيظل- أي تحمس لاتخاذ أي خطوات من شأنها زيادة الانخراط الأميركي -أو حتى التلميح إلى "ملكية" الولايات المتحدة للنزاع السوري، مكبوحاً بصرامة. ورغم المساعي المتكررة التي يبذلها الأتراك والسعوديون وال قطر يون والأردنيون طوال أعوام، ودعوات بعض الأوساط في الولايات المتحدة إلى اعتبار النزاع في سورية واحداً من نوع "ادفع لي الآن أو ادفع لي لاحقاً"، حيث تزداد التكلفة عاماً بعد آخر، فقد ظل أوباما يقاوم جره إلى المعمعة. رغم أن عكس وجهة الصعود السريع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" أصبح أولوية أمن قومي أميركي عليا، فقد احتلت سورية مقعداً خلفياً. وكانت الحملة العسكرية -وما تزال- تحمل عنوان: "العراق أولاً"، مع خطوات متواضعة فقط لتسليح قوات المعارضة السورية، وقصف جوي يستهدف بشكل رئيسي البنية التحتية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وأصوله الاقتصادية. لكن محللين عسكريين ومدنيين بارزين على حد سواء، أكدوا في الشهور الأخيرة أن النظام السوري لا يمكنه أن يكسب، وأنه في الحقيقة ربما "يخسر"، وأن الكاسبين سيكونون على الأغلب تقريباً خليطاً من أولئك الذين تصفهم الولايات المتحدة بأنهم متطرفون. وقد فاقم حالة التحذير الأميركية التحرك التركي لفتح الصنابير أمام تدفق المقاتلين الأجانب والموارد المخصصة لدعمهم. وتبدو الشراكة التركية السعودية الأخيرة مصممة على ضمان أفول بشار الأسد، مع إيلاء القليل من الاهتمام لما سيحدث في اليوم التالي. وقد حفز ذلك نظرات جديدة لما يمكن عمله لاحقاً. وعلى الجانب الروسي، مضى التغير في الرأي بسرعة أكبر. وعندما جاء محلل روسي رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام، قال مباشرة إن سورية تشكل بالنسبة لروسيا قضية هامشية، وإن صعود التطرف هناك لا يحتل اهتماماً كبيراً، وإن الأسد سيبقى حتى نفسه الأخير، إذا اقتضت الحاجة -وإن ذلك يأتي بعد سنوات كثيرة، إذا حدث أصلاً. لاحقاً، مع ذلك، وفي مباحثات غير رسمية انخرط فيها روس وأميركيون، كان هناك اعتراف متزايد بأن صعود التطرف في سورية، بما في ذلك "داعش" بشكل خاص، هو مصدر قلق مباشر لروسيا. وكانت هناك مخاوف متنامية أيضاً إزاء عدد الروس المسلمين، وأولئك من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، الذين يهرعون للانضمام إلى "داعش" في سورية. ما الذي سيحصل عندما يعودون؟ بالإضافة إلى ذلك، تجاوز الروس الولايات المتحدة إلى حد كبير في الاعتقاد بأن انتصاراً للمتطرفين في سورية هو أمر محتم، وقد يكون ظاهراً مسبقاً في الأفق. فما الذي سيكون عليه ذلك الانتصار؟ سوف تبث أفلام الفيديو لعربات محملة بالمقاتلين المبتهجين الملوحين بأسلحتهم، رافعين رايات التطرف فيما هم يسيرون إلى داخل دمشق، ليكون ذلك بمثابة "أخبار عاجلة" في كل قنوات العالم. وسوف ترسل هذه الصورة موجات الصدمة في كل العالم، بما في ذلك بشكل خاص في طريق الحزام والكرملين. وأخيراً، وفي شأن لا ينبغي إساءة تقديره، أحرجت الحكومة السورية مراراً وتكراراً حلفاءها الروس الذين أطلقوا في وقت سابق هذا العام مبادرة نوايا حسنة لجمع الحكومة وعناصر المعارضة لبحث عناصر حل سياسي. وفي المباحثات الأكثر حداثة، ذهب تصرف الحكومة السورية إلى أبعد من الإحراج، حين تم التراجع الوعود التي قطعت قبل المباحثات علناً وبفظاظة. وعند هذه النقطة، من الصعب استشراف كيفية لاستمرار هذه المباحثات، كما أن من السهل فهم غضب الروس من سلوك الحكومة السورية. يعد هذا العامل الأخير رئيسياً لفهم السبب في استعداد الروس راهناً للتحدث رسمياً مع الأميركيين. ولا شك في أن هذه المباحثات ستكون معقدة. فبداية، لا يستطيع كيري التحدث مع الروس حول أي شيء من دون طرح موضوع أوكرانيا على الطاولة. وفي هذه الحالة، سيبذل قصارى جهوده كي يمرر هذا الموضوع من تحت الباب، لكنه لا يستطيع تجنبه. ومن الممكن أن يفضي هذا بسهولة إلى إخراج المباحثات عن وجهتها وتعكير الجو. وفي الوقت نفسه، سوف يعبر الروس بصراحة عن انتقادهم المتكرر كثيراً للولايات المتحدة لتسليحها المعارضة السورية. وحسب وجهة النظر الروسية، فإن المطاف سينتهي بهذه الأسلحة وبالعديد من المقاتلين في أيدي المتطرفين. كيف تستطيع الولايات المتحدة ضمان عدم حدوث ذلك؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة التأكد من أن هناك أي أحد في المعارضة يقف إلى جانبها فعلاً؟ وسوف يضغط الروس على الولايات المتحدة للتخلي عن هذا البرنامج -أو خفضه على الأقل. ولا يستطيع كيري ولن يرضى بذلك. ومرة أخرى، سيخرج ذلك أي مباحثات ذات معنى حول إيجاد طريق لتسوية سلمية عن مسارها. سوف يتفق البلدان سراً فيما بينهما على أن انتصاراً تطرفيا هو أمر مرجح، إذا لم يكن حتمياً، وسوف يقران بأن الخوف هو الدافع الرئيسي لإجراء حوار بينهما بهدف إيجاد طريق إلى حل سياسي للنزاع. تنطوي حقيقة عقد هذا الاجتماع في حد ذاتها على مغزى كبير. سوف ترى فيه الحكومة السورية تواطؤاً بين القوى الكبرى، والذي لن يصب بأي شكل أو طريقة في صالحها.  وسوف تتساءل كل البلدان والحركات الوكيلة الأخرى، بما فيها إيران وتركيا والعربية السعودية، والعراق والأردن وقطر وإسرائيل وحزب الله والمعارضة السورية من كل الأطياف، عما إذا كانت القوتان الكبيرتان تهضمان حصصها. أين ستقف هذه الجهات في أي قرارات تتخذها روسيا والولايات المتحدة؟ سوف يحفز الخوف أيضاً كل لاعب من هؤلاء اللاعبين. وحتى الآن، نظر الوكلاء ومعظم المعارضة إلى سورية باعتبارها ملعباً من دون وجود أي حكام دوليين جديين -لا الأمم المتحدة ولا القوى الكبرى بكل تأكيد. وسوف ينظرون إلى المحادثات الأميركية والروسية كمغير لعبة محتمل، والذي يمكن أن يفضي إلى إجراءات جديدة، تتراوح بين المفاوضات الجادة والتدخل العسكري، حيث ستؤثر النتائج على مصالحهم جميعاً. متحدثاً بدون ذكر اسمه، تنبأ أحد المحللين بأن يكون للمباحثات أثر قوي في دمشق، بحيث يمكنها أن تتسبب مع مرور الوقت في انقلاب ضد الأسد على أساس إدامة النظام. وقال إن تعليقاته استندت على معلومات معتمدة من الداخل، وتنبأ بأن هذا التغيير قد يفضي إلى صدور دعوات قوية من جانب الحكومة الجديدة للضم السياسي، وهي كلمات سيرفضها الكثيرون في المعارضة، لكنها ستشنف آذان الأمم المتحدة والولايات المتحدة والأوروبيين. هل يكون كل هذا قليلاً جداً، أو متأخراً جداً؟ سوف يتبنى العديدون هذا الموقف، وسيكون من الصعب تحدي هذا الاستنتاج. فقد تم بذل القليل من العمل الجاد من أجل التوصل إلى انتقال سياسي مقبول ومستدام، بحيث أصبح من الصعب تصديق أن تحقيق تسوية سياسية سيكون ممكناً. وفي الوقت نفسه، ما لم تنضم إيران وتركيا والدول الخليجية إلى الجهد، فإن من الممكن أن تكون أي منها مفسداً كبيراً لأي اتفاقية. أخيراً، وربما الأكثر أهمية: هل المنطقة والعالم مستعدان "لامتلاك" سورية جديدة؟ وهل ستكون الولايات المتحدة راغبة في نشر قوة استقرار من نوع ما في أماكن رئيسية معينة؟ وهل ستكون دول الحدود راغبة في ممارسة رقابة حازمة على الحدود. بل، هل ستكون مئات المليارات من الدولارات اللازمة لإعادة إعمار سورية والوفاء بالاحتياجات الإنسانية الضخمة هناك متوفرة؟ يستطيع الخوف دفع البلدين إلى قطع أشواط كبيرة. ومن المؤكد تقريباً أن الخوف من استيلاء متطرف على دمشق سيدفع إلى نوع من التدخل من جانب القوى الكبرى. ولكن، هل ستذهب بعيداً إلى حد القيام بما هو ضروري لبناء حالة مستقرة ومستدامة في سورية؟ إن المباحثات الروسية الأميركية تشكل بداية، ويجب أن تلقى الترحيب. ولأنها بداية وحسب، فإنه يجب على الولايات المتحدة أن تضع في اعتبارها أن خوفها الخاص من "امتلاك" سورية سوف يحد من البعد الذي تريد أن تقطعه في الالتزام.   نقلاً عن: معهد الشرق الأوسط- ترجمة عبد الرحمن الحسيني