Menu

رؤية تحليلية ونقدية لمسيرة 50 عاماً من النضال الفلسطيني

gilbert-achkar-interview-printemps-arabe-tunisie-revolution

بقلم: برفيسور جلبير الأشقر

في هذين العامين المنتهيين برقمي 7 أو 8، انهالت مناسبات الذكرى علينا. فمن الذكرى الخمسين لحرب حزيران 1967 إلى الذكرى السبعين لإعلان دولة إسرائيل في عام 1948 وبالتالي الذكرى السبعين للنكبة، مروراً بمئوية وعد بلفور لعام 1917 والذكرى السبعين لقرار التقسيم في عام 1947، تاريخٌ مأساوي لا بدّ من أن نضيف إليه الذكرى العاشرة للشقاق بين قطاع غزة والضفة الغربية الذي تم في عام 2007. وتتخلل هذا التسلسل المُظلم ذكريات أكثر إشراقاً، منها الذكرى الخمسين لانطلاق المقاومة الفلسطينية على نطاق جماهيري بُعيد هزيمة 1967، بما في ذلك تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي سوف تصبح بسرعة أبرز فصيل يساري في حركة التحرير الفلسطينية والفصيل الفلسطيني الأهم بعد حركة فتح.

ولعلّ الذكرى الأكثر إشعاعاً في مسلسل المناسبات التاريخية الفلسطينية المتتالية ذكرى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية: قصدنا طبعاً الانتفاضة بأل التعريف، أي موجة النضال الجماهيري العارمة التي انبثقت بدءًا من غزة في كانون الأول 1987 والتي لعبت الجبهة الشعبية في قيادتها دوراً مميزاً. فإن تلك الانتفاضة المجيدة، التي أسميت آنذاك بثورة الحجارة وبلغت ذروتها في سنة 1988، قد مثّلت أعظم فصل في تاريخ النضال الفلسطيني حتى يومنا والمحطة الأكثر نجاحاً في هذا النضال.

وقد بلغت المشاركة النضالية للمجتمع الفلسطيني برجاله ونسائه وشبابه أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام الانتفاضة الأول، مقدمةً للعالم أجمع نموذجاً للتنظيم الذاتي الجماهيري في شكل لجان شعبية، انضاف إلى أبرز النماذج التاريخية في هذا المجال.

وقد أربكت الانتفاضة الدولة الصهيونية وتسببت لديها في أزمة عميقة طالت كافة مؤسساتها، ولا سيما قواتها المسلحة. كما أثارت ارتداد عدد هام من الشباب والمثقفين في دولة إسرائيل ضد حكومتهم، ذهب بعضهم إلى حدّ إعادة نظر نقدية جذرية في الأساطير المؤسِّسة للمشروع الصهيوني. وقد تسببت الانتفاضة بانحطاط جديد وعميق لصورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي، استكمل ما نتج في هذا الصدد عن الاجتياح الصهيوني للبنان قبل اندلاع الانتفاضة بخمس سنوات.

وفي المنظور التاريخي فإن الانتفاضة أتت على خلفية انتهاء مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني التي بدأت على إثر هزيمة 1967 وبلغت نهايتها مع الخروج القسري لمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت.

كان لتلك المرحلة المستندة بالدرجة الأولى إلى فلسطينيي الشتات فضلٌ كبير في وضع القضية الفلسطينية على جدول اهتمامات المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، لكنها، والحق يُقال، أخفقت في تحرير أي شبر من أرض فلسطين. فدشّنت الانتفاضة مرحلة ثانية في النضال الفلسطيني مستندة إلى جماهير الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967. وكان زخمها من القوة بحيث حثّت الدولة الصهيونية على التخلّي عن الإدارة المباشرة لمناطق الكثافة السكانية في تلك الأراضي وتسليم تلك الإدارة للقيادة اليمينية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات .

فكانت اتفاقية أوسلو لعام 1993 التي تمكّنت الدولة الصهيونية بواسطتها من تخدير ولجم الشعب الفلسطيني وهي تسرّع مشروعها الاستيطاني في أراضي 1967.

 وما لبثت الأوضاع أن انفجرت في انتفاضة ثانية بدءًا من خريف عام 2000، وقعت في فخ حمل السلاح ضد عدو متفوق عدداً وعتاداً تفوقاً بالغاً. ويعلم الجميع باقي الحكاية وتحول السلطة الفلسطينية المنبثقة من أوسلو إلى سلطة تعاون مع الاحتلال تحت رئاسة أبو مازن.

فما هي العبرة من هذه المسيرة النضالية الطويلة؟ إنها في المقام الأول أن الشعب الفلسطيني لا يستطيع فرض حقوقه على الدولة الصهيونية بواسطة الكفاح المسلح لو اقتصر هذا الكفاح على الشعب الفلسطيني دون سواه، بل يستطيع تحقيق نجاحات أعظم بكثير بمفرده بواسطة النضال الجماهيري.

والحال أن الجبهة الشعبية التي لعبت دوراً بالغ الأهمية في مرحلة الكفاح المسلح حتى حرب لبنان، لعبت دوراً أكثر أهمية بعد، بل دوراً رائداً في تأطير الانتفاضة الشعبية في أراضي 1967، ولا سيما من خلال دورها الأساسي في القيادة الموحدة للانتفاضة.

ويصبح السؤال: لماذا لم تفلح الجبهة الشعبية في التأسيس على ذلك الدور العظيم، بل أصيبت بضمور بينما تعاظم دور حركة حماس التي أسستها جماعة الإخوان المسلمين إبّان الانتفاضة ذاتها؟ هل تكمن الإجابة في قبول الجبهة على مضض بما جاء به المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر في خريف 1988 من قرارات شكّلت قبولاً بدولة إسرائيل ومهّدت لاتفاقية أوسلو المشؤومة، بينما لعبت حماس دور المعارضة الحازمة لكافة سياسات قيادة م ت ف؟ الأكيد هو أن اليسار الفلسطيني لن ينهض من جديد سوى باعتناقه موقفاً معارضاً بصورة جذرية لقطبي الرجعية اللذين يتمثلان اليوم بسلطة رام الله وبحماس، على أن يعمل، من جهة، على إحياء التنظيم الذاتي الجماهيري الذي شهدته الساحة الفلسطينية في أراضي 1967 قبل ثلاثين عاماً، ومن الجهة الثانية، على إحياء دور منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها إطاراً جبهوياً لنضال الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته بشرط أن يتم تغيير بنيتها التنظيمية على أساس ديمقراطي بما ينهي تسلط فريق بعينه على مقاديرها.