Menu

صنائع العجز والتشرذم

خاص بوابة الهدف

لا تنقطع تلك المخرجات الكارثية التي تفرزها  حروب التدمير الذاتي، وسياقات التفتيت والتجزئة التي سلطت على منطقتنا وشعوبنا، ولعل واحدة من أسوأ مفاعيلها بالحالة الفلسطينية هي دورها في تضييع البوصلة الوطنية، وإفقاد الفلسطينيين وحدتهم التاريخية حول الهدف العام لنضالهم.

الهوية، الأعداء، الأصدقاء، تلك المفاهيم لا تنشأ بقرارات ادارية او سياسية، بل يكونها الشعب بمجموع مساهماته، وبوعيه الجمعي وخلاصة تجاربه التاريخية وتموضعه في مواجهة التحديات، يدور فعل التفتيت بالأساس على تدمير هذه المفاهيم، وتمزيقها، واحلال محركات اخرى ودوافع مختلفة تحكم سلوك الجماعات والافراد داخل المجتمع، وفقط في ظلال هذا التشرذم والتيه تصبح "انتخابات" بلدية غزة معضلة وطنية تهدد هوية شعبنا، وموضع للاشتباك السياسي والمجتمعي، فكل فعل صغير أو كبير يجري وفق محددات الانقسام، محكوم لمفاعيله، تلك المفاعيل التي تأخذه بعيد عن السياق الوطني العام، أي على نحو مجافي لمفاعيل الهوية والاهداف المتكونة تاريخيا لشعبنا.

وفي الحقل السياسي - وهذا ليس من باب توزيع الاتهامات بين سلطتي الانقسام- يختل النقاش، ويضطرب القرار، وترتجف خطوات صناعه، فتعجز المنظومة الفلسطينية عن انفاذ قرار كررته كل مؤسسة رسمية فلسطينية منذ سنوات، قرار قطع العلاقات مع الاحتلال ووقف العمل بالاتفاقيات معه، هذا التردد والخطوات القاصرة في موضع واضح، يفرزه ذلك الخلل الذي لحق بالعلاقة بين البنى السياسية والعناوين الكبرى لنضال شعبنا، ومع الوعي الشعبي الجمعي المتوارث والمتطور في عدائه للمحتل.

 "على أرض فلسطين ولد الشعب العربي الفلسطيني، نما وتطور وأبدع وجوده الإنساني عبر علاقة عضوية، لا انفصام فيه ولا انقطاع، بين الشعب والأرض والتاريخ." هذا النص من استهلال وثيقة اعلان الاستقلال الفلسطيني، يذكر بالمعنى الحقيقي لوجودنا في هذه الأرض، وحدة هذا الشعب بكل مكوناته، وحدة أرضه بكل شبر فيها، اتصاله الدائم بتاريخه، وهو ما يصطدم بما يسود واقعنا السياسي الحالي، من انقطاع السياسة عن صلتها بالأرض والتاريخ والشعب بمجموعها العام والموحد، وخضوعها لمنطق التجزئة، التي لا تخرج الا خطوات جزئية، محصورة في جغرافيا ممزقة، او بافق زمني لا يرى التاريخ الا امتداد لاتفاقية اوسلو و لا يمكنه مواجهة محاولات تأبيد مصير شعبنا بظلالها، سياسات تقتطع وتجتزء من شعبنا من تشاء تقصي هذا وتقرب ذاك وتتخلى عن المسؤوليات الوطنية تجاه قطاعات وشرائح كاملة من هذا الشعب.

اننا اليوم بحاجة لاستحضار تلك البصيرة الوطنية المدركة لهويتنا وتاريخنا وعلاقتنا بارضنا، بين يدي كل خطوة سياسية او ادارية، ومدى اتصالها بالهدف الوطني العام، او تصادمها معه، فبهذا المعنى تنتج السياسات الوطنية، وتذوب مفاعيل الانقسام لصالح روابط الصلة الوطنية والاهداف المشتركة.