Menu

عن معسكرات طلائع العودة والتربية السياسية لماذا تضايقكم البنادق في أيدي الفلسطينيين؟!

أحمد مصطفى جابر

عادت هذا الصيف للظهور بقوة، ظاهرة الأنشطة الصيفية في قطاع غزة، ومعسكرات تدريب اليافعين والمراهقين، تحت عناوين طلائع العودة، أو طلائع التحرير، والتي تعكس جميعها بغض النظر عن التسمية  جهود الفصائل القائمة عليها من أجل استعادة دور مفقود، قديم، في صفوف شريحة أساسية بل لعلها الأكثر أهمية من الشعب.

وفي الحقيقة ان ما دفعني لكتابة هذا النص هو ما يمكن تسميته حالة الجدل التي قامت حول هذه الانشطة، والتي استندت في المعارضة منها الى قواعد حقوقية وتربوية و(انسانوية )، تشعر أنها في حالة استفزاز دائمة من رؤية السلاح في يد الفلسطينيين وكأن المفترض أن يكون هذا الشعب مسالما خاضعا ليتناسب مع المعايير الغربية للتضامن والنصرة التي تفرضها المنظمات العابرة للوطنيات التي تريد فرض اجندتها المعيارية على الناس (المسخمين) في المخيمات!! وفي المؤيدة لها إلى قواعد سياسية مباشرة وطنية وأيدولوجية.

 هناك بعدين لابد من أخذهما بعين الاعتبار كركيزتين للنقاش  حول هذا الموضوع، وهما البعد المكاني، أي غزة وظروفها والبعد الوطني العام وطبيعة الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ومن جهة أخرى البعد النفسي التربوي والاجتماعي لهذا الجيل، وكيف نفهمه وما هو دوره وما هو دورنا تجاهه.

ليس خافيا على أحد الظروف الاستثنائية التي يعيشها قطاع غزة، والتي تعكس نفسها مصاعب وتعقيدات لا يمكن حصرها على جيل الاطفال واليافعين، بل وتتسبب في تعرضهم لمخاطر شديدة، أساسها انعدام الامان، والعوز والفقر، وغياب الاحتضان المؤسسي الاجتماعي، ما يؤدي الى الضياع والتشتت وفقدان السبل الكفيلة بإنتاج مواطنين قادرين على القيام بأعباء الحياة، ما بالك بأعباء الوطن وعملية تحريره.

وبالتالي تصبح الحاجة ملحة إلى وجود أطر تحتضن هذه الشريحة وتوفر لها الحد الأدنى المطلوب للنمو السوي  والتوازن النفسي، الذي لا يمكن عزله ابدا في ظروف غزة عن الحالة الوطنية العامة والوضع الانساني والامني والاجتماعي في القطاع.

من المعروف طبعا أن هذه المعسكرات ليست جديدة في التجربة الفلسطينية، وان كانت تركزت في مناطق اللجوء والتواجد العلني للفصائل المسلحة في الماضي بحكم الاحتلال، ولايمكن انكار أن عشرات الالاف من الشباب الفلسطينيين قد مروا في مثل هذه التجارب في الماضي ما بقي مستمرا لغاية العام 2004 تاريخ آخر معسكر شبابي اقامته الجبهة الشعبية ان لم تخني الذاكرة.

والسؤال المطروح الان: في خضم عملية وطنية شاملة  ما الذي يحتاجه هذا الجيل التأسيسي ان صح التعبير، وما هي الاستراتيجيات التنموية والتربوية التي يجب ان يستند اليها في عملية التنشئة؟

هل يعيش الشعب الفلسطيني حياة طبيعية آمنة لنتحدث عن أسليب تربية بعيدة عن التسييس وبعيدة عن (السلاح والعنف) ومرتبطة بظروف الرفاه والحياة الامنة المستقرة، ام ان الظرف الاستثنائي الذي يمر به الشعب يفرض اخضاع النظريات لسلطة الواقع بما يعني توفير الاحتياجات الحقيقية للناس وليس تلك المنزلة عليهم بباراشوت المنظمات الغربية والمؤسسات الحقوقية التي تتعامل مع النصوص دون ان توفر بدائل حقيقية تستجيب للتطلعات والآمال والاحتياجات الحقيقية؟

ان الحقيقة الثابتة التي ينبغي ألا نجادل بها ان الشعب الفلسطيني يعيش في معركة طويلة، فرضها عليه الاحتلال، احتلال الارض وطرد الشعب، وان الاغلبية من هذا الشعب ما تزال تنظر لنفسها كمضطهدة ومظلومة وتريد ايجاد طريقة للرد على هذا الظلم والاضطهاد، ومن ضمن هذه الاغلبية، جيل كامل يرث الخدعة عن آبائه ويشعر بحجم المكيدة التي دبرت له، ويدرك أن (بذور السلام) ومعسكرات التفاعل التي تديرها المنظمات العابرة للوطنيات ليست مفيدة وليست هي الحل، بل ان المطلوب هو صياغة وطنية حازمة وصلبة لدمج هذا الجيل كما غيره في عملية كفاح شاملة تستلزم ليس فقط الانتباه إلى قضايا اليوم بل الامساك بناصية المستقبل أيضا.

ان خطاب حقوق الانسان الغربي والبكاء على الطفولة المهدورة يبقى يعرج ويفقد قدرته على التوازن والتعبير، عندما ينظر بعين واحدة الى الواقع، انه يرى أولادا يافعين يمتشقون السلاح في معسكرات التدريب فيقيم الدنيا ولايقعدها ويقدم تحليلا ناقصا ومشوها وانتقائيا يتجاهل فعليا الاحتياجات والآمال والطموحات التي تداس يوميا على يد الاحتلال لهذا الجيل ولأجيال غيره.

وبالتالي يجب النظر ليس الى ما تغيبه هذه المعسكرات والانشطة بل الى ما تقدمه فعليا ما يجب أن تقدمه لهذا الجيل، ولأنني لا أعرف حقا البرنامج التفصيلي المقدم سواء في معسكرات الجبهة أو معسكرات حماس الا انني أفترض نظريا أن مثل هذه المعسكرات يجب ان تتعامل مع التالي:

الحاجة إلى التفعيل و الاعتراف: بسبب مغادرة مرحلة الطفولة والدخول في مرحلة جديدة  تنشأ حاجة ملحة للاعتراف بدورهم  وتفعيل هذا الدور بشكل ينسجم مع عوامل النمو والنضج والمكتسبات الجديدة. انهم

الحاجة إلى توزيع الطاقة والنشاط: يحسون بامتلاكهم طاقة هائلة قادرة على تغيير العالم، فهم بحاجة إلى توظيف هذه الطاقة في خطط إيجابية مفيدة. ارتباطا بالحاجة إلى تحقيق الذات: فهي مرحلة تردد وعدم تكيف وتمرد وعدم القدرة على الثبات على قيم واتجاهات محددة، يصبح تحقيق الذات ارتباطاً بأزمة الهوية مطلباً ملحاً يجب تأمينها عبر التوظيف المخطط والمبرمج، بحيث يشعر الفرد بقيمته وفائدته. وترتبط مكانة الذات بالانتماء إلى الشلة والمركز والقمة، والشعور بالعدالة والاعتراف بالآخرين وغيرها.

الرعاية الصحية والنفسية: حيث تكثر المشكلات ذات الطابع الصحي والنفسي مما يخلق ضرورة إيجاد هذه الرعاية وتوفيرها بشكل يسهل الوصول إليها.

المعرفة والتعليم: ارتباطاً بالحاجة إلى تحقيق الذات والاعتراف وسمة الفضول والاستطلاع يصبح من الضروري توفر سبل زيادة المعرفة وتنميتها والتعليم وانفتاح آفاقه. عبر مادة تثقيفية سلسلة ومقبولة ومناسبة لهذا العمر بعيدا (وبتشديد كبير ومكرر) عن الأدلجة القسرية والرغبة في توسيع التنظيم فهذا يجب الا يكون هدفا على الاطلاق.

الترفيه: تبرز ضرورته في توجيه الطاقات وتقديم بديل ايجابي وفعال عن التواجد في الشارع وعصابات الاقران عبر توجيهاً مفيد و تفريغ شحنات الكبت والفوران.

يضاف إلى ذلك كله وعلى رأسه موضوع اعادة الدمج داخل قيم الجماعة الوطنية وتزويدهم بخطوط رئيسة لهوية وطنية ثقافية واجتماعية تكون الاساس لبناء خياراته للاحقة،  وهذا الهدف يرتبط جذريا بالأدوار الأساسية للحركة الاجتماعية التي تقوم على هذا انشاط:

دور الوسيط: حيث تقوم الحركة الاجتماعية بالوساطة بين مجموعة الناس من جهة، والبنى والترتيبات والحقائق الاجتماعية من جهة أخرى. ومن هنا تبرز أهمية منظمات الشباب  واليافعين كونها المعبر الملائم والجسر الآمن المفترض به العبور بهم نحو الفاعلية الاجتماعية بخياراتها السياسية .

تنمية وصياغة ضمير جمعي: وقد أكد ماركس أن: «الضمير الجمعي له أهمية بالغة في عملية التغيير الاجتماعي». وهنا نتحدث عن مسعى توفير تعاطف وتقبل واقتناع لدى صنوف الناس بأهداف الحركة وفائدتها وعدالتها. وكما قلنا الدمج في قيم واهداف الجماعة الوطنية.

وبرأيي لأن مثل هذه الأنشطة لا تعيد  ترتيب علاقات المستهدفين  بوطنهم ومدنهم وقراهم وبلداتهم فحسب بل ترتيب علاقاتهم مع بعضهم البعض. ودمجهم في اطار وحدة جامعة يتشاركون فيها الاهداف والقيم والمعايير.

لماذا الحاجة الى التربية السياسية:

تبرز التربية السياسة كضرورة لنقل الوعي السياسي الوطني من مجال العفوية والتعاطف إلى مجال الفعل والتعاضد والمشاركة الفاعلة.

وهذه المهمة إذا لم تضطلع بها المنظمات السياسية تعني ترك هذا الجيل للفضائيات والسوق الاستهلاكية ودعاية العدو  لصياغة وعيه الذي سيكون كما هو حاصل أبعد ما يكون عن مصلحة وطنية عامة.

ومن هنا فإن أهمية التربية السياسية تكمن في كونها الأساس الذي يمكن من خلاله كسب الشباب ودفعهم نحو العمل السياسي المقصود وإعطاء وإكساب الشباب الوعي والفكر السياسي وتمليكهم لمنهج التفكير والمعرفة.

ثمة  العديد من الأسباب والعناصر التي تجعل التربية السياسية مهمة ويجب التعامل معها بجدية وعدم اهمالها حيث ان تعقد الحياة  يشير إلى أن دور المدرسة والأسرة لم يعد كافياً. وبالتالي واجب المنظمات نشر المعرفة وإطلاع الجمهور على الأحداث.

كما أن النية المستقبلية بجذب الشباب نحو العمل السياسي يتطلب أن يتملكوا حداً أدنى من المعرفة بهذا الحقل. ويضاف إلى ذلك فكرة تعزيز المواطنة والانتماء إلى جماعة معترف بها وما يساهم به هذا من تعزيز لقيمة الذات ووعي بالهوية. يساهم في إعادة بناء الذاكرة الوطنية لدى جيل الشباب. واستجماع طاقات الشباب وتوحيدها ورفع حس المسؤولية والانضباط و تعزيز قيم التعاون والتعاضد و عقلنة التمرد العفوي عند الشباب وضبطه.

 كل هذا يفرضه الفراغ الكبير الناتج عن تفريغ المعنى السياسي الوطني والذي نتج أصلا عن تفكك مجال العلاقات السياسية في مجتمع متهالك يعاني من الحصار ومن شتى أنواع الأمراض الاجتماعية مترافقا مع تراجع دور المنظمات في صفوف الناس بشكل مباشر وملموس

ولكن كيف تفكك مجال العلاقات السياسية لدى الجماعة ال الفلسطينية:

1-                   تراجع دور المنظمات والأحزاب لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية.

2-                   العولمة والاستهلاك والموضة.

3-                   تصاعد حاجات الناس بالتوازي مع تراجع قدرات المنظمات على تلمس هذه الحاجات وتلبيتها.

4-                   غياب المثل وتهتك مستوى العلاقات الإيجابية وتشوه صورة السياسة في المجتمع.

5-                   غياب الوعي وتشوهه بالعلاقة بين السياسة والحياة عموماً ما أوجد عزلة شديدة.

6-                   الوضعية العامة للحصار وممارسات العدو والضغط المتواصل على المجتمع والعقل الفردي الذي يؤدي الى التشتت والتفريغ والبحث عن ملاذ فردي منفصل عن المجتمع.

يبرز لنا واضحاً أن ما تحتاج إليه المنظمات السياسية المهتمة بالشباب هو إعادة بناء المجال السياسي وتكوين العلاقات السياسية مع الجمهور على أسس جديدة من الشفافية والتبادلية والمشاركة، هذا المجال الذي تحطم وتم تفكيكه لاعتبارات عديدة. وتعتبر مثل هذه النشاطات التي تحتاج طبعا لمزيد من العمل هي حجر أساس في هذا السياق وهذا الاستهداف.

هل تحدثنا عن السلاح في هذا النص، لا يبدو لي ذلك ضروريا، لأنه لامعنى للتربية السياسية أصلا دون تمليك الشباب وسائل الدفاع عن النفس والشعب والقدرة على استخدام السلاح في وجه عدو لا يميز هؤلاء عن المقاتلين المحترفين في مجازره اليومية. وأعيد التذكير بما قاله راشد الحسين شاعرنا العظيم:

ضدَ ان يجرحَ ثوارُ بلادي سنبلهْ

ضدَ أن يحملَ طفلٌ - أي طفلٍ- قنبلهْ

ضدَ أن تدرسَ أُختي عضلاتِ البندقيهْ

ضد ما شِئتثم .. ولكن

ما الذي يصنعه حتى نبيٌ أو نبيه

حينما تشربُ عينيهِ وعينيْها

خُيولُ القَتَلهْ

ضدَ أن يُصبِحَ طفلٌ بطلا في العاشرهْ

ضدَ أن يُثمِرَ ألغاماً فؤادُ الشجرهْ

ضدَ أن تُصبِحَ أغصانُ بساتيني مشانقْ

ضدَ تحويل حياض الوردِ في أرضي مَشانقْ

ضد ما شئتُم ... ولكنْ

بعدَ احراق بلادي

ورفاقي

وشبابي

كيفَ لا تُصبِحُ أشعاري بنادقْ