Menu

انتفاضة الحجارة.. حادث عادي يفتح طريق الحرية

انتفاضة الحجارة عام 1987 م

بداية الانتفاضة
في الثامن من ديسمبر(كانون الأول) عام 1987 دهست شاحنة "إسرائيلية" يقودها جندي "إسرائيلي" من اسدود حافلتين كانتا تقلان عمالاً فلسطينيين من جباليا-البلد، كانت متوقفة في محطة وقود، ما أودى بحياة أربعة أشخاص وجرح آخرين، واكتفت الإذاعة "الإسرائيلية" حينها بإعلان الخبر دون أن تركز عليه، واعتبرته حادث مروري عادي.

قام قرابة أربعة آلاف فلسطينيي بتشييع الشهداء، وتحولت مراسم التشييع إلى موجة من الاحتجاجات انتشرت بسرعة عبر المخيمات والقرى في القطاع والضفة و القدس لتشكل إحدى الحلقات الملحمية لما سيسمى فيما بعد بالانتفاضة الفلسطينية الأولى.

بدأ الشباب الفلسطيني والأطفال العزل في مواجهة قوات جيش الاحتلال المدججة بالسلاح، وكانت أعداد المشاركين تزداد بشكل متزايد، عندها بدأ الشباب الغاضب في البحث عن وسيلة يواجه بها قوات الاحتلال، فلم يجدوا سوى الحجارة.

تدريجيًا تحولت ثورة الغضب لدى شباب فلسطين على مقتل العمال الأربعة إلى موجة من الانتفاضة حاولوا فيها الخلاص من المحتل، غير أن السلاح البسيط الذي واجه به الشباب مدرعات المحتل العسكرية، أثار شهية وسائل الإعلام، وأصبح مادة مغرية في جميع صفحات الصحف العالمية، وبات من الطبيعي أن تتصدر صورة لطفل في السابعة من عمره يواجه دبابة يقودها جندي إسرائيلي وهو يحمل في يده حجراً، في حين يتوارى الجندي خلف دبابته خشية أن يطاله أذى من حجر الطفل.

واصلت وسائل الإعلام تغطية أحداث انتفاضة الحجارة بسبب عبقرية السلاح الذي اخترعه الفلسطينيين، وتدفقت وسائل الإعلام العالمية إلى القدس وتل أبيب وحصدت التغطية الإعلامية بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الانتفاضة أكثر مما حصده اللقاء بين الرئيسين ريغان وغورباتشوف.

خلال أسابيع قليلة كانت حملة عصيان مدني شامل قد بدأت تنظم داخل المخيمات والقرى الفلسطينية واستمرت لمدة عام ونصف وشارك فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين من مختلف الفئات والأعمار.

شباب الانتفاضة يحاصرون العدو في جباليا

خلال الأيام التي تلت مقتل العمال الأربعة، بدأت الاضطرابات تعم البلاد، وازدادت حدتها، ما دفع القيادة العسكرية في موقع جباليا لطلب إمدادات للوحدة من المجندين الاحتياطيين، لكن المشرف على الإقليم لم تكن لديه رؤية واضحة عن حجم الاحتجاجات، فأجاب على القيادة العسكرية بـ”أنه لن يحدث شيء، وستعود الحياة لطبيعتها في الغد”، ورفض حينها طلب الدعم أو إعلان حظر التجوال.

في ذلك الوقت كانت الحشود الفلسطينية التي أنهت مراسم دفن العمال الأربعة قد بدأت في الاحتشاد في جباليا، وكانت الأعداد كثيفة ما سمح لها بمحاصرة قوات الاحتلال في جباليا، ولم تهدأ الاضطرابات في اليوم التالي كما توقع المشرف على الإقليم، حيث رفض أغلب السكان التوجه إلى أماكن عملهم، كما تجول طلبة الجامعة الإسلامية في غزة في الشوارع داعين الشعب للثورة.

حاولت قوات الاحتلال تفريق الحشود التي بدأت في التزايد، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين بوابل من الحجارة، في ذلك الوقت تمكن عدد من الشباب الفلسطيني من الصعود على السيارات العسكرية والمدرعات، وهو ما أرعب قوات العدو.

بدأت قوات العدو في إطلاق عدة أعيرة نارية في الهواء لتفريق الشباب الغاضب، لكن ذلك لم يؤثر على الحشود الغاضبة، التي أرادت القصاص من قتلة العمال الأربعة، على إثر إطلاق قوات الاحتلال الرصاص في الهواء، بدأ المحتجون في التصعيد ضد عساكر الجيش الصهيوني، فقاموا بإلقاء ثلاثة زجاجات حارقة أصابت اثنتان منها الهدف واشتعلت النار في إحدى السيارات العسكرية.

عزل الملازم عوفر

في تلك الأثناء وبعد فشل قوات الاحتلال في تفرقة الشباب الفلسطيني الغاضب، وبعدما تبين أن إطلاق النار في الهواء لا يؤثر على الحشود الغاضبة، أمر الملازم عوفر بإطلاق النار على أرجل كل من يقترب من الوحدة العسكرية بجباليا، وعندما وصل إسحاق موردخاي المسؤول عن منطقة الجنوب إلى موقع الجيش قام بعزل عوفر من مهامه بسبب قناعته أن المواجهة بين الجيش الإسرائيلي من جهة والحشود الفلسطينية من جهة أخرى هي سبب الاضطرابات في قطاع غزة.

الانتفاضة تربك العدو

في اليوم الثالث للانتفاضة، توجه إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى نيويورك دون أن يأخذ أي إجراءات لمواجهة الانتفاضة. وفي غيابه قام إسحق شامير بمهام وزير الدفاع رغم كونه لم يعمل في هذا المنصب من قبل، كما أن رئيس الأركان في تلك الفترة كان حديث عهد بمنصبه ولم تكن له خبرة في مواجهة الثورات الفلسطينية. والحقيقة أن أي شخصية أمنية أو عسكرية إسرائيلية لم تكن تتوقع أن تقوم انتفاضة فلسطينية بتلك القوة. وقد سمحت هذه الظروف بانتقال الانتفاضة من قطاع غزة إلى نابلس ومخيم بلاطة ومن ثم انتشرت إلى بقية أنحاء الضفة الغربية.

عند وصول رابين إلى نيويورك تحدث وزير الدفاع الأمريكي عن الانتفاضة بإيجاز مما كان يدل على أن البعثة الإسرائيلية لم تكن تهتم بما كان يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يضاف إلى ذلك أن الفريق المكلف بنقل الأخبار إلى رابين كان قليل الخبرة فلم يكن رابين مهتما بما يجرى وكان شغله الشاغل أن ينهي إجراءات شراء صفقة أسلحة.

واتهم حينها رابين كلا من إيران و سوريا بالوقوف وراء اندلاع الانتفاضة، فارتكب دون قصد منه خطأ كبير، حيث تعارضت تصريحاته مع تصريحات اسحق شامير، القائم بمهام وزير الدفاع في ذلك الذي أكد أن “الانتفاضة كانت عفوية ولم يكن يقف وراءها أحد”.