Menu

الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور ماركسي

غازي الصوراني

الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور ماركسي هي؛ استمرار لثورة التحرر الوطني ضد الوجود الإمبريالي الصهيوني من جهة، وهي استمرار لسيرورة النضال الديمقراطي المطلبي أو الصراع الطبقي تفعيلًا للتراكمات والعناصر الهادفة إلى تحقيق الثورة الاشتراكية من جهة ثانية، وذلك انطلاقًا من العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية والثورة الاشتراكية؛ فالثورة الوطنية/الشعبية التحررية الديمقراطية؛ ترتكز إلى تحالف واسع من الجماهير بقيادة الحزب الطليعي الماركسي كشرط موضوعي راهن ومستقبلي، ويضم هذا التحالف القوة الرئيسية المكونة من العمال والفلاحين الفقراء، إلى جانب الشرائح الفقيرة من البورجوازية الصغيرة التي تتجاوز نسبتها الى عدد السكان في العالم العربي والمغاربي 60% من مجموع السكان في كل قطر ، حيث لا وجود للبورجوازية الوطنية في بلادنا؛ فقد تراجعت وتفككت وانتهت منذ أكثر من أربعة عقود، والتحق قسم منها بالبورجوازية الكومبرادورية.

في هذا الجانب أقول بوضوح شديد؛ يخطئ كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية والسير رأسًا نحو "الثورة الاشتراكية" أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في الأفق البرجوازي المسدود؛ فالثورة الديمقراطية كما أفهمها، تهدف إلى استكمال التحرر الوطني في الميدان الاقتصادي الاجتماعي والسياسي، كما وترمي إلى القيام بتحولات طبقية/اجتماعية ثورية تضمن إنهاء كل اشكال التبعية للإمبريالية وإنهاء هيمنة الكومبرادور والرأسمالية الطفيلية واقتصاد السوق في المجتمع لحساب اقتصاد التسيير الذاتي والتعاوني والقطاع العام والمختلط، وتفكيك وإنهاء مظاهر التخلف، وتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، وهذا يعني أن مهامها :

1.    تفكيك وإزاحة سيطرة البنية الاقتصادية التابعة والبنية الاقتصادية الكومبرادورية، وإلغاء سيطرة اقتصاد السوق والعلاقات الرأسمالية في الميدان الاقتصادي .

2.    تفكيك وإزاحة البنى اليمينية الليبرالية وبنى التخلف الغيبي السياسي والمجتمعي، وكذلك تفكيك وإزاحة البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة، وإزالة هيمنتها في البناء الفوقي، بما يؤدي إلى إنهاء كل مظاهر الطائفية والمذهبية واستعادة وحدة الشعب، وفق أسس الحداثة والمواطنة والعلمانية والديمقراطية. لا فرق مطلقًا بين مَن هم مِن أصل كردي أو أمازيغي أو عربي...الخ، على أن تلتزم عملية بلورة الوحدة الشعبية المشار إليها بمنطلقاتنا الماركسية المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية والطبقية، وهذا يعني إعادة هيكلة وبناء مؤسسات الدولة؛ قانونيًا وسياسيًا وثقافيًا بصورة ديمقراطية، بما يتطابق مع المصالح الطبقية لجماهير الفقراء والكادحين في سياق العمل الدؤوب لإلغاء كافة مظاهر التبعية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .      

3.    اعتماد تطبيق مبادئ التنمية المستقلة؛ المعتمدة على الذات في كل قطر من بلدان مغرب ومشرق الوطن ارتباطًا بمبدأ التكامل الاقتصادي.

وانطلاقًا من وعينا، بأن مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية هو مفهوم علمي يرتبط - ارتباطًا وثيقًا - بتناقضات الصراع الطبقي والصراع الوطني، فهي ثورة تحرر وطني مناضلة ومقاومة للوجود الإمبريالي الصهيوني من أجل اجتثاثه من بلادنا.. وهي في نفس الزمان والمكان ثورة ديمقراطية ضد أنظمة الاستبداد والاستغلال والتبعية؛ تستهدف إسقاطها ومواصلة النضال من أجل استكمال التحرر والسيادة الوطنية في الاقتصاد والسياسة والثقافة وقضايا المجتمع كافة، برؤية طبقية؛ تستهدف أساسًا مصالح الشرائح الفقيرة وكل الكادحين المضطهدين، وبرؤية تنموية تقوم على مبدأ التنمية المستقلة والاعتماد على الذات؛ فالثورة الوطنية أو الشعبية الديمقراطية - في أوضاع بلداننا الراهنة -هي الثورة التي تلتزم برؤية وبرامج تجسد مصالح وأهداف العمال والفلاحين الفقراء وكافة الشرائح الجماهيرية الفقيرة والمضطهدة، بقيادة الحزب الماركسي الثوري لضمان إنجاز المهام الديمقراطية السياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية الاقتصادية وتكريس أسسها وبنيتها التحتية وقاعدتها الإنتاجية، وفي هذه المرحلة سيتمتع المجتمع بالمعاني الحقيقية للمساواة وتطبيق مفهوم المواطنة والديمقراطية ببعديها السياسي والاجتماعي؛ طالما أن الجماهير الشعبية تشارك بشكل ديمقراطي ثوري ملموس من خلال مندوبيها في هذه العملية، بما يمكنها أن تتولى بشكل مباشر – عبر الدور الطليعي للحزب الماركسي الثوري في إطار الائتلاف الجبهاوي التقدمي الاشتراكي- إدارة شئون المجتمع عمومًا وبما يؤكد على مراكمة عوامل التطور النهضوي للبنية المادية التحتية في جميع القطاعات الإنتاجية، خاصة قطاعات الصناعة والزراعة والاقتصاد والتقدم التكنولوجي وقطاع الخدمات، بما يعزز تنمية وتوافق البنية الفوقية مع البنية التحتية، حيث سيكون التوسع المستمر في الإنتاج وتحقيق العدالة في التوزيع كفيلين بالقضاء على القاعدة المادية للرأسمالية والاقتصاد الحر ولكل أشكال المنافسة والخوف والعوز تمهيدا لانتقال الثورة الوطنية الديمقراطية؛ صوب أفقها الاشتراكي.

ووفق هذه الرؤية، فإن الثورة الوطنية الديمقراطية هي باختصار؛ ثورة وطنية وطبقية مناضلة ضد كل أشكال التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد، وضد كافة قوى اليمين الليبرالي واليمين الرجعي الغيبي المتخلف ، فهي ثورة تستهدف تحقيق الاستقلال الوطني والسيادة الكاملة على الأرض والموارد والتوزيع العادل للثروة والدخل، وهي أيضًا ثورة ضد القوى البورجوازية وكل مظاهر الاستبداد والإفقار والاستغلال الرأسمالي، وبالتالي فإن قيادة الثورة يجب أن تتولاها الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال والفلاحين الفقراء بقيادة أحزاب يسارية ماركسية ثورية، بما يضمن تطبيق أسس ومفاهيم الحداثة والتنوير العقلاني والديمقراطية والتقدم، وفتح سبل التطور الصناعي والاقتصادي وفق قواعد التخطيط والتنمية المستقلة وتكافؤ الفرص وتحديد الحد الأدنى للدخل الذي يضمن تأمين احتياجات أسرة العامل، وتحديد الحد الأعلى للدخل بما لا يزيد عن ثلاثة أضعاف دخل العامل المنتج، الذي يجب تحديده ارتباطًا بتأمين كامل احتياجات العامل واسرته وكفايتهم، إلى جانب تطوير الأوضاع الصحية والتأمينات الاجتماعية والثقافية والرفاه للجماهير الشعبية وتحقيق مبادئ واليات العدالة الاجتماعية الثورية . 

بهذا التوجه في الرؤية والبرامج، فإن الثورة الوطنية الديمقراطية؛ تستهدف القيام بتحولات نوعية عريضة؛ ديمقراطية ثورية تحقق انهاء البنية الطبقية الرأسمالية وأدواتها الطبقية بكل تلاوينها ومسمياتها ومصادرة ثرواتها، ضمن خطة تستهدف بناء الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية المستقلة من خلال: إقامة التعاونيات، وتطوير وتوسيع الصناعة الوطنية والزراعة المكثفة والتجارة الداخلية مع دور مركزي للدولة بالنسبة لأولويات التجارة الخارجية، بما يضمن توفير أسس بناء البنية الفوقية للنظام الثوري الديمقراطي الجديد بالقطيعة مع البنية الامبريالية والطبقية  الكومبرادورية السابقة وكافة البنى اليمينية السائدة، عبر تحطيم العلاقات ما قبل الرأسمالية، وتصفية التخلف الاجتماعي الثقافي جنبا الى جنب مع خطط محو الأمية، وتطوير الصحة والتأمين الصحي المجاني للفقراء الى جانب العلم والثقافة الوطنية ببعديهما القومي والانساني، وبناء الجيش الوطني والمؤسسات الأخرى التي تخدم أغراض الدولة الوطنية الديمقراطية، وهنا بالضبط؛ فإن الثورة الوطنية أو الشعبية الديمقراطية هي مرحلة انتقالية صوب الاشتراكية. وبالتالي؛ فإن القوى التقدمية اليسارية الماركسية في بلدان وطننا في المشرق والمغرب، يجب أن تتوحد أو تأتلف في إطار جبهوي في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها من أجل مراكمة توسعها ونضالها في أوساط جماهيرها – في كل قطر من بلداننا - ضد الإمبريالية وتوابعها أنظمة الاستبداد والتخلف على طريق استمرار النضال لاستكمال مهمات وأهداف الثورة الوطنية الديمقراطية، من أجل إقامة مجتمع اشتراكي خال من الاستغلال، قائم على مبادئ ومفاهيم الحداثة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والعلمانية والإنسانية على طريق تحقيق مهمات وأهداف الثورة الوطنية التحررية الديمقراطية على طريق بناء المجتمع الاشتراكي.