Menu

التنظيم... آلة حرب الشعب

بوابة الهدف الإخبارية

خاص _ بوابة الهدف

ما نظرّت له الثورة الفلسطينية أو حاول الشعب الفلسطيني فعله منذ بداية الغزو الصهيوني، هو حرب مشتعلة ضد هذا الغزو في كل بقعة من فلسطين يحتشد لها الكل الفلسطيني، الأمر ذاته في هذه المرحلة، يحاول الفلسطينيون في الأرض المحتلة بناء نظام حرب  خاص بهم ضد العدو الصهيوني، ومعظم التصورات لهذا الشيء أو الحالة تتقاطع مع نموذج للعمل المسلح الاستنزافي الذي تسانده حالة جماهيرية تشتبك مع الاحتلال بأدوات ما دون العسكرية؛ عنف يردع العنف الصهيوني ويستنزف آلة الحرب الصهيونية وموارد الكيان وحتى عنصره البشري.
تأسست الفصائل والمؤسسات الوطنية الفلسطينية كأداة لهذا الغرض أصلًا، ولكن في هذه المرحلة بالذات، يبدو هذا النموذج مجتزأ في حضوره؛ مشروع الثورة الفلسطينيية لأجل التحرر الوطني، تحول لسلطة وجهاز حكم ادعائه التأسيسي كان إمكانية تحوله لدولة على حدود العام ١٩٦٧، من خلال إثبات شيء ما للقوى الدولية المهيمنة؛ إثبات قدرة على اتباع المعايير وخرائط الطريق التي تقبلها هذه القوى كشرط لمنح شعب ما شيء من حق تقرير مصيره، وهو طريق ثبت انسداد أفقه، بل وتحوله لأداة إدارية وأمنية تؤدي بعض المهام بتوكيل من الاحتلال الذي لم يُعطها من الدور إلا ما يخدم مصالحه.
في ساحة الاشتباك وفي محورها الأساسي؛ تشكيلات مقاومة مسلحة تخوض جولات من المواجهات الضروس مع العدو على أرض غزة وتخومها، لكن امتدادها على مساحة فلسطين؛ يتطلب استعادة الفصيل الفلسطيني لدوره كأداة للتنظيم والحشد والتعبئة، والنهوض بمهام اجتماعية وسياسية في حالة الاشتباك المستمر مع الاحتلال، هنا تحديدًا نقول: أن محاولة استبدال الفصيل الفلسطيني بالسلطة الفلسطينية كقائد للمجتمع وأداة لتنظيمه في ظل الاحتلال لم تكن أبدًا ملائمة، وأن أدوات نظم المجتمع وخدمته في حالة الاشتباك هي من صنف أدوات الاشتباك ذاتها، أي الفصائل والبنى الشعبية والمؤسسات الأهلية الخدمية والتطوعية، وليس وزارات ومؤسسات، وفي الداخل المحتل عام ١٩٤٨؛ الأمر ذاته لن تستطيع أحزاب الكنيست أن تنظم نضال شعبي لهزيمة الاحتلال، أو حتى لتحقيق مقولاتها حول خدمة "الجمهور العربي" وإزالة أشكال التمييز والاضطهاد الصهيوني، لا لكون تشخيصها للصراع مغالطة، ولكنها كأدوات وأجسام تحمل هذا التشخيص أعجز من أن تحقق أي من مهماتها المتدنية المفترضة.
مثلَّ الجسم النضالي الفلسطيني، الفصيل أو البنى المشتركة فصائليًا مثل منظمة التحرير أو حتى القيادة الوطنية الموحدة لانتفاضة العام ١٩٨٧؛ الشبكة التي تجمع أفراد وهيئات ومؤسسات وشرائح من قطاعات اجتماعية مختلفة، وتنظم علاقاتهم وحتى خلافاتهم على أساس وطني سياسي، وفي ظل تراجع هذا الدور، بل وقبول الفصائل بتخيلات مفادها أن مساحة المجتمع والشؤون الحياتية للناس هي مسؤولية "الحكومة" وأن دورها فيها؛ إما الحكم أو المعارضة أو الدعوة للوحدة، هذا القبول كان له مفاعيل كارثية على الفصائل وعلى المجتمع ذاته.
قبل الاتفاق بشأن السلطة ومصير الحكم وجهازه، من المهم أن ندرك جميعًا وفي المقدمة منا فصائل العمل الوطني؛ أن لا حكم؛ أن السلطة على الأرض هي موضوع الصراع بين عدوين؛ الجسم الثوري المعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني ومسعاه للسيادة على مجتمعه وأرضه، والمنظومة الصهيونية ومسعاها لاخضاع هذا الشعب لسيادتها وسلطتها وقهرها وصولًا لنفي نهائي لوجوده؛ رمزيًا وماديًا.
هذا يعني أن الهدف الأساسي من أي حوار أو نقاش أو تخطيط سياسي هو نظم جسم النضال الوطني وأدواته قبل أن نناقش مسائل نظم التمثيل أمام العالم، أو ترتيب شأن "الحكومة". إن الفصائل الفلسطينية مطالبة ببناء جسم النضال الوطني على أرضنا المحتلة ومد مساحته وخلاياه لكل شبر من فلسطين التاريخية، وتعزيز حضورها بلجان شعبية وهيئات مجتمعية رافدة للنضال وتشكل جزء من شبكته.
هذا كله لن يتحقق باستمرار ماراثون الحوار حول الحكومة فحسب، ولكن بإقرار وجوب بحث شأن البنية النضالية كجزء من استراتيجية موحدة للنضال الوطني، بل إن هذه البنية النضالية القائمة حاليًا، أي فصائل العمل الوطني هي المنوط بها إنتاج هذه الاستراتيجية النضالية لأجل التحرر الوطني.