Menu

انعكاسا لإدراكنا لطبيعة مرحلة الانحطاط العربي الراهن: أين يكمن الطريق إلى المستقبل؟

غازي الصوراني

في الإجابة عن هذا السؤال، أقول: لقد بات الرهان اليوم معقوداً على الرؤية الديمقراطية التقدمية العلمانية في بلادنا، المرتبطة باستنهاض أوضاع القوى والأحزاب والفصائل التقدمية العربية التي تعيش اليوم حالة من التفكك والتراجع والتأزم، ولا تؤهلها أوضاعها في اللحظة الراهنة للقيام بتحقيق وبلورة هذه الرؤية في المدى المنظور.

لكن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية، في هذه المرحلة، يتطلب من هذه القوى تفعيل وإنضاج عوامل وأدوات التغيير الثورية والديمقراطية الحديثة، والاستجابة لمبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن. بالتالي؛ فإن الخطوة الأولى على طريق الخروج من الأزمة في المرحلة الراهنة التي تجتازها بلداننا العربية، تتمثل في العمل على إعادة تكوين اليسار الماركسي وبناء القوى الشعبية، وذلك في إطار عمل طويل النفس يطال مستويات عدة، بدءاً من بلورة الأسس الفكرية، وسمات المشروع المجتمعي الاشتراكي المطروح كهدف راهن وتاريخي، إضافة إلى تحديد المراحل الإستراتيجية للتقدم في الاتجاه المرغوب وصولاً إلى القوى الاجتماعية التي لها مصلحة في إنجاز المشروع التقدمي الاشتراكي المطلوب.

إنّ الحديث عن كسر وتجاوز نظام الإلحاق أو التبعية والتخلف الراهن هو حديث عن ضرورة حتمية في المستقبل المنظور لشعوبنا العربية ولكل الشعوب والاثنيات الأخرى في المشرق والمغرب؛ من أكراد أو أمازيغ، وغير ذلك من القوميات التي تملك الحق بكل أبعاده التاريخية والسياسية والمجتمعية في التعبير عن هويتها الوطنية وثقافتها التاريخية المتميزة، وهنا بالضبط أشير إلى أن المجتمعات المغاربية سواء في المغرب أو الجزائر وتونس و ليبيا وموريتانيا.. الخ؛ تتميز بأن كل منها مجتمع ذو هوية وحضارة أمازيغية عربية إسلامية كهوية جامعة من الخطأ تجاوزها من ناحية، ومن الخطأ أيضاً الحديث عنها كهوية مطلقة ومغلقة على ذاتها، بل بالعكس، إن التعدد الفكري عموماً واليساري الماركسي الديمقراطي خصوصاً، كفيل من خلال التحليل الموضوعي لمصالح الجماهير الشعبية العربية أو الأمازيغية أو الكردية أو أي اثنية أخرى بجسر الفجوات بين العروبة وتلك الاثنيات، وتوفير الأسس والمقومات السياسية والمجتمعية الكفيلة بتجاوز كافة الصراعات والتناقضات الإثنية والقومية الشوفيينية بينهما، على قاعدة الالتزام المطلق بحق الأقليات في تقرير المصير، إذ لا مصلحه للجماهير الشعبية الفقيرة في إثارة النزعات العنصرية والانفصالية بين الأمازيغ والعرب، أو بين أية قومية أخرى في بلادنا، حيث أن القوى الرجعية والرأسمالية التابعة في الأنظمة الحاكمة بالتنسيق مع القوى الإمبريالية هي بالضبط صاحبة المصلحة في إثارة النزعات العنصرية بين الأمازيغيين أو الأكراد وبين العرب؛ فالأمازيغي – على وجه الخصوص - عربي بثقافته حسب المفكر الأمازيغي العروبي الراحل محمد عابد الجابري، كما أن العربي لا يمكنه تجاوز الحضارة الأمازيغية العربية والكردية العربية ودورهما التاريخي الجامع، من خلال التزاوج والاختلاط والحياة المشتركة طوال أكثر من 1400 عام، وبالتالي هناك كما يقول الجابري – في إشارة منه للأمازيغ - من تَعَرَّب وهناك من تَمزَّغ ولا وجود للنقاء، ما يعني توفّر الإمكانية الموضوعية والذاتية في الحياة السياسية والمجتمعية المشتركة راهناً ومستقبلاً وفق قواعد وأسس الديمقراطية والنهضة والتقدم الإنساني، ومن منطلق مقتضيات المصلحة العربية والأمازيغية المشتركة التي يمكن أن تلتحم في إطار جامع ومشترك؛ بعيداً عن أي نزعة عنصرية أو متعصبة، مثالنا على ذلك العديد من النخب الأمازيغية من أبرزهم رجل الدين التنويري والمناضل السياسي ضد الاستعمار الفرنسي ابن باديس، والمناضل الوطني والقومي الأمازيغي الشهيد المهدي بن بركة، والرئيس الراحل هواري بومدين، والرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، والمناضل التقدمي ابراهام السرفاتي، والمفكر الأمازيغي المغاربي محمد عابد الجابري الذي استطاع أن يقدم لنا مثلاً يُحتذى ضمن هذا البعد المجتمعي التوحيدي الجامع على طريق النهوض لشعوبنا في مغرب الوطن العربي ومشرقة وفق مفاهيم وأسس الديمقراطية والتقدم الحداثي والاشتراكية التي أرى فيها مدخلاً وحيداً لأي حديث عن التعايش المشترك بين كافه الأعراق والعصبيات والاثنيات؛ بعيداً عن أي نزاعات أو اشكاليات من ناحيه، وبما يحفظ ويحترم حق الجميع في التعبير عن وجودهم الذاتي وثقافتهم وخصائصهم بكل حريه من ناحيه ثانية، إذ لا حل لأوضاع مجتمعاتنا بكل تنوعها إلا من خلال الاشتراكية، ولكن هذه الضرورة ستكون ضرباً من الوهم؛ إذا لم نمتلك وضوح الرؤيا للمخاطر التي تفرضها علينا القوى الرجعية أو الرأسمالية الرثة التابعة الكومبرادورية الحاكمة في بلداننا؛ من منظور مصالحها الطبقية الأنانية في إثارة النزعات والصراعات الاثنية من جهة، وكذلك ضرورة امتلاكنا لوضوح الرؤية الثورية ضد العولمة الأمريكية وحليفها الإسرائيلي والرجعي العربي في بلادنا من جهة ثانية.

وعليه؛ فإن الدعوة إلى مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني وعولمة الاستسلام، هي دعوة إلى تفعيل النضال السياسي والطبقي ضد أنظمة التبعية والتخلف والاستغلال الكومبرادوري في بلادنا وإسقاطها؛ تمثل أحد أبرز عناوين الصراع العربي الراهن ضد التحالف الأمريكي الصهيوني وأدواته في بلادنا؛ مدركين أن أحد أهم شروط هذا التحدي العربي لهذه الظاهرة هو امتلاك عناصر ومقومات العامل الذاتي؛ الحزب الثوري الحامل للفكر الماركسي في صيرورته المتجددة، وبمنهجيه نقدية، للفكر والواقع معاً، ومواصلة المسيرة النضالية الثورية؛ من أجل تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية.