Menu

الحزب الثوري والعنف

بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف الإخبارية

تحدد مفهوم الأحزاب السياسية عمومًا منذ أمد بعيد باعتبارها أداة تجميع وحشد؛ لمجموعة كبيرة من الناس، ذات مصالح ورؤى متشابهة للدفاع عن هذه المصالح، هذا الدفاع أو تلبية المصالح؛ يبدو مستحيلًا إذا ما تناقضت مع مصالح المنظومة المهيمنة، سواء بمعنى الهيمنة الداخلية على أجهزة الدولة ومرافق الاقتصاد والمجتمع، أو بمعنى الهيمنة العالمية التي تنتج وتوظف وكلاء محليين لها في معظم بلدان العالم، وإذا أردنا فهم السلطة والدولة اليوم فهي أداة الطرف العالمي المُهيمن لتنفيذ القهر والإخضاع، أي إجبار معظم سكان العالم على التخلي عن حقوقهم لقلة قليلة تتمتع بالامتيازات؛ من خلال إجبار الشعوب على السماح بنهب قوتها وخيرات بلادها ومواردها.

في مواجهة ذلك لا يمكن فهم دور الحزب الثوري كأداة للتنافس على السلطة، بل بالأساس كأداة لتقويض المنظومة، وردعها عن قمع الجماهير التي يمثلها هذا الحزب أو يدافع عنها؛ بفهم آخر: إن مهمات مثل حشد الأصوات والتنافس الانتخابي والعمل الدعائي، لم تعد كافية في مواجهة منظومة هيمنة عالمية؛ تستخدم القهر وتحدد مسارات الحكم والسلطة والانتخاب؛ تمسك بقواعد اللعبة وتقوم فعليًا بتعيين وكلائها سواء عبر "صندوق الاقتراع" أو من خارجه، وهنا لا يجب فهم ما تقدم باعتباره تنظيرًا ضد الانتخاب الديمقراطي، ولكن ضد اختزال الديمقراطية والعمل السياسي في هذه الإجراءات الشكلانية، ودفاعًا عن ضرورة حماية الحق الديمقراطي للشعوب في اختيار مصيرها وممثليها، والأهم حقها في تنظيم ذاتها والدفاع عن مصالحها.

في حال الشعب الفلسطين؛ تسلط قهر المنظومة الاستعمارية لشعب فلسطين، من خلال غزو عسكري مسلح؛ نفذ برامج ثابتة للتطهير العرقي، والقتل؛ رصاص يخترق اللحم، وهو استدعى العنف الثوري كبديل رئيسي في مواجهة الموت والغزو، كأداة لحماية الوجود الفلسطيني، وإذا حضرت مهمات النضال الديمقراطي، والحشد الجماهيري كأدوات لتعبئة الجماهير في المعركة ضد المحتل، أو لتصويب مسارات صنع السياسة الفلسطينية، فإن هذا لا يمكن أن يعني تغليب المهمة التعبوية على المهمة الكفاحية، بل استثمارها بالأساس كسياق لتعميم الممارسة الكفاحية وتوسيع حيز ممارستها من أوسع شريحة ممكنة.

بكلمات أخرى: إن واجب الحزب الثوري الفلسطيني أو في الحالة الفلسطينية، ليس ممارسة العنف فحسب، في مواجهة عمليات الإبادة، بل محاولة تعميم هذه الممارسة؛ لتصبح الشكل الغالب في مواجهة المحتل، وإذ تقف دون ذلك؛ معيقات ذات صلة بتوازن القوى والقدرة التنظيمية أو التسليحية أو عنف الاحتلال، فإن ذلك لا ينفي أن جوهر نظرية التحرير بالحالة الفلسطينية تقوم على مفهوم "حرب الشعب"، أي الشعب المقاتل بعمومه أو بغالبية منه في مواجهة المنظومة الصهيونية، بما يعنيه ذلك من تحول كل فلسطيني؛ لمتراس وخندق لصد العدوان واستنزاف الغزاة.

تُقدم العمليات الأخيرة في قلب تجمعات الغزاة الصهاينة؛ نموذجًا من ممارسة العنف الثوري أقل قابلية للتعميم في حد ذاته أو بنسخته الخام، حيث ظهرت فيها قدرات تقنية استثنائية وبعد خططي نوعي، ولكنها كما اسلفنا؛ نموذجًا ليس من المنتظر أن يتحول؛ لشكل مهيمن للكفاح أو العنف الثوري الفلسطيني في مواجهة الغزاة، بل أداة ردع واستنزاف؛ تجيد استخدامها القوى الثورية المنظمة، وفقًا لبرنامج سياسي منضبط لأهداف واضحة ومعلنة.

قد يبدو كل هذا "النص"؛ خارج عن سياق اللحظة، ولكن ذلك يمكن فهمه إذا سلمنا أن الخط الثوري العنفي الفلسطيني في تصاعد مستمر، وأن اشكال الكفاح ستزداد عنفًا وضراوةً في ظل تصعيد المحتل لعدوانه، فمن أدخل النار لبيوت الفلسطينيين لن ينام هانئا في بيته، ومن أرسل الطائرات لمهاجمة بضعة مقاتلين تسلحوا بالكلاشنكوف، سيتلقى الكثير من الغارات الفدائية، وهذا كله بحاجة لبرنامج سياسي، ورؤية نضالية وكفاحية، حول أدواته والعلاقة بين هذه الأدوات وأيضًا علاقة مجموعها باللحظة السياسية.

تلخيصًا وختامًا يمكن القول: أن الحزب الثوري لا يمكن أن يكون فقط أداة؛ لإنتاج العنف الثوري، ولكن لتعميق تسييس وتهديف هذا العنف الثوري.