Menu

تحليلالعلاقات الهشة بين الدين والدولة في الكيان: من ينتصر في لعبة شد الحبل

بوابة الهدف - متابعة خاصة

مع توقيع المزيد من اتفاقيات الائتلاف بين أطراف التحالف اليميني الصهيوني الذي يقترب من تشكيل حكومته، تندلع مزيد من التورات التي تهدد أسس العلاقات الأصلية التي بنيت عليها دولة الكيان وبالذات في العلاقة بين الدين والدولة.

حيث عبر اليهود العلمانيون، وغيرهم من الأقليات الدينية عن قلقهم الشديد بشأن سلامة حرياتهم الشخصية، والدينية التي طالما كانت محفوظة بفضل التوازن الدقيق الذي أنشأه ديفيد بن غوريون بين الدين والدولة، وهو توازن طالما كان قضية متفجرة خصوصا في سياق الحديث عن تجنيد اليهود الحريديم، وهو أمر أحدث فيه نتنياهو انقلابا حقيقيا في اتفاقه مع حزب يهوديت هتوراة بتكريس الدراسات التوراتية وإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وهو مطلب كان دائما لدى الأحزاب الحريدية، وسقطت بسبب هذا الخلاف حكومات إسرائلية عديدة.

هذه القضية تنفجر الآن مع قرب انتهاء مفاوضات الائتلاف لتشكيل حكومة جديدة، حيث كشفت المداولات ما يمكن أن يمثل تحولًا كبيرًا في العلاقة بين الدين والدولة وتم تسريب قائمة مطالب حزب يهدوت هتوراه اليهودي المتشدد، وهو حجر الزاوية لعودة حزب الليكود اليميني إلى السلطة.

وأظهر المحتوى الذي تم تسريبه أن العديد من مطالب حزب يهوديت هاتوراة تركز على مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالعلاقة بين الدين والدولة. و تسببت على الفور في إحداث ضجة في العديد من الدوائر بينما سارع الليكود ، بزعامة رئيس الوزراء السابق ورئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو والحزب الذي حصل على أكبر عدد من التفويضات في انتخابات الشهر الماضي، إلى رفض أي اتفاقات تحدث تغييرا بشأن الأمور التي تشير إلى مجموعة واسعة من قضايا الحياة اليومية. في المجال العام.

ولكن هذه الإعلانات من قبل نتنياهو لايصدقها المعارضون كما هو واضح إذ أشارت التسريبات فعلا إلى تنازلات مهمة لنتنياهو في قضايا التجنيد والسبت والمزيانيات، فدءًا من تشريع إعفاء اليهود الأرثوذكس المتطرفين من الخدمة العسكرية الإجبارية إلى التفكير في تقييد إنتاج الكهرباء في يوم السبت اليهودي، أثارت المقترحات معارضة ليس فقط من خصوم نتنياهو المعتادين من اليسار، وكذلك من حزبه. ومن المكونات الأساسية لليكود الذي طالما عرف مفسه كحزب ليبرالي تقليدي، لاينتمي إلى فضاء اليهود الأرثوذكس.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مطالب يهدوت هتوراه المتحدة بتمويل الدولة للمؤسسات التي تلتزم بالقانون الهودي، وزيادة عدد الشواطئ التي تفصل بين الجنسين، والسماح لليهود برفض الدفن في مقابر متعددة المستويات، وتوفير المزيد من الدراسات الدينية في المدارس العلمانية.

من جانبه كتب نتنياهو على تويتر صباح الثلاثاء ، رداً على الانتقادات المتزايدة على الأرجح، "لقد تم انتخابنا لقيادة الدولة بطريقتنا الخاصة - على طريقة اليمين الوطني والليبرالي - وسنفعل ذلك". في نفس الوقت في حديثه في الكنيست ، يوم الثلاثاء، تعهد بأن الوضع الديني الراهن سيبقى كما هو. ووقال في الجلسة الكاملة: "سيعيش الجميع وفقًا لمعتقداتهم الخاصة".

التغييرات المقترحة التي تسير قدما على ما يبدو، ليست فقط مصدر قلق لليهود العلمانيين. بل لجميع غير اليهود أيضا في الكيان الصهيوني، حيث إن وجود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الائتلاف الجديد ينذر بالخطر لهذه الأقليات.

ومما يثير القلق بشكل خاص موقف إيتمار بن غفير ، سياسي يميني متطرف من المقرر أن يصبح وزيرا للأمن القومي. وجهات نظره الدينية القومية تهم جميع الأقليات، و يرى الكثيرون أن الحكومة الجديدة معادية لوجودهم في البلاد. و المشاركة السابقة لبن غفير في أحداث عنصرية ، مثل تصوير حليف سياسي بينما كان الأخير يمزق نسخة من العهد الجديد.

وفقًا للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية (IDI) ، فإن النمو السكاني لليهود الأرثوذكس المتطرفين في البلاد هو الأعلى بين أي مجموعة، بمعدل سنوي يبلغ 4٪. ويتوقع معهد الإحصاء أن نسبة اليهود الأرثوذكس المتطرفين في المجتمع الصهيوني ستنمو إلى 16٪ بحلول عام 2030 وستستمر في الارتفاع باستمرار وبسرعة.

ويأتي هذا في ظل "صحوة عامة" للأحزاب الحريدية الي قررت فيما يبدو الخروج من الظل وبينما كانت مهتمة بالمصالح العامة الخاصة بها فقط، فإنهم يرون أنفسهم الآن على أنهم لاعبون رئيسيون لديهم رؤية لدولة كاملة ذات طابع يهودي محدد للغاية، وهذا يترجم إلى قوة سياسية بلغت ذروتها الآن في مطالب بعيدة المدى ستؤثر على حياة جميع سكان الكيان.

وإذا كانت لعبة شد الحبال بين المكونات السياسية يمينة ويسارية من جهة وأرثوذكسية متطرفة من جهة أخرى هي سمة لازمة وثابتة في جميع الائتلافات الصهيونية فإن ما يشهده الكيان الآن هو صراع شامل بين المعسكرات على جميع الجبهات، وخاصة على الطبيعة اليهودية للمجال العام.

حيث طوال تاريخ "إسرائيل"، عمل وثبت اليهود الأرثوذكس المتشددون أنفسهم كمميزين عن الحركة الصهيونية حيث لا تعترف العناصر المتطرفة داخل المجتمع الحريدي "بإسرائيل" كدولة يهودية. وهم لا يرون أنفسهم جزءًا لا يتجزأ من الدولة. ودائما تأتي مشاكتهم السياسية لأسباب براغماتية انتهازية، ليتمتعو بسلطتهم داخل مجتمعهم ويؤثروا على الدولة في سياق تثبيت هذه السلطة، ولكن ليس كجزء من الدولة ويبدو أن هذا بدأ يتغير اليوم مع أجيال جديدة وتغير في بنية الدولة الصهيونية أيضا.

ومن المعروف أنه كانت هناك عملية تدريجية من التغييرات الطفيفة في استيعاب اليهود الحريديم في المجتمع "الإسرائيلي" ومشاركتهم الحالية في الحكومة يمكن أن تغير هذا الاتجاه. في حين أن الاندماج قد لا يتوقف ، فقد أصبح اليهود العلمانيون الآن هم الذين قد يضطرون للتكيف مع التغييرات الرئيسية. و لا توجد وسيلة للتنبؤ بتأثير هذين التيارين المتناقضين. وقد اعتبر بعض الخبراء الصهاينة أن "ما نراه هو أسس حرب ثقافية" .