Menu

40 عاماً بين الأموات ,, فأين قُلوب الأحياء ؟

المكان الذي تعيش فيه الجدة واحفادها

بوابة الهدف _ غزة _ رويدا عامر

تتعدد القصص الإنسانية في قطاع غزة, لتصنف نفسها بمختلف المسميات, ويكون لها وجود في ظل الحياة القاسية التي يعيشها المواطن الغزي، بعض القصص يعجز اللسان عن وصفها أحياناً, تبكي لها العيون ويجف عند ذكرها القلم.

عائلة الغربي, تقطن في مدينة غزة, تعيش هذه العائلة منذ ما يقارب الـ 40 عاماً بين قبور الأموات في مقبرة الشيخ شعبان وسط مدينة غزة, تتكون الأسرة من 17 شخصاً من بينهم الجدة الكبرى التي شهدت مع أبنائها وأحفادها مرارة الـ 40 عاماً لحظة بلحظة.

الأحياء والأموات

عند دخول المكان, حالة من الخوف والحزن تشعر بها, كل شيء غير عادي, إنه المكان الذي يدفن به المفارق للحياة لينهي بها مسيرة حياته، الصعب في هذا الموقف هو أن يكون أحياء لهم حياتهم ومستقبلهم, مازالوا ينامون بين هؤلاء الأموات.

تجلس الحاجة أم عبد الله بين قطع القماش وألواح "الزينكو" والتي هي عبارة عن مكونات البيت, أواني وملابس وفراش للنوم تراه مفروشاً على القبور، أطفال يركضون للعب بين القبور دون خوف, هذا هو المشهد عن قرب.

الحاجة أم عبد الله تركها زوجها قبل عدة أعوام لتصبح الراعية لأبنائها وأحفادها, تمنحهم القوة والطمأنينة حين يحل الظلام في الليل.

من المجدل للمقبرة!

 تقول الحاجة لبوابة الهدف عن سبب وجودها في المقبرة: "لا أحد يختار مكان المر بيده, لكن الظروف هي التي تجبره على ذلك فأنا لاجئة من المجدل وتهجرت مع الذين تركوا أراضيهم عام 1948م لقطاع غزة، ومن ذلك الوقت لم أجد مكان أعيش فيه الا المقبرة فكان ذلك نصيب أبنائي وأحفادي الذين شاركوني هذه المرارة لهذا اليوم".

الحرمان والحسرة في عيونهم, ومن بين قبرين يقول أحد الأطفال عن المدرسة: "ما ما بقدر أروح على المدرسة وما بنفع أروح أصلاً" ليختم كلماته مُخفض الرأس ناظراً للأرض خجلاً.

تعقب الجدة أم عبد الله على كلمات حفيدها قائلةً: "عدم ذهاب أحفادي للمدرسة وللتعليم, عادة اتبعوها عن أبنائي فعندما كانوا يذهبوا الى المدرسة يستهزأ بهم الطلاب, حتى المارة في بالشارع لم يسلم أبنائي من كلامهم الجارح لذلك تركوا المدرسة وتبعهم أبنائهم".

في هذا المكان الحي والميت يلتقيان، هذه العائلة أغلقت على نفسها المكان لتستر حزنها وحسرتها حيث لا يعمل الأبناء لجلب قوت يومهم الا من متصدق أو زائر لموتاه في المقبرة.

أحد ابناء الحاجة يقول عن حياتهم: "أحاول قدر الإمكان التخفيف عن عائلتي معاناتهم, حيث اعمل على عربة حمار "كارة" لنقل أغراض الناس من مكان لأخر, مقابلها بعض النقود لأجلب للعائلة أي شيء من الطعام".

ويضيف ببعض الخجل: "قدمت أوراقي للشؤون الاجتماعية من أجل الحصول على شكات الشؤون بشكل دوري كل ثلاثة شهور لعل هذا الشيء يخفف عنا معاناتنا".

تؤكد الجدة أم عبد الله انه "في الصباح الباكر أوصي أبنائي وأحفادي أن ينظفوا المقبرة لكي يفرح أهالي الموتى عند زيارتهم، فهم يجلبوا لنا الطعام وبعض الأشياء معهم كما ويرسل لنا الجيران القليل من الطعام ونسد جوعنا بمأكول الفقراء الدقة والزعتر".

استقبال الزوار  

زوجة أحد أبناء الحاجة أم عبد الله تشرح الحالة التي يعيشونها ليلاً: "لا أستطيع أن أنام في الليل خوفاً على أبنائي, هنا يوجد الكثير من الحشرات والقوارض فتدخل الى المكان أشياء تخاف منها ان كانت بعيدة عنك فما بالك لو كانت بجانبك مثل العقارب والثعابين وغيرها".

وتكمل الزوجة "مع كل صباح باكر أرسل أبنائي أمام المقبرة ليستقبلوا الزوار, لكي يعطوهم أي شيء من المال أو غيره لتكون مصروفاً لنا".

الجدة تختم حديثها ببعض الكلمات: "لا أريد شيئاً لي بل أناشد قلب رحيم ينظر لأحفادي بالرحمة والرأفة, يكفيهم ما ذاقوه في هذه المقبرة من خوف وبرد, فساعدوهم من أجل العيش في حياة كريمة".

بدورها قامت بوابة الهدف بالحديث مع وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان السيد ناجي سرحان ليقول عن دور الوزارة اتجاه هذه العائلات: "هؤلاء الناس يمكثون في المقبرة منذ سنوات وغياب وزارة الأشغال عنهم هو بسبب تراكم المشاكل بشكل كبير ومتعاقب من سنة لأخرى، حيث يعتبر موضوع الاسكان مشكلة كبيرة بالنسبة للمواطنين وغلاء المعيشة جعلهم غير قادرين على دفع الايجار لذلك يلجئون لمثل هذه الأماكن".

ويتابع وكيل الوزارة: "نحن وعدنا بعدة مشاريع متتالية من أجل الفقراء ولحل مشكلة السكن، ولكن للأسف لم ينفذ ذلك بسبب الحصار المفروض على القطاع، ولو اعتبرنا أن الحل بتوزيع كرفانات لهذه العائلات فسيكون هناك مشكلة بتوفير الارض, ووزارة الاشغال لا يتوفر لها أراضي لكي تضع الكرفانات عليها، فقد سبق وتقدم بعض المواطنين للوزارة وقدمنا لهم كرفان وضعوه على أراضي خاصة بهم".

الكثير من العائلات في القطاع لا حول لها ولا قوة, فعائلة الحاجة أم عبد الله مثال بسيط للأسر الفقيرة التي تعلق وجعها في رقاب من تخلى عنها وترك الجوع والفقر يقتلها يوما بعد يوم, فأين قلوب الأحياء؟.