بوسع العدو أن يحشد مواقف حلفائه دعمًا لجرائمه، وأن يحتفى بتراجع حكومات التطبيع العربي حتى عن بيانات الإدانة التقليدية لجرائمه، ولا يمكننا أبدًا التشكيك في كميات الأسلحة ونوعياتها التي تتدفق إليه، وتتسلّح بها ترسانته العسكرية، لكنّه أبدًا لا يستطيع منع بضع رصاصات يطلقها فلسطيني من بندقية كلاشنكوف أو كارلو صدئ من أن تصيب أجساد جنوده ومستوطنيه القتلة، فعلى أرض فلسطين، أرض المعركة، لن يأتي الأمريكي ليموت بدلًا من هؤلاء المستوطنين، ولن ينزل المطبعون العرب حاشيتهم متاريسَ بشريةً لحماية المستوطنين.
نحن، وبالقدر نفسه، ندرك أن من سيوقف جرافة العدو عن هدم البيوت، أو عصابات جيشه عن مصادرة الأرض ومنحها للمستوطنين، ليس قرارًا دوليًّا بات يستعصي استصداره في ظل خيبة السياسي الفلسطيني وإذعانه، للأرض أهلها وهم من يدافعون عنها، وفي مواجهة جرائم ومجازر العدو لدينا فقط ارادة شعبنا التي يحملها الفدائي ويحيلها رصاصًا في وجه الغزاة المعتدين.
يراهن العدو على المجزرة، على قتلنا أداةً رئيسيّةً لتحقيق أهدافه، ويدرك أن الفلسطينيين لن يغادروا هذه الأرض إلا إلى جوفها، وأن البنادق لم يعد بالإمكان خنقها بسياسات التنسيق الأمني أو بزيارات واتصالات من وزير الخارجية الأمريكي، وأن زنازين الاحتلال أو أسوار سجون أريحا وبيتونيا والجنيد وسجانيها لن تستطيع مواصلة خنق هذا الشعب.
حين أرسل العدو مئات من جنوده وعشرات من آلياته العسكرية لتفتح النار في القلب الحي لمدينة نابلس ومركز اكتظاظها في ذروة ساعات النهار، كان يخاطبنا بطريقته فحسب، طريقة غازٍ قاتلٍ يبتزنا بالموت منذ مئة عام، يراهن أن نستلم الرسالة ونستجيب ونخضع، أن نخسر كل معنى يستحق الحياة لأجله، لكي لا يقتلنا جنوده اليوم، وغالبًا سيقتلوننا غدًا نحن وأطفالنا وكل من وما أحببناه يومًا، هذا ثمن قتالكم أو محاولتكم للقتال والمقاومة وما عليكم إلا الخضوع، هذه رسالة عدوّنا، ولكن هذه الرسالة تغفل أننا حين لم نقاتل فقد تم قتلنا أيضًا في كلّ يوم، وأنّنا ربّما نختار أن نتعلم دروسنا بأنفسنا ونطبقها على نحوٍ مختلفٍ عمّا يأمله القتلة، أن نطلق النار كما فعل عدي وضياء، وكما فعل عبد القادر ووديع، وكما علينا أن نفعل إلى أن نغير نتيجة معركتنا مع الغزاة.
تلقى العدو جزءًا من هذه الإجابة حين استجاب أبناء شعبنا لنداء فدائييهم، ثم بالرصاص حين استجاب الفدائي لنداء أهله وأطلق النار على حواجز العدو على امتداد الضفة المحتلة في وقت متزامن، يوم للهتاف والحشد والوعي ويوم للرصاص، ربما لم تصب هذه الرصاصات الكثير ولم تكن أفضل طريقة لإطلاق النار وقتال العدو، ولكن ليس هذا موضع الحدث، فلن ننهي معركتنا اليوم، وإنما هي خطوات يرتقي فيها شعبنا طريق يعرفه جيدًا.
قد نطقت إرادة شعبنا رصاص، وأيقظ الدم الدم، وأيقظت المجزرة صوت الهتاف، وما نعوزه من تنظيمٍ وحشدٍ وتدريبٍ وتفعيل، سيأتي؛ فشعبنا لن يعدم الإرادة والوسيلة، وعدّونا لم ولن يعطينا خيارًا سوى القتال، وإن فعل فعارٌ علينا أن نقبل بعد كل هذه التضحيات إلا كامل الحلم.. وكامل الأمل.. وكامل الثأر.. وكل شبر من أرض فلسطين.