Menu

محمود الراس: المقاومة أسهمت في تأزيم وتجذير وتوسيع حدة الانقسامات داخل المجتمع الصهيوني 

الرفيق محمود الراس

غزة _ بوابة الهدف

استضافت "عرب جورنال" في حوار حصري عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، ومسؤول فرعها في قطاع غزة، محمود الراس، للوقوف عند آخر التطورات في الأراضي المحتلة، تزامناً مع تصاعد الاعتداءات "الإسرائيلية" وما يقابلها من رد سريع وفعال للشباب الفلسطيني المقاوم، الذي يخوض اليوم معركة مباشرة ومفتوحة بكامل تفاصيلها مع قوات الاحتلال الصهيوني في جميع مدن الضفة الغربية، وتسليط الضوء على لحراك الذي يقوده الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، كما يتطرق الحوار إلى تآكل الكيان الصهيوني مع تصاعد حالة الاضطرابات والانقسامات، إلى جانب مناقشة دوافع وتداعيات اللقاء الخماسي في "قمة العقبة" الأخيرة، ومختلف الملفات الساخنة في فلسطين المحتلة. 

البداية من المجزرة الصهيونية الأخيرة في نابلس وما لحقتها من محرقة في "حوارة".. أي رد متوقع للمقاومة الفلسطينية؟ وما تداعيات تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية بشكل عام خلال الآونة الأخيرة؟  

في البداية، نشير إلى أن مقاومة الاحتلال ليست ردات فعل، وإنما هي حق وواجب مستمر وقائم ما دام الاحتلال والإرهاب الصهيوني جاثماً على أرضنا الفلسطينية منذ احتلاله وحتى اليوم، ولكن بالتأكيد المقاومة ورداً على هذه المجزرة ستصعد من مقاومتها وضرباتها، ولن يكون هناك أي صهيوني أو مكان في داخل الكيان آمن من ضربات المقاومة. والدليل على ذلك قيام المقاوم المشتبك "ليث نصار" ابن نابلس جبل النار بواجبه بتنفيذ عملية بطولية في قرية حوارة، تأكيداً على خيار شعبنا باستمرار المقاومة.

وبخصوص تداعيات تصاعد الاعتداءات بشكل عام خلال الآونة الأخيرة، فإننا نوضح بأن العدوان الصهيوني لم يتوقف يوماً على شعبنا الذي يعاني من ويلات الإرهاب الصهيوني على كافة الصعد منذ أكثر من سبعين عاماً، وبالتالي أي تداعيات لهذه الجرائم لن تكون أقسى مما تعرض له شعبنا على مدار سنوات الاحتلال وحتى الآن، فالاحتلال والعدوان لم يتوقف، وصمود ومقاومة شعبنا رداً على هذا العدوان بالتأكيد لم تتوقف وستتواصل حتى دحر هذا الكيان.

ما تعليقكم على اللقاء الخماسي في "قمة العقبة" التي شاركت فيها السلطة الفلسطينية إلى جانب الاحتلال؟ وهل جاء اللقاء لوأد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة؟ وهل يهدف عودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال لتفجير صراعات فلسطينية داخلية جديدة؟

مشاركة السلطة في هذه القمة انقلاب على الإرادة الشعبية، وعصيان لكل قرارات الإجماع الوطني والمؤسسات الوطنية، وخيانة لدماء ولتضحيات شعبنا، واستهتار بدماء الشهداء الذين يروون ثرى الوطن على مدار اللحظة، كما أنه تمرد علني على قرارات المجلسين الوطني والمركزي بسحب الاعتراف بالكيان والقطع مع أوسلو ووقف التنسيق الأمني. نعم إن الهدف الأساسي لهذه اللقاءات الأمنية هو تصفية ووأد المقاومة وفي إطار حماية أمن الاحتلال. وعلى الدوام ساهم نهج التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال في تسميم العلاقات الوطنية، وتعريض أمن المقاومة والمقاومين للخطر والملاحقة والاعتقال، وأيضاً تفجير للصراعات الداخلية.

العمليات الانفرادية في الضفة الغربية و القدس المحتلة تتزايد بوتيرة عالية، تزامناً مع تصاعد حالة العصيان المدني.. أي انعكاسات لتصاعد أشكال العمل المقاوم على وحدة الساحات في طريق تحقيق الغاية الكبرى وهي تحرير فلسطين؟ وهل يمكن أن نشهد معادلات جديدة في المستقبل القريب؟
كل رد فعل مقاوم وخاصة من الضفة والقدس يُشكّل استنزافاً لجنود الاحتلال والمستوطنين، ويحقق المزيد من معادلات الردع على الأرض، وإيصال رسائل للعدو الصهيوني بأن كل فعل له رد فعل أكبر وأقوى من جانب المقاومة، والتأكيد له بأن أي اعتداء على شعبنا واستمرار العدوان وسياسة الاغتيالات سيكون رد متوقع وحتمي قوي ونوعي على هذه المجازر. وبرأينا أن تصاعد عمليات المقاومة في الضفة والقدس هو تتويج لمعركة "وحدة الساحات"، وهناك إجماع على خيار المقاومة من كافة أبناء شعبنا، والمهمة الوطنية العاجلة الآن هو توسيع رقعة هذه العمليات، وتأطيرها وتحويلها إلى حالة منظمة، وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة لتكون بمثابة مرجعية سياسية وحاضنة توفر لها مقومات الاستمرارية والحماية والشرعية السياسية.

الحراك الذي تقوده لجنة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.. إلى أي درجة سيساهم في التخفيف من التعسف والاعتداءات "الإسرائيلية"؟ وهل نحن أمام انتفاضة من نوع آخر في مقاومة بطش العدو؟

لا يمكن فصل ما يجري داخل قلاع الأسر عن الواقع الفلسطيني وتصاعد العدوان وتنامي العمل المقاوم، فالحركة الأسيرة على الدوام هي جزء أصيل وأساسي لا يتجزأ من النضال. وعلى الدوام كانت وما زالت الحركة الأسيرة في الخندق النضالي المتقدم، لذلك أي خطوة نضالية تكتيكية أو استراتيجية فردية أو جماعية تقوم بها الحركة الأسيرة ضد السجان الصهيوني سيصب بالتأكيد في مصلحة الضغط على الاحتلال واستنزافه. ما يجري داخل سجون الاحتلال من نضال متواصل للأسرى لمواجهة سياسات السجان واجراءات وقرارات المجرم الفاشي العنصري بن جفير، وما يجري على الأرض في ميادين المواجهة خاصة في الضفة والقدس، هو ارهاصات لاندلاع انتفاضة ثالثة، ولكن حتى الآن لم تنضج بعد.

يلاحظ تصاعد في الاعتداءات "الإسرائيلية" على قطاع غزة خلال الآونة الأخيرة حيث يشن غارات بين الحين والآخر الخ.. هل تعتقدون أن كيان الاحتلال يسعى لشن عدوان موسع جديد على القطاع خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان؟ وأي خيارات لمواجهة هذا العدوان؟

إن طبيعة الكيان الصهيوني وبرنامجه العدواني الذي تأسس عليه يشير إلى أن فرص تصعيد هذا الكيان عدوانه متوقعة في أي لحظة، ولذلك إمكانية شن العدو الصهيوني عدوان على قطاع غزة إمكانية متوقعة خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان. وعلى الدوام كانت المقاومة تتصدى وتواجه هذا العدوان بكل ما تمتلكه من امكانيات، وفي كل معركة تخوضها المقاومة كان يشتد عودها، ويتطور امكانياتها التسليحية والتكتيكية أكثر فأكثر، حتى نجحت المقاومة في معركة سيف القدس في تحقيق خسائر فادحة لجنود الاحتلال وبنية الاحتلال العسكرية والمدنية، أسس لمعادلة ردع مهمة. إن المقاومة الآن على جهوزية واستعداد لمواجهة أي عدوان، أو أي تصعيد قد يقدم عليه في القدس أو بحق الحركة الأسيرة.

مؤخراً كشف عضو المكتب السياسي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش، عن محاولات لتجنيد فلسطينيين في إطار قوة أمنية يتم تدريبها في إحدى الدول العربية لأخذ دور أمني في قمع المقاومة بالضفة الغربية المحتلة.. ما تداعيات هذه الخطوة الصهيونية؟ ومن هذه الدول التي تتبنى المشاركة في استهداف الشعب الفلسطيني؟

هذه المحاولات هي أمر طبيعي أسس لها نهج أوسلو المدمر الذي حَولّ السلطة وأجهزتها الأمنية إلى حارس أمن للاحتلال، فقد سعى الاحتلال والإدارة الامريكية إلى تحويل وظائف السلطة منذ تأسيسها وحتى الآن إلى وظائف أمنية، تحتكم فيها عقيدة السلطة وأجهزتها الأمنية إلى عقيدة أمنية جوهرها التنسيق الأمني مع الاحتلال. ونذكر بما حدث بعد اجتياح الاحتلال لمخيم جنين، والدور الأمريكي والجنرال الأمريكي دايتون في تصفية المقاومة، ومحاولة تطويع أجهزة الأمن وتدريبها على صناعة الفلسطيني الجديد، المنتمي إلى نهج التنسيق الأمني بعيداً عن العقيدة الوطنية، مروراً باستمرار التنسيق بأعلى مستوياته بين قيادة السلطة والاحتلال، وصولاً للقاءات الأمنية في مؤتمري العقبة وشرم الشيخ، التي جاءت نتيجة لتنامي وتصاعد الحالة المقاومة، وهو ليس في مصلحة قيادة السلطة المتنفذة والتي لها مصالح مرتبطة وعلائقية مع الاحتلال، وترى بالعمل المقاوم تهديد لمصالحها، ولذلك تسعى بكل قوة إلى العمل على وأد هذه المقاومة، والمراهنة على الدور الأمريكي في الوصول إلى هذا الهدف.

تزامنًا مع اتساع رقعة الاضطرابات التي يشهدها الداخل الصهيوني خصوصاً مع صعود اليمين المتطرف وتفكك المنظومة العسكرية.. أي دور كبير لصمود المقاومة الفلسطينية في تأزيم الانقسامات والتطورات القائمة في ساحة العدو؟ وهل يمكن أن تفجر هذه الاضطرابات "حرب داخلية" كما تؤكده الأوساط الإسرائيلية؟ وإلى أين ستقود هذه الحرب بالكيان الغاصب؟

ساهمت عمليات المقاومة وحالة الصمود الشعبي في تأزيم وتجذير وتوسيع حدة الانقسامات في المجتمع الصهيوني، لأن الركيزة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الصهيوني هي الأمن، وفي غياب هذا الأمن، تستعر حدة التناقضات والخلافات بين الجيش والحكومة الحالية من جانب، وبين العلمانيين والمتدينين من جانب آخر. وفكرة تفجر هذه الاضطرابات لحرب داخلية ضعيفة، فعلى الرغم من هذه التناقضات المستعرة بعد صعود القوى الأكثر فاشية وعنصرية وتطرف في الكيان الصهيوني، إلا أن التركيبة الأمنية العدوانية المتينة التي يتشكل منها الكيان والتي ينظمها الجيش وتحكمها العقيدة العدوانية وشن الحروب العدوانية المستمرة، والأمريكية الأمريكية المتواصلة للكيان، والتي تعتبره قاعدة متقدمة ورخيصة، لذلك تبقى إمكانية حدوث حرب أهلية غير واقعية، وبرأيي أن ما يحدث داخل الكيان يمكن وبشكل تراكمي أن يساهم في إضعاف الجبهة الداخلية للكيان، مما يمكن استغلاله واستثماره في تجذير حالة التناقضات في المجتمع الصهيوني.

وفقاً لوسائل إعلام "إسرائيلية"، فإن وزير الأمن في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير، تمنح شهرياً نحو 10 آلاف ترخيص حمل الأسلحة للمستوطنين.. أليست الخطوة تشريعاً صهيونياً لارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين؟ وما هي خيارات المقاومة لمواجهة هذه الخطوة الإجرامية؟

المستوطنون ليسوا بحاجة إلى ضوء أخضر أو تصريح لارتكاب جرائمهم بحق أبناء شعبنا، فقد كان المستوطنون دوماً أداةً تنفيذيةً في يد حكومة الاحتلال، مارست وما زالت أفظع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ونستذكر ما حدث للطفل المقدسي "محمد أبو خضير" من جريمة حرق بشعة، والهجوم الإجرامي على أبناء شعبنا الآمنين في حوارة وغيرها من الجرائم. وقد زاد من استخدام هذه العصابة من قبل أعضاء الحكومة الصهيونية الجديدة خاصة ما يُسمى وزير الأمن القومي العنصري والفاشي المجرم بن جفير، في إطار تكثيف العدوان، وتنفيذ سياسات الاحتلال التهويدية والإجرامية على الأرض. 

منتصف فبراير الجاري، تبنى مجلس الأمن الدولي موقفاً ضد المستوطنات الإسرائيلية ولكن مشروع القرار تعثر بسبب رفض أمريكي على التصويت.. برأيكم كيف تساهم الولايات المتحدة في استمرار الاحتلال والعدوان على الشعب الفلسطيني؟ وكيف يمكن قطع اليد الأمريكية عن فلسطين؟

كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الدوام منحازة وشريكاً للكيان الصهيوني في احتلاله وعدوانه الشامل على شعبنا، ودعمه بكل الأسلحة التدميرية والفتاكة والتي ساهمت في ارتكاب هذا العدو الصهيوني المجرم المجازر والقتل، كما سعت الإدارة الأمريكية من خلال تحركاتها المتواصلة، ورعاية لقاءات أمنية إلى محاولة القضاء على المقاومة المسلحة وكل أشكال المقاومة التي يخوضها شعبنا الفلسطيني والتي كفلتها مبادئ القانون الدولي، مرتكزة في ذلك على خطط ومرتكزات منها خطة خارطة الطريق، التي تنص في بندها الأول على نزع سلاح المقاومة، حتى في أحسن الأحوال، وفي إطار إغراء قيادة السلطة في الالتزام بأوسلو خاصة التزاماتها الأمنية، كانت تتحدث عن دولة فلسطينية غير محددة المعالم تقاوم "الارهابيين" في إشارة للمقاومة، والحفاظ على أمن الكيان الصهيوني. يمكن قطع اليد الأمريكية عن فلسطين بتبني خيار المقاومة الشاملة ضد الكيان الصهيوني وتصعيدها، ووقف السلطة التعلق بالحلول الأمريكية، والمراهنة على أي لقاءات أو قمم بالرعاية الأمريكية، واعتبار الإدارة الأمريكية عدو رئيسي لشعبنا الفلسطيني كما الكيان الصهيوني.

مؤخراً أعلنت بلدية برشلونة في إسبانيا قطع العلاقات مع كيان الاحتلال.. هل يمكن أن نشهد خطوات مماثلة لمقاطعة الكيان على الساحة الدولية في المستقبل؟ وهل تعتقدون أن التحولات العالمية التي تشير إلى قرب سقوط المعسكر الغربي بقيادة أمريكا؛ قد تؤثر بشكل إيجابي بالنسبة للقضية الفلسطينية؟ كيف ذلك؟

تتنامى وتتصاعد حالة التضامن الواسع مع الشعب الفلسطيني، وتتوسع رقعة رفض ومقاطعة الاحتلال على الساحة الدولية خاصة في أوروبا، ولذلك من المتوقع جداً أن نشهد خطوات مماثلة لمقاطعة الكيان كما حدث من قبل بلدية برشلونة، كما ساهمت التحولات العالمية وانكفاء المعسكر الغربي بقيادة أمريكا في توسع هذه الحالة. 

وبالتأكيد هذه التحولات ستساهم بشكل إيجابي في دعم القضية الفلسطينية، وتأييد حقوق الشعب الفلسطيني، وتوسع حملات المقاطعة الواسعة للكيان وداعميه من القوى اليمينية الغربية. لذلك مطلوب المراكمة على هذه التحولات في إضعاف اللوبي الصهيوني واليمين الغربي لصالح صعود نفوذ القوى والمجموعات والحركات المؤيدة لشعبنا الفلسطيني، والتي ستعمل بالتأكيد على إحداث تحول نوعي على صعيد دعم القضية الفلسطينية.